مناسبات

أيهما أفضل: زيارة الإمام الحسين أم حج بيت الله الحرام؟*

يقول الله ـ تعالى ـ: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}.

سؤال يراود الكثيرين: هل أن زيارة الإمام الحسين، عليه السلام، في يوم عرفة وليلة العيد ويومه، في مواجهة الحج؟ أم أنها موازية للحج؟ أم أن الامر يختلف عن كل ذلك؟

البعض يقول: حينما تذكرون روايات نُقلتْ عن أئمة أهل البيت، في ثواب زيارة الامام الحسين، عليه السلام، في يوم عرفة، وأن الله ينظر الى زوار الحسين يوم عرفة، قبل أن ينظر الى زواره عرفات، فهل هذا يعني ـ وهو تساؤل البعض ـ أن علينا ان لا نذهب الى الحج ونقتصر على زيارة الحسين فقط؟

وهل معنى ذلك أن الحج أقل ثوابا، وان الله يريد لعباده أن يتركوا بيته الحرام ويأتوا الى زيارة الحسين عليه السلام؟

في الحديث التالي يبيّن ان الذين لا يستطيعون الذهاب الى بيت الله الحرام، وأن الذين ليس عليهم الحج واجبا، عليهم الذهاب الى زيارة الحسين، وإلا فالحج مقدم، ولكن ليس كل الناس يستطيعون الذهاب الى الحج.

عن بشير الدهان قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ربما فاتني الحج فاعرف عند قبر الحسين عليه السلام؟ قال: “أحسنت يا بشير أيما مؤمن أتى قبر الحسين عارفا  بحقه في غير يوم عيد كتبت له عشرون حجة، وعشرون عمرة مبرورات متقبلات، وعشرون غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل، ومن أتاه في يوم عرفة عارفا بحقه كتبت له ألف حجة وألف عمرة مبرورات متقبلات، وألف غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل.

📌هل أن زيارة الإمام الحسين، عليه السلام، في يوم عرفة وليلة العيد ويومه، في مواجهة الحج؟ أم أنها موازية للحج؟

قال: فقلت له: وكيف لي بمثل الموقف؟ قال: فنظر إلي شبه المغضب ثم قال: يا بشير إن المؤمن إذا أتى قبر الحسين عليه السلام يوم عرفة واغتسل بالفرات ثم توجه إليه كتب الله عز وجل له بكل خطوة حجة بمناسكها، ولا أعلمه إلا قال: وغزوة”.

عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “من زار قبر الحسين عليه السلام يوم عرفة كتب الله له ألف ألف حجة مع القائم، وألف ألف عمرة مع رسول الله صلى الله عليه وآله، وعتق ألف ألف نسمة، وحملان ألف ألف فرس في سبيل الله، وسماه الله عبدي الصديق آمن بوعدي، وقالت الملائكة: فلان صديق زكاه الله من فوق عرشه وسمي في الأرض كروبيا”.

بناءً على هذين الحديثين؛ فإن زيارة الإمام الحسين، عليه السلام، في يوم عرفة لا تعني مواجهة الحج، وليست ايضا موازيةً للحج، بل امتداد للحج، وإذا عرفنا معنى الحج وما يعنيه للحُجّاج، وما الذي قام به الإمام الحسين، نعرف معنى هذه الكلمات.

حينما اعترض ملائكة الله على ربهم عندما أخبرهم: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ}، عرفوا أن أخطأوا في اعتراضهم فتابوا الى ربهم، وطافوا حول البيت المعمور، وحينما تاب الله على آدم أمره أن يبني بيته الحرام في مكة، فكما أن الملائكة حصلوا على شيء يطوفون حوله ويتوبون الى الله بسبب ذلك الطواف، جعل الله البيت الحرام ليطف الانسان حوله.

انهدم البيت الحرام في فترة من الفترات، الى ان جاء ابراهيم الخليل، وأمره الله بأن يجدّد البيت الحرام، وجاء بأهله، وطفله الصغير اسماعيل، وقصة تركه لأهله في تلك الارض الموحشة، التي لا ماء فيها ولا زرع، وبعدها بدأت قصة عطش اسماعيل، وسعي هاجر بين الصفا والمروة، بعدها أمر الله نبيه ابراهيم أن يدعو الناس الى الحج.

وبعد رؤيا النبي ابراهيم أن يذبح ابنه اسماعيل، فداه الله بذبح عظيم، والبعض يظن ان الذبح العظيم عبارة عن كبش وهذا تصور ناقص، فالله ـ تعالى ـ له قربان في هذه الأرض، وهذا القربان؛ ليس موسى بن عمران، ولا عيسى، ولا اسماعيل، بل هو الحسين، عليه السلام.

