قراءة فی کتاب

الجندر.. ما وراء القناع؟  لمؤلِّفه: الدكتور السيد محسن القزويني*

إن لم أكن مخطئاً؛ ربما يكون هذا الكتاب، المبادرة الأولى للبحث في مفهوم “الجندر” وما يكتنفه من دلالات وإثارات، من تأليف الدكتور محسن القزويني، مؤسس جامعة أهل البيت، عليهم السلام، وهو بالأصل، سلسلة مقالات نشرها في صحيفة الزمان اليومية، ثم جمعها بين دفتي هذا الكتاب، ويتعرض لهذا المفهوم الذي اصبح قضية عالمية يشغل بال الدول والمؤسسات الثقافية والدينية، وقبلهم جميعاً؛ الرأي العام العالمي والإسلامي.

ولعل أول نتيجة خطيرة أفرزها “الجندر” في الوقت الحاضر؛ تمكنه من شقّ الفكر والثقافة في العالم الى نصفين في قضية يفترض أن تكون من المسلمات العقلية والمنطقية لدى  البشر، فظهرت جبهة تؤيد نفي التمييز بين الجنسين، فيما ترفضه الجبهة الثانية مستنداً على منطق العقل والفطرة الانسانية والثوابت الدينية.

“الجندر” كان مختبئاً بين طيات الكتب وبين الاوساط الاكاديمية طيلة السنين الماضية كمصطلح علمي، ثم ظهر فجأة على الساحة الإعلامية والسياسية بقوة وبشكل غريب، داعياً بصوت عالٍ الى تبني خيار ثالث بين جنس المذكر وجنس المؤنث على الصعيد الاجتماعي، بعد فشل كل المحاولات بإيجاد نوع ثالث على الصعيد البيولوجي (الجنسي والفوارق الظاهرية بين الرجل والمرأة)، رغم التعارض الواضح القيم الدينية والانسانية التي تتسالم عليه شعوب العالم أجمع، ثم ليتحول الى نمط ومنهج تفرضه الدول الكبرى، ومن خلفها المنظمات الدولية على جميع دول العالم بشكل غير مسبوق، وقد طرق هذا المفهوم ابواب جميع دول العالم، لاسميا الاسلامية، ومنها العراق. 

⭐ خير ما فعل المؤلف في إماطة اللثام عن خلفية الفكرة والمفهوم بشكل عام، فهي ليس لها علاقة بالانسان كإنسان، بمشاعره وأحاسيسه، فضلاً عما يتحدث به البعض عن “حقوق الانسان” وحريته الزعومة، بقدر ما هي تعود بالأصل الى رؤى ونظريات خاصة لاشخاص عاشوا ظروفاً اجتماعية وسياسية قاسية

وبالرغم من حساسية الظروف السياسية الحاكمة، وتأثّر العراق – أكثر من سائر الدول- بالقرارات الدولية، بيد أن الشجاعة في الطرح، والدقّة في مناقشة الموضوع، كان سمة المؤلف في هذا الكتاب ليعطي مصداقية لعنوانه: “الجندر ما وراء القناع”، ويؤكد أن “هدف مجتمع الميم تحويل المجتمع البشري الى ما هو بعيد عن الفطرة السليمة لغايات في نفوسهم العليلة، وذلك باستخدام كافة الوسائل المتاحة كبعض منظمات الأمم المتحدة ومؤتمراتها ومؤسساتها التي اصبحت في خدمة الجندر”، جاء في المقدمة.

  • الضرب في الجذور

خير ما فعل المؤلف في إماطة اللثام عن خلفية الفكرة والمفهوم بشكل عام، فهي ليس لها علاقة بالانسان كإنسان، بمشاعره وأحاسيسه، فضلاً عما يتحدث به البعض عن “حقوق الانسان” وحريته الزعومة، بقدر ما هي تعود بالأصل الى رؤى ونظريات خاصة لاشخاص عاشوا ظروفاً اجتماعية وسياسية قاسية تصوروا أنهم يتفوقون عليها بأفكار بديلة تنقذهم مما فيه من أزمات ومعاناة، فكان قلم المؤلف مشعلاً أضاء كل الزوايا البعيدة لفكرة الجندر، وبدأ بثلاثة من المفكرين الفرنسيين هم؛ جان بول سارتر، صاحب النظرية الوجودية، وصديقته؛ سيمون دي بوفوار، صاحبة كتاب: “الجنس الآخر” والمُنكرة لأمومة المرأة، و جون ماني؛ عالم النفس النيوزلندي المقيم في اميركا.

وقبل هذا، يشير المؤلف الى خلفية هؤلاء الفكرية العائدة الى اثنين من مؤسسي المذهب الوجودي من فلاسفة القرن التاسع عشر وهما: الدنماركي؛ سورين كيركغارد، والالماني؛ فريدرك نيتشه، و”جاءت افكارهما في الاساس كرد فعل لسيطرة الكنيسة على الحياة السياسية والاجتماعية، وهذا ما يظهر من كتاب “رهبة واضطراب” لكيركغارد.

