مناسبات

الحمزة بن عبد المطلب شهادة وألم

“ردّها عليّ إن استطعت”

كانت صفعة المظلوم بوجه الظالم.

كانت هذه الحادثة سبباً لكشف إسلام بطل الهاشميين أسد الله، وأسد رسوله، وفي الوقت نفسه كانت بداية انطلاقة جديدة للدعوة، وقوة داعمة فازداد اطمئنان أبي طالب، فقد كان يعمد إلى حماية ابن أخيه حماية مباشرة، ويخشى عليه حتى من ظله، لذا كانت فرحته كبيرة بإعلان حمزة إسلامه، وهو و ولداه علي وجعفر، قوة لا يستهان بها، ويعرف قوة أخيه وبطولته أكثر من غيره.

وجرب شجاعته وإقدامه أكثر من مرة ولم يكن هيّناً على قريش إسلام حمزة وإعلان إسلامه، فقد كانت تهابه وتخشاه، وقد لامت أبا جهل على تهوره الذي يسبب لها الأزمات، ويدفع بأصحاب محمد إلى الصلابة والصمود.

 وإذا كانت الهجرة إلى المدينة، وغادر الأصحاب متخفين متسللين، فقد شدَّ حمزة ركبه دون خشية، أو خوف من طغاة مكة، وهاجر إلى المدينة المنورة ليكون إلى جنب نبيه.

لقد أخلص حمزة لقضيته، و وفى لها، وعقد له النبي أول راية رفت في الإسلام، فقد أرسله مع سرية له إلى سِيْف البَحَر (منطقة بالقرب من المدينة المنوّرة) ليقاتل المشركين، وقبل أن يلتحم القتال تم التوصل الى اتفاق ومعاهدة، وكان النبي يحرص دوما أن يتجنب القتال.

🔺 لقد أخلص حمزة لقضيته، و وفى لها، وعقد له النبي أول راية رفت في الإسلام، فقد أرسله مع سرية له إلى سِيْف البَحَر (منطقة بالقرب من المدينة المنوّرة)

 فراحت الأيام تحصد الشوامخ من المواقف المشرّفة لبطل الهاشميين كلها تعبر عن شرف العقيدة و الإخلاص، ويحث حمزةُ المسلمينَ على القتال وهو يصيح: قال رسول الله والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبل غير مدبر الا أدخله  الله الجنة.

 يقول احد صحابة النبي، صلى الله عليه وآله، وكنا قد اجتمعنا يوما في مسجد الرسول، صلى الله عليه وآله، نستعرض بدرا وميدانها ، فكان الأصحاب يتبارون  في ذكر من قتل بسيف حمزة، وعلي بن أبي طالب، وكيف جندلا الأبطال، وهذا العمالقة حتى استغاثت قريش من بطولتي اسد الله ورسوله وفتى أبي طالب، وما أوقع فيها من خسائر فادحة.

وبقي هذا الخزي يلاحق قريش وأعوانها، وكان طعم الهزيمة علقما، وثقل الخسارة مجهداً يقض المشركين في ليلهم ونهارهم، فصمموا على الثأر، تصميمَ الموتور وإصرار المغبون وكان التجاوب فيما بينهم وخاصة قريش مساعدا الجمع فلولهم، وكيف لا تكون كذلك، وكل قبيلة أصابها ما أصابها من عار الخسارة الشنعاء عار لا يشابهه عار وخسارة لا تضاهيها خسارة.

 ولم يطفأ لهب قريش ولم يكشف حزنها إلا قتل أحد الثلاثة: محمد، وحمزة، وعلي ودارت رحى الحرب بين المسلمين والمشركين حامية في (أحد) تارة على المسلمين، وأخرى على المشركين؛ كر وفر، وأبو سفيان يجول في وسط أصحابه يذكرهم بعار (بدر) وقتلاهم فيها ومجدهم المندثر، ويصرخ ملء شدقيه: “لا بد من جولة تطيح فيها الرؤوس، وتزهق بها الأرواح، وتعتلي السيوف القمم عند ذاك أما الثار أو الموت”.

وكان كل موتور يتصيّد واتره لعله يخفف من حزنه بما أصيب، وكان جبير بن مطعم موتورا من حمزة بقتله عمه طعيم بن عدي يوم بدر، وكانت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان تتربص به الدوائر وتبذل الغالي والنفيس لاصطياد بطل الاسلام للثأر بيوم بدر.

يقول وحشي: كنت اتهيأ له اريده، فاستتر منه بشجرة او حجر ليدنو مني، و انتظر اللحظة التي أرميه فيها بحربتي، فيما الفارس المغوار في غفلة عن عدوه، لا يلتفت، ولا يعرف من أمره شيئا حتى إذا ما قرب منه اندفع إليه، و رماه بحربته، فأصابت منه مقتلا، ووقع صريعاً، ولما تأكد من موته ذهب إليه، وأخرج حربته، وجرى مسرعا لجبير يبشره ليملك حريته، ويخبر هندا فيتمنّى عليها.

سرى الخبر يمضّ في قلوب المسلمين، ويبعث السرور في نفوس المشركين، هذا حمزة بطل الإسلام، وأسد الله وساعد محمد مجندل في الميدان، يا لفرحة الشامتين!

و خفت أوار الحرب، وطافت نساء مكة بين القتلى تسبقهن هند، وهنَّ يرقصن فرحاً، ويجدعن أنوف قتلى المسلمين، ويبقرن بطونهم، ويقطعن آذانهم، ولم يشفِ غليلَ هند كل هذا، اين حمزة؟! فقد أخبرها وحشي بأمره، وإنها لتخوض في الدماء والجثث إذ تعثر بحمزة وهو يتوسد التراب.

 أصحيح أن بطل الهاشميين صريع في الميدان؟ إنه بغيتها وتجلس على صدره وفرحتها تكاد تقضي عليها، بماذا تبدأ وكيف تعمل؟ تقطع أوصاله، لا لا يهدأ خاطرها، تسمل عينيه؟ لا يُطفئ لهب حقدها، تقطع لسانه؟ لم يجدها أكثر من هذا تريد لتستخرج كبده فتأكله.

 وقعت، ولكن لم تتمكن من أكله لفظته مقهورة جازعة، ثم لتعمل قلادة من أجزاء انفه، وأذنيه، ولسانه، وعينيه، ثم بقرت بطنه، وقطعت أوصاله ولم يبق لديها ما تفعله، فتركته وهي تنهادی نشوى بقطتها، حتى قال المشاهدون: “عنه ما مثل بأحد كما مثل بحمزة”.

🔺 راحت الأيام تحصد الشوامخ من المواقف المشرّفة لبطل الهاشميين كلها تعبر عن شرف العقيدة و الإخلاص

وانسابت دموع الشيخ أبي معاذ، فسكت عن الكلام قليلا كي يمسح ما علق في أجفانه من حبات الوفاء، فقد تذكر الشيخ المنظر المروع، فهاجت أحزانه، وضايقته عبرته، ثم عاد بعد هُنيئة يواصل حديثه واستقبل أبو سفيان زوجته وهي ترقص وفي صدرها قلادة من أعضاء إنسان والتفت الرجل لزوجته متسائلا: فأخبرته فضحك ضحكة طويلة، وصاح اين تركتيه؟ قالت: علی مقربة من العين.

وانطلق يحدو، ولا يدري كيف يطوي طريقه، حتى وقف عليه وشاهده مقطعا، ولم يكتف بذلك، بل أخذ يمزق شدقي الصريع برمحه وهو يضحك، فمر عليه أحد الأعراب، و رآه في موقفه المخزي، فقال لصاحبه: انظر يا ابا عروق سيد بني عبد شمس يصنع بابن عمه ما ترى، إنه يجهز على ميت، فالتفت اليه أبو سفيان قائلا: ويحك! اكتمها عنّي ولا تفضحني عند العرب.

 كان منظر حمزة، وهو مقطع الأوصال، أوجعَ منظرٍ أثّر في قلب النبي، ثم سجاه بغطاء، وقسم من حشيش الأرض.

ومع كل ما أصابه من حزن في هذا الموقف الدقيق، فقد ابّن رسول الله، بطل الإسلام بقوله وهو يصارع أحزانه : رحمك الله يا عم. فلقد كنت وصولا للرحم، فعولا للخيرات، فو الله لمن ظفرت بهم لأمثلن بسبعين منهم.

انها الحمية والثأر دفعت بالرسول الأعظم أن يتعهد بهذا الثار لعمه المؤمن الشهيد بعد أن هزه الموقف هزا لكن الله سبحانه أراد غير ذلك، فقد نزلت الآية الكريمة: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ}. (سورة النحل).

وهكذا انتهت حياة بطل الإسلام حمزة بن عبد المطلب صفحة مشرقة تنير للأجيال دروب العقيدة والكفاح، والصمود والبطولة.

عن المؤلف

كريم الموسوي

اترك تعليقا