الحج هو انعكاس لاعمال عائلة ابراهيم عليه السلام، فأعمال ابراهيم وعائلته كانت أعمالاً حقيقية، واداء الناس لمناسك الحج انما تقليد لأعمال تلك العائلة، لكن الامام الحسين عليه السلام، جسد تلك الحقيقة مرة ثانية، فروح الحج ما قام به الإمام الحسين، عليه السلام، وإلا فالحكام الظلمة يذهبون الى الحج، لكن ليس ذلك الحج الذي يريده الله.

الإمام الحسين، في يوم التروية (اليوم الثامن من ذي الحجة) أحلَّ إحرامه، والناس كانوا يذهبون الى الحج، وهو بمثابة هجرة خارجية، لكن الامام الحسين، حينما حلَّ إحرامه، فهو هاجر هجرةً داخلية، والمطلوب منا هو كذلك، أن نزكي انفسنا، ونطهرها، فتتعلق ارواحنا بالله، وتكون اعمالنا لله وحده، وهذا هو التوحيد.

الله ـ تعالى ـ قدّر موقف هاجر وهي تسعى للبحث عن الماء لرضيعها، فجعل السعي بين الصفا والمروة من شعائر الحج، وجعل الله حِجر اسماعيل جزاءً من المطاف، فحين يطوف الحاج حول الكعبة، لابد للحاج أن يطوف بحجر اسماعيل، وهو المكان الذي كانت فيه هاجر وابنها اسماعيل.

📌 زيارة الإمام الحسين، عليه السلام، في يوم عرفة لا تعني مواجهة الحج، وليست ايضا موازيةً للحج، بل امتداد للحج.

الإمام الحسين، عليه السلام، مثّل الروحيّة الحقيقية للحج، فحين قدم طفله في يوم عاشوراء، قال عليه السلام: “إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى”. فلم يعاتب الامام الحسين ربه، وكذا الأسرى، فحين قال يزيد للسيدة زينب، عليها السلام: كيف رأيتِ صنع الله بأخيك؟

قالت: ما رأيتُ إلا جميلا.

قضية الإمام الحسين، عليه السلام، هي روح الحج، وحين يذهب الزائر الى كربلاء، إنما هو للحصول على تلك الروح.

ماذا نطلب من الإمام الحسين في يوم عرفة؟

“من زار الحسين في عرفة عاد ممتلئ اليدين”، المطالب والحاجات كثيرة، ولكن من المهم الطلب والدعاء في يوم عرفة:

اولا: أن يكون المؤمن مع الحسين وفي درجته، ولذا على الإنسان المؤمن ان يوسّع طموحه في الدعاء، وان يطلب الشيء الكبير والكثير، خصوصا في يومٍ كعرفة، ومكانٍ كقبر الإمام الحسين، عليه السلام، حين يذهب البعض عند الأمير او الملك، فهو لا يطلب من الأمير سندويج، أو شيء بسيط، فكيف بمن يطلب من سيّد الجنة الإمام الحسين، عليه السلام، فهو في السماء اكبر منه في الأرض.

ثانيا: أن يطلب المؤمن أن يكون مستجابَ الدعاء، هناك من يأتي الى الإمام الحسين، عليه السلام، و يطلب زوجة، وآخر يبحث عن بيت متكون من غرفتين، والآخر يبحث أن يكون في منصب شرطي هذا أمور بسيطة، لكن الأهم ان تكون مستجابَ الدعوة.

ثالثا: الدعاء بأن يعيذك  الله من مظلات الفتن، والفتن نوعين؛ فهناك فتنة فردية، وهناك فتنة جماعية، والفتن الجماعية هي الأخطر، ولذا نرى بعض الاشخاص كانوا صالحين، لكن في موقف معين انحرفوا، زبير بن العوام، جرد السيف في وجه الإمام علي، عليه السلام، وكانت تلك خاتمته السوأى.

رابعا: الدعاء بأن يختم الله لك بما ختم للحسين عليه السلام، نقرأ في الدعاء: “وقتلا في سبيل فوفق لنا”، فالإمام علي، عليه السلام، في عهده الى مالك الاشتر يقول: وأسال الله ان يختم لي ولك بالسعادة والشهادة”.


  • إعداد هيأة التحرير

عن المؤلف

آية الله السيد هادي المدرسي

اترك تعليقا