هؤلاء من وضعوا القواعد الفكرية لنظرية الجندر من خلال “كل فعل حر هو مشروع”، يقول سارتر الداعي الى نفي القيم التي سبقت وجود الانسان، مثل؛ الحق والباطل، والأخلاق، والفضيلة، والحُسن والقبح، وأن الانسان هو الذي يقرر ما يناسبه من هذه القيم لحياته في هذه الدنيا التي تُعد بالنسبة اليه كل شيء، كما يقول سارتر (1905-1980).

أما جون ماني (1941-2006) فانه توصل الى أن: “البشر يولدون محايدين جنسياً، و ان التربية هي التي تحدد السلوك للجنسين؛ ذكراً كان أو انثى”، وهو أول من أعلن مصطلح الجندر للدلالة على الهوية الجنسية، وأعطى هذا المصلطلح طابعاً اجتماعياً، يقول المؤلف.

  • الجندر والغطاء الدولي –الأممي

ثم يتطرق الدكتور القزويني الى مسألة في غاية الخطورة على البلاد الاسلامية ومنها؛ العراق، وهي الغطاء القانوني على المستوى الدولي من خلال المنظمات التابعة للأمم المتحدة التي رعت مؤتمرات دولية كبرى في العالم منذ سبعينات القرن الماضي للترويج للجندر تدريجياً، واشار المؤلف الى أولها عام 1975 في المكسيك، ثم في عام 1980 في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، ثم في العاصمة الكينية نايروبي عام1985، وفي بكين عام 1995، وهو المؤتمر الأكبر والأهم من نوعه، فقد “تمخض عن اتفاقيات سياسية لاول مرة، حضره سبعة عشر ألف مشارك، وستة آلاف مندوب حكومي، و اكثر من اربعة آلاف ممثل عن منظمات المجتمع المدني، مع تغطية اعلامية واسعة بلغت اربعة آلاف صحفي.

ركز المؤتمر حول مبدأ المساواة بين الجنسين، وتمخض عنه “اعلان بيجن” وقعت عليه 189دولة يدور حول تمكين المراة ومساواتها بالرجل، كما تضمن الإعلان منهاج عمل أقره، يعطي الحق للافراد في التحكم بشؤونهم الجنسية، و اتخاذ القرارات بشأنها بما فيها الصحة الجنسية والانجابية، (الاجهاض) بلا إكراه ولا تمميز او عنف، وهي عبارات تتضمن التزام الدول بالحقوق الجنسية، وإن لم يتم استخدام مصطلح الجندر”.

  • الدستور.. الثغرة الأكثر خطورة

اشار الدكتور القزويني، مرة اخرى الى دور المنظمة الدولية في هدم كيان الأسرة بشكل غير مباشر من خلال سنّها قوانين تحمي المثليين والمثليات قانونياً في جميع أنحاء العالم، وتعليقاً على ما جاء في وثيقة الأمم المتحدة بشأن المثليين في شهر آب من هذا العالم (2023)، أكد المؤلف تعارض هذا القانون مع مزاعم الحرية والمساواة مع حقوق المرأة بالأساس، “فهناك فوارق طبيعية بين الرجل والمرأة هي من الطبيعة الجسمانية والنفسية لكل منهما لم تلحظها وثيقة الأمم المتحدة، فهي ليست جزءاً من حقوق المرأة، بل تتعارض وتتضارب مع حقوقها الأصلية في الأمومة وتربية الأبناء”.

⭐ يتطرق الدكتور القزويني الى مسألة في غاية الخطورة على البلاد الاسلامية ومنها؛ العراق، وهي الغطاء القانوني على المستوى الدولي من خلال المنظمات التابعة للأمم المتحدة التي رعت مؤتمرات دولية كبرى في العالم منذ سبعينات القرن الماضي للترويج للجندر تدريجياً

ويتطرق الى رأي العلم بالجندر، وأيضاً رأي القانون، ليؤكد أن الجندر مفهوم مرفوض ومفروض في الوقت نفسه رغم تناقضاته وتشوهاته.

ثم يسلّط المؤلف الى مسألة غاية بالأهمية بالنسبة للعراق في دستوره الموجود ذو الثغرات العديدة ومنها ما يمكّن الجندر ودعوات مشبوهة من الخارج لاختراق الساحة الاجتماعية بغطاء قانوني، فهو يستشهد بالمادة 29التي تقول: “ان الاسرة اساس المجتمع وتحافظ الدولة على كيانها وقيمتها الدينية والاخلاقية والوطنية”. وجاء ايضاً: “تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة و الشيخوخة، وتربي الناشئة والشباب، و توفر لهم الظروف المناسبة لتنمية مهاراتهم وقدراتهم”.

