أسوة حسنة

الإِمَامُ الصَّادِق وَأَخلَاق الشِّيعَة الكِرَام

استشهد الإمام جعفر الصادق في 25 شوال سنة 148 هـ ودُفن في بقيع الغرقد

  • مقدمة أخلاقية

ما نزلت رسالة سماوية ولا جاء دين من عند الله  ــ تعالى ــ إلا من أجل أن يربِّي الإنسان وهديه إلى سُبل الصَّلاح والإصلاح، ولذا رسالات السماء جميعها جاءت بصبغة أخلاقية من أجل تهذيب طبائع هذا المخلوق المكرَّم على خالقه سبحانه وتعالى، لأن طبائعه حيوانية شرسة إذا لم تهذَّب فالقوى السَّبعية فيه ربما أقوى من القوى الأخرى كما يقول علماء النفس والأخلاق.

والأخلاق هي ما يجب أن يكون عليه الطبع الإنساني، وأن يحقق الاعتدال والوسطية بين الرذائل، لأنهم عرَّفوا الفضيلة بأنها وسط بين رذيلتين، وذلك بالإفراط والتفريط بينهما، فالشجاعة وسط بين الجُبن والتهوُّر، والكرم هي وسط بين الشُّح والبخل والإسراف والتبذير، وهكذا بقية الفضائل ولكن ليصل الإنسان إلى هذه النقطة الوسطى عليه أن يجاهد نفسه أيما جهاد وهو الذي يسمِّيه رسول الله، صلى الله عليه وآله، في روايته المعروفة: بـ(جهاد النفس)، وهو أشد وأعظم من جهاد العدو، لأن أعدى أعداء الإنسان نفسه التي بين جنبيه، إذا لم تهذَّب وتربَّى على الفضيلة والابتعاد عن الرذيلة وهذا لا يتم إلا بالتربية والتدريب والمواظبة على ذلك وعلى يدي خبير ونطاسي في التربية والتهذيب.

  • الإمام الصادق والتربية الإلهية 

الحقيقة الواقعية تقول: بأنه لا يوجد مَنْ هو فوق قاعدة التربية في دنيا الإنسانية، فالطفل بحاجة إلى مربِّي ومهذِّب ومؤدِّب ولكن هناك فرق بين مَنْ تُربيه السَّماء، ومَنْ تربيه الإماء، ولكن في أصل التربية فالناس فيها شرع سواء..

وأما تربية الإمام الصادق، عليه السلام، فهي من تربية السَّماء التي قال الله عنها: {لِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (سورة طه:39) فالأنبياء والأوصياء هم من صناعة الله تعالى وتربيته، وهذا ما جاء عن رسول الله، الذي قال: “أنا أديب الله وعليٌّ أديبي”، وقال أمير المؤمنين الإمام علي، عليه السلام أيضاً: “إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أدَّبه الله عز وجل، وهو أدَّبني، وأنا أؤدِّب المؤمنين، وأورث الأدب المكرَّمين”، من أبنائه الطاهرين.

🔺 يجب أن نقف طويلاً ونبحث ملياً عن تلك الطريقة العجيبة الغريبة في تربية كل هؤلاء الأعلام والفقهاء والعلماء في تلك المدرسة الإلهية العملاقة في ذلك العصر الذي كان يسوده أخلاق الجاهلية

والإمام جعفر بن محمد الصادق، عليه السلام، هو واسطة عقد الإمامة فهو أديب جده رسول الله، ووريث أدب جده أمير المؤمنين، الذي نقله إليه والده العظيم باقر علوم الأنبياء والمرسلين وآدابهم، وهذا واضح وجلي في كل السيرة العلمية والعملية للإمام الصادق، عليه السلام، الذي كان آية من آيات الله العظمى في هذه الحياة.

  • الإمام الصادق وأخلاق الشيعة

وهنا يجب أن نقف طويلاً ونبحث ملياً عن تلك الطريقة العجيبة الغريبة في تربية كل هؤلاء الأعلام والفقهاء والعلماء في تلك المدرسة الإلهية العملاقة في ذلك العصر الذي كان يسوده أخلاق الجاهلية إلا أن الإمام الصادق استطاع أن يربِّي أولئك الذي أثَّروا على أخلاق الشيعة وربوهم على أخلاق الإمام جعفر بن محمد الصادق، ولم يتأثروا بما يحيط بهم من فساد وإفساد بل حافظوا على أصالتهم وأخلاقهم المحمدية الأصيلة ببركة توصيات وتربية الإمام جعفر الصادق لهم.

فقد وردت هذه الوصية التي يجب أن يكتبها الشيعة الكرام بماء الذهب ويعلقونها في بيوتهم ونواديهم لما فيها من خُلق وأدب لهم، وهي عَنْ أَبِي أُسَامَةَ زَيْدٍ اَلشَّحَّامِ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): (اِقْرَأْ عَلَى مَنْ تَرَى أَنَّهُ يُطِيعُنِي مِنْهُمْ وَيَأْخُذُ بِقَوْلِيَ اَلسَّلاَمَ وَأُوصِيكُمْ؛ بِتَقْوَى اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاَلْوَرَعِ فِي دِينِكُمْ وَاَلاِجْتِهَادِ لِلَّهِ وَصِدْقِ اَلْحَدِيثِ وَأَدَاءِ اَلْأَمَانَةِ وَطُولِ اَلسُّجُودِ وَحُسْنِ اَلْجِوَارِ فَبِهَذَا جَاءَ مُحَمَّدٌ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) أَدُّوا اَلْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ اِئْتَمَنَكُمْ عَلَيْهَا بَرّاً أَوْ فَاجِراً فَإِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) كَانَ يَأْمُرُ بِأَدَاءِ اَلْخَيْطِ وَاَلْمِخْيَطِ، صِلُوا عَشَائِرَكُمْ، وَاِشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ، وَعُودُوا مَرْضَاهُمْ، وَأَدُّوا حُقُوقَهُمْ فَإِنَّ اَلرَّجُلَ مِنْكُمْ إِذَا وَرِعَ فِي دِينِهِ وَصَدَقَ اَلْحَدِيثَ وَأَدَّى اَلْأَمَانَةَ وَحَسُنَ خُلُقُهُ مَعَ اَلنَّاسِ قِيلَ هَذَا جَعْفَرِيٌّ فَيَسُرُّنِي ذَلِكَ وَيَدْخُلُ عَلَيَّ مِنْهُ اَلسُّرُورُ وَقِيلَ هَذَا أَدَبُ جَعْفَرٍ وَإِذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيَّ بَلاَؤُهُ وَعَارُهُ وَقِيلَ هَذَا أَدَبُ جَعْفَرٍ فَوَ اَللَّهِ لَحَدَّثَنِي أَبِي (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) أَنَّ اَلرَّجُلَ كَانَ يَكُونُ فِي اَلْقَبِيلَةِ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) فَيَكُونُ زَيْنَهَا آدَاهُمْ لِلْأَمَانَةِ وَأَقْضَاهُمْ لِلْحُقُوقِ وَأَصْدَقَهُمْ لِلْحَدِيثِ إِلَيْهِ وَصَايَاهُمْ وَوَدَائِعُهُمْ تُسْأَلُ اَلْعَشِيرَةُ عَنْهُ فَتَقُولُ مَنْ مِثْلُ فُلاَنٍ إِنَّهُ لآَدَانَا لِلْأَمَانَةِ وَأَصْدَقُنَا لِلْحَدِيثِ). (الکافي: ج۲ ص636).

وما أحوجنا في هذا العصر الأغبر الذي ضاقت فيه السُّبل على وارديها، وكاد الحق أن يضيع على أصحابه والفضيلة أن تموت في البشرية، وتحت سنابك المادة البغيضة وأن يخلو الناس من الأخلاق والقيمة والفضيلة تحت تأثير الحضارة الرقمية البراقة حيث أن القيمة صارت للمال، وساد أرباب الفساد وطغاة السلطة الفاسدة، وضاع المؤمنون في زحمة المصالح والمنافع الشخصية.

وصرنا نبحث عن القيمة والفضيلة والأخلاق بعشوة الليل وظلمة الظلم الطويل الذي دخلت فيه الأمة منذ أن هجرت سادتها ومربيها على الحق والحقيقة الذي صنعهم الله على عينه، وربَّاهم الرسول الأكرم على أخلاقه وكان خلقه القرآن، واتبعوا كل حاكم فاسد أو شيطان مَريد، كمعاوية ودعيَّه يزيد الشَّر، فمن أين يأتي الخير وقد قتلوا أئمة الخير، وأعلام الهداية والتقى فيهم.. ومن أين تأتيهم الفضيلة والأخلاق الحميدة وقد ذبحوا أهل الفضيلة والخُلق الفاضلة فيهم؟

وصارت الأمة كما قال سامري هذه الأمة الحسن البصري: (كل عام تُرذَّلون)، وفعلاً راحت الأمة تتهاوى في مهاوي التيه والضلال عاماً بعد عام إلى أن صارت اليوم كما قال رسولنا الأكرم: (يُوشِكُ اَلْأُمَمُ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ تَدَاعَى اَلْأَكَلَةِ عَلَى قَصْعَتِهَا) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: مِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: (بَلْ أَنْتُمْ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ اَلسَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اَللَّهُ مِنْ عَدُوِّكُمُ اَلْمَهَابَةَ مِنْهُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ فِي قُلُوبِكُمُ اَلْوَهْنَ) قَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ وَمَا اَلْوَهْنُ؟ قَالَ: (حُبُّ اَلدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ اَلْمَوْتِ). (التشریف بالمنن: ج۱ ص۳۰۷)

🔺 الإمام جعفر بن محمد الصادق، عليه السلام، هو واسطة عقد الإمامة فهو أديب جده رسول الله، ووريث أدب جده أمير المؤمنين

فالأمة الإسلامية اليوم تعدُّ ربع سكان المعمورة ولكنها غثاء بل أذل وأتفه من غثاء السيل أمام أذل وأرذل خلق الله وهم لا يتجاوزون بضعة ملايين موزعين ومشردين في كل بقاع العالم ولا يجمعهم شيء إلا الدِّين اليهودي المصطنع منهم، وما يجري منذ نصف عام في فلسطين المحتلة أكبر دليل لمَنْ يرومه بل هي الفضيحة التي كشفت المستور من عورات هؤلاء الأشقياء الذي يتخفَّون تحت أسماء إسلامية وفي عروقهم تجري دماء صهيونية بامتياز، وصاروا مكشوفين على مرأى وأمام عيون الجميع ولكن مَنْ يرى الحق ويجهر به؟

هم الشيعة الكرام الذين رباهم سيدهم وإمامهم الإمام جعفر الصادق على الأخلاق المحمدية والقيم العلوية من حيث الشجاعة والشهامة والبطولة والرجولة والبسالة والفداء والتضحية فهم من مدرسة سيد الشهداء حيث القتل لهم عادة وكرامتهم من الله الشهادة، فهذه التربية الجعفرية الراقية التي تجعل من الشيعة زيناً ولا يكونوا شيناً على أئمتهم وأمتهم الإسلامية العظيمة، حيث قال لهم الإمام الصادق (ع): (مَعَاشِرَ اَلشِّيعَةِ كُونُوا لَنَا زَيْناً وَلاَ تَكُونُوا عَلَيْنَا شَيْناً قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَاِحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ وَكُفُّوهَا عَنِ اَلْفُضُولِ وَقُبْحِ اَلْقَوْلِ). (بحار الأنوار: ج65 ص۱۵۱).

وفي هذا العصر -الذي يصفونه بعصر الشيعة حقاً- ظهروا على الناس جميعاً بأخلاقهم وبطولتهم وشجاعتهم التي حيَّرت شياطين الإنس والجن لا سيما في حكومة الشَّر العالمي والشيطان الأكبر، وكل ذلك يعود إلى تربية ذاك العملاق العظيم الإمام جعفر الصادق، عليه السلام، الذي غرس فيهم تلك الخصال الحميدة والفضائل الجميلة ليكونوا سادة الناس وخير الأمم عبر العصور والدُّهور وها هي الأيام تُظهر هذا السِّر المكنون، والكنز المدفون من التربية الجعفرية الصالحة لحمل راية الصلاح والإصلاح في أمة الحبيب المصطفى، وأما الآخرون فهم كما رباهم سادتهم وقادتهم على تلك الأخلاق الذميمة من حب الدنيا وعبادة السلطان والشيطان، ولذا تجدهم لا يتحملون ولا يحملون عبء الرسالة ولا يدافعون إلا عن مصالحهم وكراسيهم البالية والتي راحت كلها تترنَّح للسقوط مع السقوط المدوِّي للغدة السرطانية المغتصبة للقدس الشريف والأيام ستشهد ذلك بإذن الله تعالى.

السلام على مربِّي الشيعة الكرام على أخلاق سيد الأنام وعترته الطاهرة، وعظم الله أجركم يا مؤمنين بالإمام جعفر بن محمد الصادق الذي سمَّه السلطان العباسي حسداً وحقداً عليه وهو يراه يربي الأمة أحسن تربية.

عن المؤلف

الحسين أحمد كريمو

اترك تعليقا