رأي

الإعلام أحد أركان الحرب في غزة

من لايقدّر الاعلام يخسر الحرب، لان الاعلام هو عامل حسم مهم، وله دور بارز في خواتيم الحروب، وفي غزة يلعب الاعلام الدور الاول في الحرب هناك، ولذا تحاول الاطراف المعنية ان تدير الحرب الاعلامية بما ينفع اهدافها الاستراتيجية.

ولكي يبرر رئيس الوزراء الاسرائيلي قتل آلاف الاطفال والنساء في غزة قام بصياغة تفاصيل قصة خرافية حول قطع رؤوس اطفال يهود في المستوطنات التي هاجمتها حماس، ولكي يدعم قصته الخرافية قام بنشر مقاطع فيديو تظهر مقتل مدنيين في العملية.

نتيجة القصة الاعلامية التي فبركها رئيس الوزراء الاسرائيلي، حصل نتنياهو على تصريحات وتعاطف دولي كبير من قبل الساسة والشعوب الغربية، وهذه التصريحات كانت بمثابة الضوء الاخضر الذي كان نتنياهو بحاجة اليه في سبيل تسوية بعض مناطق غزة مع الارض.

الرئيس الاميركي بايدن تناول الطُعم، ومن دون روية، بث القصة التي لفقها نتنياهو بخصوص قطع رؤوس الاطفال ونشرها على وسائل الاعلام العالمية، وكأنها قصة حقيقية، ولم يمض وقت طويل حتى تراجع بايدن عن اقواله، وفهم انه تناول مقلب نتياهو، وعليه ان يتراجع عن تلك القصة الملفقة.

عندما نسأل لماذا يكون رئيس الوزراء الاسرائيلي بحاجة الى تلفيق مثل هذه القصة لتبرير هجومه الوحشي على غزة، ندرك اهمية الاعلام، و دوره في تسيير المعارك العسكرية وتبريرها، وعلى عكس ما يظن الناس، فان الحروب الاعلامية هي التي تحدد خواتيم الحروب العسكرية وليس الميدان.

نتنياهو الذي كان يظن بانه الاول في معركة الاعلام بما يملكه اليهود من امبراطوريات اعلامية على مستوى العالم، ارتكب خطأ عسكرياً فضيعاً حوّل انتصار “اسرائيل” الاعلامي الى هزيمة موجعة عندما قرر قصف مشفى المعمداني في غزة.

حصل تحول كبير في ميزان القوى السياسي والاعلامي بين طرفي الصراع بعد مهاجمة المشفى، والصورة المأساوية التي نقلتها وسائل الاعلام العالمية عن الحادثة، جعلت “اسرائيل” تخسر كافة المكاسب الاعلامية والسياسية التي حصلت عليها في الغرب بعد “عملية طوفان الاقصى”، و وضعت جريمة مشفى المعمداني، “اسرائيل” في موضع المتهم في انظار الراي العام العالمي،

وحصلت غزة بعد الهجوم على التعاطف من المجتمع الدولي، وحصل الفلسطينيون على موقع الصدارة في الاعلام العالمي،  ولم يعد داعموا “اسرائيل”  يتجرؤون في الدفاع عنها او اقتباس قصتها في توضيح وقائع الحرب.

وحتى جميع القادة والسياسيين الذين دافعو عن “اسرائيل” ومنحوها الحق في مهاجمة غزة تراجعوا قليلا عن تصريحاتهم، و بدأوا يتحدثون عن اطفال غزة وحقهم في الحياة، و وجوب التزام “اسرائيل” بالقوانين والمعايير الدولية اثناء الحرب.

و فهم الرئيس بايدن بان المقلب الذي أخذه من نتنياهو، وضع اميركا وسياستها الخارجية في موضع حرج وجعلها في عيون كثيرين في موقع الداعم الى  “اسرائيل” التي تقتل الاطفال وتشرد الآلاف وتسوي بالارض عشرات المساكن الآمنة، واصبحت قواعدها ضمن الاهداف التي تستهدفها صواريخ المقاومة.

وكان يتوجب على بايدن تصحيح هذا المسار الذي بلا شك سيضر بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، وخاصة في منطقة الشرق الاوسط، وانه سيقوض كافة التحركات التي كانت جارية لتطبيع العلاقات الاسرائيلية مع بعض البلدان العربية.

من هنا بدأ الحديث من قبل الرئيس بايدن و رؤساء البلدان الغربية عن ضرورة فتح المعابر لايصال المساعدات الى قطاع غزة، وقال الرئيس الاميركي بانه تدخل شخصيا في الضغط على “اسرائيل” من اجل السماح الى فرق المساعدة والاغاثة الدولية في العبور الى غزة.

الضغط الاكبر كان من جانب الرأي العام العالمي، والشوارع الغربية التي شهدت تظاهرات كبرى نصرة لغزة لم تشهدها منذ عشرين عاما، مثل تظاهرات لندن، وحتى اميركا نفسها شهدت تظاهرات واحتجاجات كبيرة.

“اسرائيل” التي تحصل على الدعم المالي والسياسي من الولايات المتحدة تشعر بالخطر في حالة حصول تحول في اتجاهات الرأي العام الاميركي لصالح الفلسطينيين، لانه بذلك يمكن ان يشكل ضغطا على المشرعين لرفع الدعم الاميركي عن “اسرائيل”، و وسيلة لتحريض الامريكيين على رفض تمويل “اسرائيل” من جيوبهم واموالهم الضريبية.

من هنا نكتشف اهمية وخطورة الحرب الاعلامية في الصراعات الدولية، فالاعلام بامكانه ان يغير مسار الصراع  لصالح جهة دون اخرى، ومن هذا الباب يعمل القادة على التخطيط بشكل دقيق للحرب الاعلامية حتى يكسبوا المعركة، وفي “اسرائيل” يجري الحديث عن حرب طويلة الامد تمتد لشهور وهي كذبة اعلامية هدفها إرعاب الفلسطينيين وتشجيع الاسرائيليين، في حين يعرف الجميع ان “اسرائيل” لاتمتلك القدرة على الدخول في حرب طويلة.

صحيح لايمكن مقارنة مستوى التكنولوجيا الحربية بين المقاومة الفلسطينية والجيش الاسرائيلي، لكن يمكن للمقاومة ان تستفيد من الحرب الاعلامية كأداة لتغيير مسار المعركة او حتى وقفها وتقوم بمبادرات اعلامية تحقق من خلالها انتصارات سياسية.

عن المؤلف

طاهر باقر القزويني

اترك تعليقا