ثم يقارن المؤلف بين هذه المواد الدستورية، ومشروع قانون تمكين المرأة الذي تسعى أطراف في الداخل والخارج لفرضه في الحياة العراقية، ويكشف التالي:

  1. إن مشروع القانون يتعارض والدستور العراقي بالكامل، لان الدستور العراقي يحافظ ويرعى شؤون الاسرة، بينما مشروع القانون ينتهي الى هدم الاسرة، لانه يقر باتفاقية “سيداو” التي تعطي للمرأة الحق في إجراء العقود، ومنها عقد الزواج، ومنحها الحق في فسخ عقد الزواج، وتعطيها حق القوامة في البيت كما تعطيها للرجل، وهذا سبب كافٍ لفقد الاسرة توازنها.
  2. تعطي الاتفافية للمرأة حق الاجهاض تحت مظلة “الصحة الانجابية”، ولما كانت المادة 4 قد اشارت الى التعهد بتطبيق الاتفاقايات الدولية، فان من نتائجها، القبول بجميع مخرجات اتفاقية سيداو، و جميع توصيات الامم المتحدة المتعلقة بالاسرة والمرأة.
  3. يعلن مشروع القانون عن مخالفته الصريحة للثوابت الاسلامية في المادة 4عندما طالب بمساواة المرأة وفق فكرة “النوع الاجتماعي”، علماً أن الاسلام لا يرى أي مشكلة في مساواة الرجل مع المرأة في الكثير من الامور لكن ليس بصورة مطلقة.
  4. هذا القانون يفترض ان لا يُسنّ لانه يتعارض مع روح الدستور العراقي ومع عشرات المواد التي وردت فيه، وحسب المادة 13من الدستور لا يجوز سن أي قانون يتعارض مع الدستور، أما استناده على المادة 29 فجاء مناقضاً لروح المادة 29 و30التي تدعو الى بناء الاسرة وتربية الابناء التربية الصالحة بينما ذهبت الاتفاقيات الدولية الي يستند اليها مشروع القانون الى هدم الاسرة وعدم الاعتراف بالأبناء وبالعلاقات السوية.
  • الجندر والإسلام

وقبل أن يختم المؤلف كتابه برؤية الإسلام الى مفهوم الجندر، يجري المؤلف جولة على آراء الحضارات والديانات حول المرأة ليكشف مدى الاحتقار والمهانة التي عاشتها المرأة عبر الدهور قبل ان تشرق شمس الإسلام على البشرية، فتطرّقَ الى رؤية اليونان القديمة التي كانت ترى في المرأة “ينبوعاً للشر”، كما نقل عن سقراط بأن المرأة “تشبه شجرة مسمومة، ظاهرها جميل، ولكن بمجرد ان تأكل منها العصافير تموت”! أما ارسطو فيقول: “المرأة رجلٌ غير كامل، وقد تركتها الطبيعة في الدرك الأسفل من سلم الخليقة”!

كما أشار المؤلف الى وضع المرأة في الحضارة الرومانية وكيف أنها كانت تباع على اساس وزنها، فتوضع في الميزان كالخروف وكان قيمة الرطل من وزنها يساوي بنسين او ثلاث!

كما اشار الى مكانة في الديانة اليهودية والديانة المسيحية، وكيف أن مصير المرأة في ظل الديانة المسيحية أن يتنكروا للأمومة وللأسرة مبيحين ممارسة الشذوذ الجنسي للرجال والنساء، وراحت الكنائس تعقد زواجاً للمرأة مع المرأة، والرجل مع الرجل!

⭐ ان قانون ( تمكين المرأة) يفترض ان لا يُسنّ لانه يتعارض مع روح الدستور العراقي ومع عشرات المواد التي وردت فيه، وحسب المادة 13من الدستور لا يجوز سن أي قانون يتعارض مع الدستور

بينما في الإسلام يقول الدكتور القزويني: “تتجلى المرأة بأبهى صورة في القرآن الكريم”. ويستشهد بآيات كريمة من سور عدّة تشير الى قيم سامية وعظيمة ترفع من شأن المرأة منها؛ “تكاملية الرجل مع المرأة”، والآية الكريمة التي تتحدث عن الزواج على قاعدة المودة والرحمة، وأن المرأة “ليست مصدر الخطيئة”، ومبدأ المواساة على قاعدة العدل والإحسان، و تكافؤ فرص العمل والإنتاج، والشراكة في بناء الأسرة.

الكتاب يقع في تسعين صفحة، صدر عن مركز براثا للدراسات والبحوث تحت ضمن سلسلة دراسات وبحوث، تقول الدار في ديباجة الكتاب، أنها ستصدر تباعاً لمحاولة تحصين الأمة وحمايتها من خلال فضح الأساليب والافكار والآليات والبرامج التي تهدف لتحقيق مآرب العدو في حربه الفكرية.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا