إضاءات تدبریة

بنو اسرائیل في الکتاب 1 – جذور المشكلة

  • تمهید

القرآن ليس كتاب تاريخ لسرد حكايات وقصص الأمم السالفة، وإنما هو نور وضياء، وكتاب بصائر وهدى، فيه تفصيل كل شيء، إنه كتاب بيّنات.

ولكنه يحتوي على الكثير من القصص التاريخية لأمم أو قيادات سابقة، فلماذا؟

لكي يعطينا القرآن من خلالها بصائر الحياة، ويفرِّق لنا بين النور والظلاممن خلال سيرة ومسيرة الأمم والأئمة؛ مسيرة أمم الهدى والضلال، وسيرة أئمة الكفر والايمان.

ومن أبرز القصص القرآنية والمتكررة في العديد من المواضع، وبتفصيل أكثر، هي قصص بني اسرائيل.

حياة ومسيرة بني اسرائيل (قوم موسى) كان فيها الكثير من الصعود والهبوط، والكثير من المنعطفات العجيبة والغريبة، والكثير من المخالفات والصراعات، ومواجهة نبيّهم وسائر الأنبياء من بعده.

⭐ من لا يخشى الله، لا يردعه شيء في هذه الحياة عن ارتكاب أبشع الجرائم

ففي حياتهم الكثير من العبر، والكثير من الدروس، والكثير من الاشارات التي تهدينا الى التمييز بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال.

وفي هذا المجال لا نريد التوسع في دراسة الآيات الكثيرة المرتبطة بهؤلاء القوم، والتدبر فيها لاستخلاص العبر والدروس، وإنما مجرد إشارات لأهم النقاط التي نستلهمها بشكل عابر وسريع من هذه الآيات في مقالات متسلسلة تحت عنوان: “بنو اسرائيل في الكتاب”.

 الآيتان 40 و41 من سورة البقرة

{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ، وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ*

وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ، وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ، وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا، وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ}.

1- نعمة الحرية

بنو اسرائيل كانوا قوماً مضطهَدين تحت سلطة فرعون، -وربما عدد من الفراعنة المتسلسلين كان آخرهم فرعون موسى- كانوا مسلوبي الارادة والحرية والاستقلال، كانوا عبيداً مقهورين تحت سلطة سياسية واقتصادية غاشمة.

فبعث الله –تعالى- موسى، عليه السلام، نبيّاً نهضوياً، فأنقذهم من العبودية، واستلخفهم الله في الأرض، لذلك فان الله -تعالى- وفي عدة مواضع من القرآن، يذكّرهم بهذه النعمة الكبرى؛ نعمة الحرية، منها ما نقرأ في الآية 40 من سورة البقرة: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}.

2- اليهود بلا عهود

ومن خلال النواهي والأوامر الموجَّهة لهم في القرآن، يبيّن الله –تعالى- لنا سلبيات وخطايا هؤلاء القوم، والتي غطت على كل حياتهم، فلم تبقِ لهم ايجابية تُذكر.

من أبرز سلبيات اليهود أنه لا عهد لهم، بينما الوفاء بالعهد من أهم مقومات الحياة الانسانية.

⭐ من أبرز سلبيات اليهود أنه لا عهد لهم، بينما الوفاء بالعهد من أهم مقومات الحياة الانسانية

يقول الله –تعالى- في نفس الآية: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ}، عهد اليهود مع الله هو طاعة الله، بينما تتابعت معاصيهم الكبرى، وحنثهم لعهد الطاعة بعد تحريرهم من العبودية.

3- اليهود لا يخشون الله

وبكلمة ختامية للآية يكشف الله لنا أن هؤلاء القوم لا يخشون ربهم، ولذلك لا يمكن الوثوق بهم، لأنَّ من لا يخشى الله، لا يردعه شيء في هذه الحياة عن ارتكاب أبشع الجرائم. يقول الله مخاطباً إياهم: {وَإِیَّایَ فَارْهَبُونِ}.

4- اليهود لا يؤمنون بالكتاب المنزَل

وفي الآية 41 من سورة البقرة نقرأ أمر الله –تعالى- لبني اسرائيل في عهد البعثة النبوية: {وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ} فرغم احتواء التوراة -الكتاب الذي كان معهم- على بشارات واضحة بالرسالة الاسلامية الخاتمة، وبالذات البشارة بنفس الرسول الأعظم وبكل وضوح، إلّا أنَّ كبار أحبارهم، والعامة منهم تبعاً للأحبار، لم يؤمنوا بهذا الكتاب الجديد المنزَل من الله –تعالى-.

5- اليهود أول كافر

بل اعلنوا مخالفتهم لخاتم الأنبياء، وكفرههم بالرسالة الجديدة، بينما الله –تعالى- ينهاهم عن ذلك: {وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ}، فمن بين المؤمنين بالرسالات السابقة والأديان السماوية، كان اليهود في عصر البعثة، أول قوم يكفرون بالنبي المبعوث، كل هذا بالرغم من أنَّ آيات الله في كتابهم كانت تؤكد على صدق الرسول وصدق الرسالة الجديدة.

6- اليهود يتاجرون بالآيات

إلّا أنَّ بني اسرائيل كان ضلالهم، وعدم التزامهم بالعهد مع الله قد وصلا الى درجة متقدمة بحيث كانوا يتاجرون بآيات الله، أي أنهم كانوا يحرّفون الآيات لقاء المال، فقال الله لهم: {وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا}، فبازاء تحريف دين الله وآياته، مهما كان الثمن كثيراً فهو قليل، لأن آيات الله كبيرة جداً، وتحريفها ذنب عظيم، فمهما كان الثمن فهو قليل.

7- اليهود لا تقوى لهم

ثم يقول الله لهم في ختام الآية: {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ}، إنهم كانوا -ولا يزالون- يتقون أصحاب السلطة والثروة ولا يتقون الله -تعالى-، ومن لا يتّقِ الله، فلا مانع له من ارتكاب أفضع المعاصي والذنوب، والاعتداء على حقوق الله وحقوق الناس، وتجاوز كل الحدود، فمن لا تقوى له، لا يعترف بأية خطوط حمراء في حياته.

عن المؤلف

الشيخ صاحب الصادق

اترك تعليقا