رأي

النوع الاجتماعي.. لماذا نخشاه؟

اذا ابتعدنا قليلاً عن الدلالات اللفظية والاصطلاحية لهذه الجملة “النوع الاجتماعي”، وحتى أهدافها وغاياتها، ونقترب من الاجراءات الاحترازية، اعتقد نكون اسهمنا في طيّ هذا الملف، أو على الاقل؛ إنهاء الجدل الدائر حوله بشكل مبالغ أرى أنه هو بحد ذاته يشكل خطراً لا يقل خطورة عن تسويق هذا المفهوم الاجتماعي الجديد القادم من الغرب.

لن يكون الجنس، الفارق البايولوجي الوحيد بين بني البشر، إنما ثمة خيار ثالث يُضاف الى “ذكر”، و”أنثى”، مثلاً؛ “وغيره”، هذا بالضبط ما يريده دعاة “النوع الاجتماعي”، أو الجندر، تمريره في دول مثل العراق. أما لماذا هذا الإصرار؟  فهذا مقال نتركه لمقام آخر.

بيد أن المهم في الوقت الحاضر النظر في الحاضنة والقواعد التي يتطلع اليه هذا المفهوم الجديد، وكل فكرة سبقته في الحضور على الصعيد الاجتماعي في العراق، بل وفي بلاد اسلامية اخرى، والامثلة البارزة؛ الاشتراكية المداعبة لشريحة الفقراء وضحايا الاقطاع واسغلال الطبقة الثرية، وفي وقت لاحق؛ الليبرالية ومداعبتها المكبوتين نفسياً وفكرياً بإطلاق العنان للحرية الفردية والمساواة بين الجنسين وغيرها من الوعود الجميلة، بل حتى العلمانية التي نراها في العراق، ومن قبل في ايران كيف تتغذى على البقع السوداء للفشل في تطبيق القيم والاحكام الاسلامية، او الفشل المزعوم في تلبية حاجات الناس ومواكبة تطلعاتهم واهدافهم.

⭐ إن من يقف خلف الترويج للجندر او النوع الاجتماعي لا يضيعون اوقاتهم في العبث

هذه الفكرة وأمثالها مما يتصل بالنظام الاجتماعي، موجودة في البلاد الغربية منذ أمد بعيد نظراً للحاجة هناك، فكل ما قرأناه سابقاً ونراه اليوم من مظاهر نعدها مقززة، وشاذة، وغير صحيحة، بالنسبة لشريحة لا بأس بها من المجتمع الغربي (الصناعي) حول العالم، يمثل متنفسا، او سبيلاً للخروج من أزمات نفسية ومشاكل سلوكية وفشل في العلاقات بين الجنسين، وبين افراد المجتمع انفسهم، والسبب يعود بجذوره الى النظام الاقتصادي الظالم للإنسان الغربي بدعوى الربح والمنفعة والرفاهية، كما ظُلم انسان العالم الثالث بشكل مضاعف، بنهب ثرواته، واستعباده، وجعله كائناً يستهلك اكثر مما ينتج.

إن من يقف خلف الترويج للجندر او النوع الاجتماعي لا يضيعون اوقاتهم في العبث، ففي بلد مثل العراق يعيش ظواهر اجتماعية متمخضة من نظام اقتصادي مشوّه، مزيج غير متجانس بين اقتصاد السوق والمنافسة، واقتصاد الدولة (الاشتراكية)، وتوزيع الرواتب الشهرية بأرقام مهولة يقلّ نظيرها في العالم على شريحة كبيرة من الناس، وهذا التأرجح يصيب بالدرجة الاولى المنطقة الرخوة في المجتمع وهي؛ الأسرة.

 وبما أن المال يمثل عامل قوة بالاساس، فان جميع افراد الأسرة يفكرون اليوم بالحصول على مورد مالي خاص بهم، فضلاً عن الأب والأم، ثم جاء دور الأبناء ذكوراً وإناثاً، لاسيما بعد التخرج من الجامعة، وكما يعبر أحد اساتذة الجامعة لجمع من الطالبات بأن الشهادة الجامعية بالنسبة لهنّ بمنزلة “السلاح الذي تقاتل به في المستقبل”، فالمجتمع الذي ستدخل الفتاة ليس فيه الرحمة والشفقة والتسامح والغيرة، كما أن الأسرة ستكون بحجم صغير في عين الفتاة والشباب بشكل عام نظراً لسيول الافكار الهادرة عبر مواقع الانترنت الواعدة بالحرية والمساواة و ما يسمى بـ “التنمية” بما يثير مشاعر الثقة بالنفس وإحياء الأمل تبحقيق الاماني.

⭐ لن يكون الجنس، الفارق البايولوجي الوحيد بين بني البشر، إنما ثمة خيار ثالث يُضاف الى “ذكر”، و”أنثى”، مثلاً؛ “وغيره”، هذا بالضبط ما يريده دعاة “النوع الاجتماعي”، أو الجندر، تمريره في دول مثل العراق

أوليات الحاضنة لهذه الفكرة موجودة في المجتمع منذ فترة طويلة، عندما كانت تتساءل الفتاة عن سبب التحقيق معها لدى خروجها من البيت، فيما يستثنى الولد من ذلك، أو ان تكون الفتاة مقيدة بأعراف وتقاليد اجتماعية –وإن كانت صحيحة ومفيدة- وايضاً بتوجهيات الأب والأم، وكذا الشاب، ما الذي يجبره على “التورط في الزواج”، وتحمل أعباء المسؤولية في ظل الازمات الاقتصادية، وبشكل عام؛ التبرّم من الامتثال للأحكام الفطرية بدعوى التسبب في مضايقات وإحراجات للرجل الشاب في ذكوريته، وللمرأة والفتاة في أنوثتها، واحياناً يُصار الى بعض الحلول عندما تكون الزوجة موظفة –مثلاً- وهي التي توفر المورد المالي للبيت اكثر من الرجل، فانه يتحمل بشكل طوعي أعمال البيت، ويتحول من حيث يريد او لا يريد الى امرأة، ربما حتى في رعاية الاطفال.  

إن بلورة المفاهيم المجتمعية والأسرة بشكل كامل وإعادة الحياة اليها، مع تفسير كامل لمختلف بنود العلاقة بين الرجل والمرأة وبين الذكر والانثى، هي التي تقرر حاجة المجتمع الى أن يكون الرجل امرأة، او العكس، كما هي الحاجة في بعض البلاد بالعالم، وقد شهدنا نفس الأمر في العقود الماضية عندما احتار علماء وحكماء الغرب في طريقة بناء أسرة للمتزوجين خالية من العقد النفسية والحروب الكلامية، بل وحتى العنف الأسري، فوجدوا في الزواج المثلي حلاً حسب رؤيتهم الخاصة.

فاذا كانت الفتاة تشعر بالفخر والاعتزاز الى جانب اباها وإخوانها، والشاب في مرحلة الإعدادية والجامعة يشعر بالرجولة والقيادية كأب في المستقبل، ومسؤول منتج وصالح في المجتمع، ونفس هذه المشاعر الإيجابية البناءة لدى أبناء الجنسين من مرحلة الطفولة وحتى الشيخوخة، فان مجتمع بهذه المواصفات لن يكون ابناءه بحاجة الى النوع الاجتماعي، او الحيرة في كونه ذكراً أم أنثى.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا