تربیة و تعلیم

سألني شاب: عن تنظيم الوقت

شابٌ طموح يحاول الجمع بين اتجاهاتٍ مختلفة، يعاني من ازدحامها .. ويطمح في إضافة الالتزام بمستحبات شهر رمضان مع دراسته وعمله، سألني عن اقتراحاتٍ عملية في تنظيم الوقت.. واخبرني انَّه قرأ وحاول طرق روّادِ التنمية دون جدوى.

قلت له: سأذكر لك بدل تلك الطرق نقطتين:

أولاً: لا يمكن تنظيم الوقت إلا اذا عرفتَ لماذا تنظِّمه؟ فلو لم تملك غايةً من يومك وحياتك، لا فرق بين نومِك فيه كله او يقظتك، فحدِّد هدفك واهدافك، تجد في داخلك دافعيةً لاغتنام وقتك.

ثانياً: تجنَّب “مطَّ الوقت”

قال: وما هو؟

قلت: هناك من يمطُّ الوقتَ وكأنها بقايا لُبانٍ طرية، يصرف في عملٍ واحد اضعاف ما يحتاجه منه. فيمكنك ان تسأل أحدهم سؤالاً بسيطا، كأن تقول: ماذا اكلتَ اليوم على الغداء؟

ليكون الجواب حكاية الف ليلةٍ وليلة، فيبدأ بسردِ قصةٍ مفصلة مفادها انَّه شعر بالجوع متأخراً فاتصل على صاحبه احمد ليخبره بأنه يشتهي أربعة اسياخٍ كاملة من “كباب محمد” فاتفقا أن يذهبا الى المطعم، لكنَّه حين خرج من البيت وجد أن اخاه قد اخذ السيارة معه، فاتصل بصديقه الآخر.

⭐ تعامل مع وقتك كأنَّه رصيدٌ في هاتِفك يوشك على النفاذ، تتكلم فيه بمقدار الحاجة، ولا تتعامل معه كمن يملك “خدمة” مجانية يصرف من وقته بمقدار ما شاء، فحتى لو كان الرصيد مجانياً، فإن عُمرك ليس بالمجان قطعا

وبعد دقائق عشرة من التفاصيل المملة ستعرف انّه لم يجد إلا “لفة الفلافل” ليسد بها جوعه!

كان يمكن لهذا الإنسان أن يجيب ببساطة: “لفة الفلافل” لكنه شعر بالحاجة الى “مطِّ” القصة و اخذ اكبر قدرٍ ممكن من وقتك معه، هذا هو “مط الوقت”، وفقد نُصاب جميعاً بمثل هذه الحالة.

 دعني اضرب لك مثالاً:

كم يستغرقك عادة من الوقت اذا اردتَ الاستحمام؟

قال: ما يقل عن عشرين دقيقة او يزيد.

 قلت: قد تدخل في الحمام و تقف اسفل “الدوش”، فتأخذك فِطنةٌ تتذكر فيها كل آلامك واحلامك، ثم تقرر أن تجرب الصدى في الحمام فترفع صوتك بقراءة بعض الاشعار او الألحان، لينتهي عند ذلك خزينُ الماء، فتخرج من الحمام على مضض.

ولكن حين تكون على عجلةٍ من امرك، يمكنك أن تدخل الى الحمام و تغسل رأسك وجسدك و تقوم بكل ما يستلزم من تطهير نفسك، ثم تخرج؛ كل ذلك في اربع دقائق فحسب. الفرق بين الحالتين هو “مطِّ الوقت”.

قال: فماذا افعل اذاً؟

قلت: تعامل مع وقتك كأنَّه رصيدٌ في هاتِفك يوشك على النفاذ، تتكلم فيه بمقدار الحاجة، ولا تتعامل معه كمن يملك “خدمة” مجانية يصرف من وقته بمقدار ما شاء، فحتى لو كان الرصيد مجانياً، فإن عُمرك ليس بالمجان قطعا.

فمن كان عمله اكثر من وقته، لا يستطيع أن يخلق لنفسه وقتاً، بل يغتنم لحظاته بمقدار الحاجة اليها.

فاجعل لنفسِكَ بعد كُلِّ شُغلٍ .. شُغل، وبعد كل عملٍ .. عَمل، يقول الله ـ تعالى ـ: {فإذا فَرغتَ فَانصَب}.

قال: وبعد ذلك؟

قلت: كتابةُ الأولويات، و حذف الزوائد، و وضع البرنامج اليومي، او الأسبوعي

والأهم من ذلك كله، تخزين الإرادة الكافية للإلتزام بذلك كله.

قال: وإلا؟

قلت: سيصبح ذلك البرنامج  طيَّ النسيان، تعمل به يوماً او بعض يوم، ثم تنساه.

فمن دون إرادة كافية، يمكنك أن تكتب ابيات ابن درويش نهاية جدول برنامجك:  تُنسى كأنَّك لم تكن.

عن المؤلف

السید محسن المدرّسي

اترك تعليقا