مناسبات

شهر رمضان .. موسم التغيير

قال رسول الله، صلى الله عليه و آله: “لو يعلم العبد ما فى رمضان لود ان  يكون رمضان السنة”. (بحار الانوار، ج ٩٣، ص ٣٤٦).

شهر رمضان المبارك يُعد من اهم المواسم العبادية والبرامج الروحية التي يمارسها الانسان المؤمن، فكما نعلم ان صيامه فريضة واجبة كتبها الله تعالى على المسلمين، فهو أيضا عبارة عن برنامج متكامل، يمكن ان نجعله مثالا لاي برنامج اخر، ونستخرج القواعد التي يمكن ان تسهم في انجاح اي برنامج نقدم عليه.

فالادب الإلهي رفيع جدا الى درجة انه لا يكلف العباد بمهمام وواجبات بالطريقة العسكرية الجافة، انما ينظر للحالة النفسية ويهيئ الأرضية المناسبة لاستقبال الحكم بطواعية ورضا.    

فطوال احد عشر شهراً يعيش الانسان المؤمن صراعات مختلفة على المستوى الداخلي والخارجي، فهو في معترك دائم مع مغريات الحياة وملذاتها، فيسعى بكل جهده الى ان يرسم طريقه للوصول الى مرضات الله ـ عز وجل ـ من خلال تعاملاته اليومية وروتين حياته المعتاد.

وهذا امر جيد جدا بل وممتاز ان يعرف الانسان ما يريد فيحاول ان يصلح ذاته ومحيطه بفكر نير يتجنب به الافخاخ الشيطانية التي لا يكاد المرء ان يكشفها إلا من اتى الله بقلب سليم.

⭐ يأتي شهر رمضان المكمل لتلك الأشهر، وهو شهر تاصيل العقيدة وتقويتها وترسيخها في العقل والقلب، حيث ستكون ثمرتها هي الاستقامة في هذه الحياة قولا وفعلا، ومن ثمار هذه الاستقامة هطول البركات والنعم

فيأتي شهر رمضان المكمل لتلك الأشهر، وهو شهر تاصيل العقيدة وتقويتها وترسيخها في العقل والقلب، حيث ستكون ثمرتها هي الاستقامة في هذه الحياة قولا وفعلا، ومن ثمار هذه الاستقامة هطول البركات والنعم، قال ـ تعالى ـ: {وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً}. (سورة الجن/ آية 16).

  اذن فالقضية يراها البعض غاية في السهولة، هلَّ شهر رمضان وبدأ الصيام طيلة النهار عن المفطرات واكمال العبادات الباقية على اكمل وجه، هذه هي هكيلية المعنى العام لهذا الركن الايماني المهم في حياة الفرد المسلم.

 لكن ما هو المعنى الخاص لهذه الفلسفة العبادية الراقية؟

ان التشريعات الإلهية هي عبارة عن  قوانين تنظيمية تسعى لبلورة شخصية الانسان بأفضل صورة، وهي صادرة من لدن خبير عليم، لذا فإن التفكر فيها والاعتبار منها يعد احد اهم الاستفادات التي تزودنا بالبصائر الحياتية لنعيش كما يجب بين الناس.

وشهر رمضان كنظام تشريعي دقيق يمكن ان نستلهم منه مجموعة من القواعد  الهامة لتحقيق الإنجازات في الحياة، لانه جاء ليحقق غاية عظيمة عبر برنامج متكامل يستغرق شهرا كاملا، بمجموعة من الالتزامات التي يؤديها الانسان ليصل الى ذلك الهدف وهو ان  يكون من المتقين.

