رأي

بين يوم القدس وطوفان الأقصى: مشروع التحرير الجاد الذي بدأ

بين يوم القدس العالمي وطوفان الأقصى مشروع إسمه الدفاع عن الكرامة واستعادة الأرض المحتلة فيوم القدس العالمي أسس لعنوان عريض إسمه فلسطين يجب أن تعود إلى أهلها وإلى العالم الإسلامي، وطوفان الأقصى إمتداد لذلك المشروع الجاد الذي أسس له الإمام روح الله الموسوي الخميني ”قدس سره“ ووضع حجره الأساس للخروج من كل مسرحيات تزييف الوعي وتطويع الإرادة لإيصال الأمة والشعب الفلسطيني للاستسلام للأمر الواقع الذي حاول الغربيون والصهاينة فرضه على العالم الإسلامي.

لقد نضج مشروع يوم القدس العالمي لتأصيل فكرة ”المقاومة“ من أجل استرداد الأرض واسترجاع الكرامة، وكانت ثمرة هذا النضج هو ”طوفان الأقصى“ بكل عناصر وعوامل التغيير التاريخية التي يحملها، فالمقاومة الفلسطينية ميدانياً أبطلت كل رهان خارج سياقات القوة والردع، وأن طاولات التسويات مع العدو المحتل لم تعد خياراً أو مشروعاً مقبولاً، وأن الجلوس في فنادق الخمس نجوم في أوسلو ومدريد أصبحت لا قيمة لها وتم إغلاق كل صالاتها وقاعاتها لتتحدث ”المقاومة“ باللغة الوحيدة التي يمكن من خلالها تحرير الأرض والدفاع عن الكرامة.

أولاً: القضية الفلسطينية ليس فقط تمثل جرحاً نازفاً للعالمين العربي والإسلامي أو إنها القضية المركزية للعرب كما يحلو للبعض أن يطلق عليها في عملية إختزال مؤلمة ومهينة، فالقضية الفلسطينية جرح غائر في حضارتنا الإنسانية وما تدعية من قيم ومبادىء.

⭐ المقاومة الفلسطينية ميدانياً أبطلت كل رهان خارج سياقات القوة والردع، وأن طاولات التسويات مع العدو المحتل لم تعد خياراً أو مشروعاً مقبولاً

إن الدفاع عن القضية الفلسطينية ليس دفاعاً عن مجرد أرض محتلة ومغتصبة وأصحاب أرض مشردين وإنما هو دفاع عن حضارتنا الإنسانية ووقوف بوجه إنتهاك كل قيم ومبادىء الحضارة الإنسانية، ويأتي ذلك إنطلاقاً من عدم القبول بجملة الإنتهاكات الماسة بحضارتنا الإنسانية ورفض كل عناوين الإستغلال البشع لفرض الأمر الواقع وإعتباره جريمة فادحة يجب أن تقاوم وأن يوضع لها الحد.

ثانياً: لقد أسقطت القضية الفلسطينية كل إدعاءات الغرب وقوى الهيمنة والإستكبار العالمي بقيادة الولايات المتحدة الإمريكية وبريطانيا، ورمى في مزبلة التاريخ كل إدعائتهم بالقيم الإنسانية والحضارية وجعلتهم مشكوفين أمام أنفسهم والعالم كقوى هيمنة وسيطرة وإحتلال.

ثالثاً: يتجاوز سقوط القضية الفلسطينية -لا قدر الله- في حال تقصير الأمة وأحرار وشرفاء العالم وقبولهم بالأمر الواقع الذي يجتهد الكيان الصهيوني وداعموه على فرضه ليس على الفلسطينين المحتلة أرضهم وإنما على كل العالم المتحضر،  إلى سقوط كل قيمنا الأخلاقية والحضارية التي ندعيها، وذلك عند مجرد القبول بالتسوية مع قوى الإحتلال ومغتصبي الأرض وإعطائهم الشرعية على جريمتهم البشعة في الإحتلال ومصادرة الحقوق الأصيلة لأي مجتمع كان، فأبسط قيمنا الأخلاقية والإنسانية تدعو إلى رفض الظلم ومصادرة الحقوق الأصيلة لأي إنسان أو لأي فئة ومكون إجتماعي بل وتحث على ضرورة مقاومته بكافة السبل المتاحة والممكنة المشروعة.

رابعاً: هناك قيم ومبادىء حاكمة على حضارتنا الإنسانية ومنها أن لا يحق لأحد المساومة والتفريط بها أمام أي ضغط. وفي القضية الفلسطينية ولأن قضية الإحتلال وإغتصاب الأرض تمثل تهديداً لحضارتنا الإنسانية فإنه ليس من حق الفلسطينين أنفسهم أن يتنازلوا عن قدسية المشروع الأخلاقي في مواجهة الإحتلال ورفضه بالمطلق دون المساس بأي جزء ولو بمقدر ذرة من الحق الكامل والمطلق في الأرض والكرامة.

⭐ قيمنا الأخلاقية والإنسانية تدعو إلى رفض الظلم ومصادرة الحقوق الأصيلة لأي إنسان أو لأي فئة ومكون إجتماعي بل وتحث على ضرورة مقاومته بكافة السبل المتاحة والممكنة المشروعة

طوفان الأقصى وما أحدثه من زلزال هو أحد نتائج يوم القدس العالمي كمشروع تأصيلي لتعزيز فكر وثقافة وحق الشعب الفلسطيني، بل والعالم الإسلامي والحضارة الإنسانية في استرجاع الأرض وتحريرها من دنس الإحتلال وتأصيل رفض أي فكرة تقوم على الإحتلال والهيمنة على أراضي غيرهم وحقوقهم، ولا يمكن رؤية التطورات الأخيرة في فلسطين التي أعقبت طوفان الأقصي بمعزل عن مشروع الإمام الخميني ”رضوان الله تعالى عليه“ وطموحه وتطلعه الذي حمله طيلة عمره الشريف، بل يمكننا القول بأن يوم القدس العالمي كمشروع وتأصيل لاسترجاع الأرض وتحريرها من دنس المحتلين الصهاينة هو الأرضية التي يقوم عليها مشروع المقاومة الفلسطينية، حتى لو لم تقدم ايران أي نوع من أنواع المساعدة للمقاومة الفلسطينية.

أولاً: لقد وضع الإمام الخميني ”رضوان الله تعالى عليه“ العالم في زاوية حرجة أمام إدعائته بالقيم الإنسانية والحضارية، بإحياء القضية الفلسطينية وإعادة بعثها من جديد إلى واجهة الأحداث كقضية إحتلال غاشم وجريمة منكرة يجب مقاومتها بكل السبل المتاحة والممكنة، بعد إن استطاعت دول الإستكبار العالمي من تطويع إرادة النظام العربي الرسمي والذهاب به إلى مرحلة التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل.

ثانياً: كشف الإمام ”قدس سره“ زيف إدعاء البعض من الحكام والأنظمة العربية والإسلامية عن حقيقة دعمهم وشغلهم من أجل القضية الفلسطينية ورفض الإحتلال وإغتصاب الأرض والشرعية، إذ وضعهم أمام مشروع جاد لرفض واقع الإحتلال وتحرير الأرض الفلسطينية.

ثالثاً: جعل برؤيته الثقافة القضية الفلسطينية ليست مجرد أدبيات سياسية وإعلامية للإستهلاك السياسي في تضليل الشعوب العربية والإسلامية والعالم، وإنما جعل من مقاومة الإحتلال وإغتصاب الكيان الصهيوني للأرض الفلسطينية مشروعاً ينبض بالحياة، ولذلك كرهه جوقة العملاء والمتآمرون على القضية الفلسطينية من ذيل الصهيونية والإستكبار العالمي وبذلوا ما بوسعم لتشويه الصورة.

رابعاً: وأهم ما أنجزه الإمام الخميني الراحل أنه خلق فكر وثقافة مقاومة الكيان الصهيوني وتحرير الأرض وجعلها مشروعاً لأجيال متعاقبة تحمل راية المقاومة من أجل تحرير الأرض الفلسطينية المغتصبة وإستعادة كامل التراب الفلسطيني، وجعل الكيان الصهيوني وداعموه اليوم أمام مواجهة صعبة مع فكر وثقافة ترفض الإحتلال وتعتبره جريمة وتتبنى خيار المقاومة لتحرير الأرض وإستردادها. وهو أكبر تحدي يواجهه الكيان الصهيوني منذ تأسيسه.

أما العملية البطولية الشجاعة طوفان الأقصى فقد طوت صفحة الماضي وللأبد وفتحت صفحة جديدة عنوانها الكرامة، وتاريخ القضية الفلسطينية اليوم برمته ليس كما كان بالأمس، فطوفان الأقصى بما حمله للعالم بأن هناك مقاومة جسورة وصلبة وبيدها ما تدافع به عن كرامتها وأرضها وشعبها، وقد حققت هذه العملية إنجازات ضخمة علي صعيد القضية الفلسطينية، منها:

أولاً: أسقطت كل الأقنعة من أدعياء نصرة القضية الفلسطينية، وجعلتهم عراة ومكشوفين تماماً أمام العالم وخصوصاً أمام شعوب العالمين العربي والإسلامي وتجاوز ذلك إلى جميع الأحرار والشرفاء في العالم الذين نجد هذا الحضور الهائل والمذهل في التضامن مع فلسطين وتصاعد المطالبة بإنهاء الإحتلال الصهيوني.

ثانياً: وضع الشعوب العربية والإسلامية وجميع أحرار وشرفاء العالم أمام واقع وحقيقة الإحتلال، وأمام واقع جديد إسمه المقاومة الجادة والحقيقية لمشروع الاستيطان والاحتلال.