📌 فكيف نجعل شهر رمضان منطلقا للتغيير؟

  1. الاستعداد النفسي المسبق له من خلال الالتفات الى أهميته واثاره الدينية والحضارية، بأعتباره شهرا استثنائيا كمناسبة الهية.
  2. الإحاطة الضرورية بما لهذه الفريضة الدينية الهامة من احكام شرعية مما قد ذكره الفقهاء في رسائلهم العملية الميسرة، فالاطلاع على احكام الصيام والتعرف على شروطه وحدوده من شأنه ان يعطي المكلف البصيرة الواضحة والاطمئنان النفسي بأنه على الجادة في امتثاله الشرعي لهذه الفضيلة.
  3. النظر في مقاصده وأهدافه كفريضة دينية تنطوي كسائر الفرائض الدينية الأخرى على الكثير من الحكم والمصالح والمقاصد العليا التي  من شانها ان تجعل المكلف اكثر وعيا بابعاد ما هم ممتثلون له وهو ما يمكن تحقيقه باتباع الاليات التالية:
  4. التأمل الوجداني بأعتبار الصوم تجربة شخصية
  5. النظر في أحوال الناس ومدى انعكاسات هذه الفريضة على حياتهم.
  6. النصوص الدينية كتابا وسنة.
  7. مراجعة بعض الكتابات والدراسات في هذا الشأن.
  8. الاطلاع على الاثار الدينية والحضارية للصيام في نهضة الامة وقدرتها على مواجهة التحديات الكبرى في التاريخ الإسلامي والتاريخ الحديث.
  9. الاستثمار الكامل لاجواء هذه المناسبة في احداث التغييرات اللازمة في شخصياتنا كل حسب وضعيته واحواله، من خلال تخصيص وقت للبرامج الروحية كقرآءة القرآن والدعاء والصلوات، وتخصيص وقت للمراجعة الذاتية ومحاسبة النفس لاسيما في العلاقات العائلية والاجتماعية وتربية الأولاد، إضافة الى المشاركة في اصلاح الشأن العام كالحضور والدعم المعنوي والمادي وغيره.

📌 مخاطرعلى طريق التغيير

هناك ثمة معوقات ومخاطر قد تفوت علينا فرصة الاستفادة الكاملة من أجواء شهر رمضان القدسية العظيمة، ترى ماهي؟

  – اللامبالاة بالشهر الكريم ومساواته في المعاملة مع بقية شهور السنة وتجاهل ما هو عليه من عظمة وخصوصيات تتمثل بنزول القرآن، وليلة القدر، وتنزل الملائكة والروح، وتفتح أبواب السماء بالرحمة والمغفرة والرضوان.

– الجهل بما ينطوي عليه هذا الشهر من علل وحِكم ومصالح معنوية وصحية فردية واجتماعية، كونه يمثل محطة مراجعة وتزود لابرز حكم الصيام وهي تنمية روح التقوى وتنقيتها من كل ما قد علق بها من ترسبات ضارة خلال السنة.

⭐ الادب الإلهي رفيع جدا الى درجة انه لا يكلف العباد بمهمام وواجبات بالطريقة العسكرية الجافة، انما ينظر للحالة النفسية ويهيئ الأرضية المناسبة لاستقبال الحكم بطواعية ورضا

-عدم استحضار الحاجات الخاصة والشخصية مما يريد كل صائم تحقيقها خلال الشهر الفضيل، فمن الضروري جدا قبل الدخول في أجواء شهر رمضان تحديد المطالب وتشخيص النواقص، وثم ادراجها ضمن خطة واضحة وبرنامج محدد للعمل على تحقيقها ضمن أجواء شهر رمضان المبارك.

– التراخي في استثمار هذه الفرصة العظيمة وما تنطوي عليه من إمكانية في الارتقاء الروحي والسلوكي  الذي من شأنه ان يضيع علينا اثمن الفرص الذهبية في التربية والتقدم والانجاز بسبب ضعف الإرادة  او عدم الشعور بأهمية الفرصة المتاحة.

اذن فالصيام  يمثل منظومة تغيير روحانية واخلاقية وتربوية عجيبة لا مثيل لها على الاطلاق، ولكي تعمل تلك المنظومة بشكل صحيح لا بد من تطبيق قوانينها الخاصة آنفة الذكر للوصول الى الغاية المنشودة في التغيير والارتقاء بالنفس البشرية الى اعلى درجات الكمال.

عن المؤلف

زينب علي عمران

اترك تعليقا