⭐ إن الدفاع عن القضية الفلسطينية ليس دفاعاً عن مجرد أرض محتلة ومغتصبة وأصحاب أرض مشردين وإنما هو دفاع عن حضارتنا الإنسانية ووقوف بوجه إنتهاك كل قيم ومبادىء الحضارة الإنسانية

ثالثاً: أوجد مشروعاً للمقاومة يمثل رأس حربة أمام مشروع فرض الإحتلال والهيمنة على أرض فلسطين كأمر واقع وجعل مهمة فرض الأمر الواقع صعبة بل ومستحيلة، بل نجح المشروع في جعل فكر وثقافة مقاومة الإحتلال وتحرير الأرض أمر جديد واقع في مقابل الإحتلال وإغتصاب الأرض، ولم يحدث في تاريخ الإحتلال الصهيوني أن واجه مقاومة جادة وحقيقة كما يواجهه اليوم على الأرض، وطوفان الأقصى بكل مخرجاتها وتداعياتها هي من نتائج مشروع إسترداد الأرض الفلسطينية وتحريرها من دنس الإحتلال الصهيوني الذي تبناه ايران في فكرها السياسي ومشروعها الإستراتيجي.

  • مستقبل القضية الفلسطينية:

أولاً: إن الكيان الصهيوني وفي تصريحات متكررة من كبار قادته يعبرون وبصريح العبارة كل يوم عن وجود تهديد جدي على وجودهم كقوة إحتلال بما لم يكن له سابقة منذ تأسيس الكيان الصهيوني وإن كل الجهود التي بذلت من أجل فرض الأمر الواقع بدأت تتهاوى أمام واقع تنامي قوة مشروع مقاومة الإحتلال الصهيوني والدفاع عن الكرامة وبيت المقدس الشريف.

ثانياً: لم تعد مقاومة الإحتلال لأرض فلسطين قضية الفلسطينين وحدهم وإنما أصبحت مشروعاً ينبض بالحيوية يتبناه قطاع عريض من أحرار وشرفاء الأمة على مساحة واسعة من عالمنا العربي والإسلامي بل والعالم، وفوق كل ذلك مواقف مكونات محور المقاومة مع مشروع تحرير الأرض الفلسطينية.

ثالثاً: لم يعد المشروع مجرد خطابات وأدبيات للتنفيس ودغدغة العواطف للإستهلاك الإعلامي أو لقضايا التوظيف السياسي وحرق الوقت وإنما تحول إلى مشروع متكامل الأركان على الأرض يمضي بوضوح شديد قدماً نحو طرد الإحتلال وإنهاء وجوده. وهذه أبلغ وأقوى رسائل طوفان الأقصى.

رابعاً: أحد السيناريوهات المهمة لمستقبل القضية الفلسطينية هو ما أشار إليه سيد المقاومة وفارسها الأول سماحة السيد حسن نصر الله عندما قال قد لا نحتاج إلى حرب مع الصهاينة، في إشارة واضحة إلى أنهم سوف يحزمون أمتعتهم ويرحلون عن أرض فلسطين العزيز عندما يستشعرون بأن ساعة حقيقة إنهاء عقود طويلة من الإحتلال وإغتصاب الأرض قد دقت.

خامساً: الفشل الذريع الذي منيت به جميع خيارات التسوية وقناعة معظم القوى الدينية والوطنية في فلسطين المحتلة بأن تحرير وإستعادة الأرض والوطن والقدس الشريف يكمن في خيار المقاومة وأنه هو الحل والخيار الوحيد لإسترداد الكرامة والأرض، وهو الذي قد وضع القضية الفلسطينية في موقعها الصحيح والسليم لمشروع التحرير ودحر الإحتلال وطرده، ووضعت عملية طوفان الأقصى الصهاينة أمام واقع تحدي كبير لا يمكن الاستمرار فيه على مشاريع الاستيطان السابقة وأن هذه الصفحة طويت وللأبد ولن يرى الصهاينة هدوءاً كما كانوا ينعمون به في السابق.

سادساً: القضية الفلسطينية تمتلك كل مقومات النصر والإنتصار للحق الكبير والشرعية والمشروعية الذي تمتلكه بينما يفتقد الكيان الصهيوني لأي من مقومات البقاء وإن إستمراره مرهون بدعم وحماية الغرب له، وإن أي تغيير يحدث في إستراتيجية الدعم القائمة لأسباب ذاتية أو لأسباب ما تستطيع المقاومة من فرض إيقاعه على الأرض فإن مشروع الكيان الصهيوني سوف ينهار ويبقى مجرد ذاكرة مؤلمة في تاريخنا العربي والإسلامي.

سابعاً: مؤشرات زوال الكيان الصهيوني تزداد وضوحاً في الأفق، والخط البياني لتصاعد مشروع تحرير وإستعادة الأرض يتصاعد في ظل تصدع وقلق كبير يعيشه الصهاينة على مستقبل أوضاعهم في الأرض المحتلة. وإن القضية مسألة وقت ليس إلاّ، وها هي مقاومة الشعب الفلسطيني تتألق بعد طوفان الأقصى ودفعت معها الملايين ليس من المسلمين والعرب فحسب وإنما من شتى إنحاء الأرض للتضامن مع أهلنا في فلسطين وأصبحت قضيتهم بالفعل لا بالقول تحتل واجهة الأحداث على مستوى العالم.

عن المؤلف

د. راشد الراشد

اترك تعليقا