ثقافة رسالية

اليَهوُدُ وَالحَرب مِنَ العَهدِ القَدِيمِ إِلَى القُرآنِ الحَكِيمِ (2)

قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}.(سورة المائدة: 64).

  • فلسفة اليهود العنصرية

إن لكل عقيدة وفكرة وثقافة فلسفة تنطلق منها، واليهود ينطلقون من فلسفة عجيبة وغريبة في دينهم وأفكارهم وعقائدهم ألا وهي؛ اقصاء الرب والإله، (الله) من الحياة، بل وجعلوه في سجن مغلول اليدين، وذلك ليُطلقوا أيديهم الآثمة في هذه الحياة فيفعلوا ما يشاؤون كما يريدون متى ما أحبوا.

أي أنهم ليس لهم رادع من دين ولا يخافون الحساب والعقاب ولا يخشون وازعاً من ضمير لأنهم أول ما يقتلون ضمائرهم بكثرة ذنوبهم ودجلهم ونفاقهم على أنفسهم، مستندين في كل ما يفعلونه من جرائم ومعاصي وكوارث إنسانية على (التوراة) المزعوم، وإذا لم يجدوا فيه ضالتهم عمدوا إلى (التلمود)، ثم إلى (بروتوكولات حكماء صهيون) ليجدوا فيها تبريراً لكل جريمة حتى ولو كانت في قتل الأنبياء والأوصياء، أو إبادة الشعوب عن وجه الأرض، لأنهم إنما كتبوا تلك البروتوكولات بحقد عجيب وغريب على البشرية قاطبة.

اليهود يعيشون عقدة العنصرية بشكل عجيب ويصدقون (أنهم أبناء الله وأحباءه)، و(أنهم شعب الله المختار)، فيرون أنهم سادة وكل البشر عبيد لهم، وليتهم يكتفون بذلك بل البشر حيوانات وحشرات يستحقون الموت عندما يريد اليهودي، وأن البشر خُلقوا على هذه الصورة ليكونوا خدَّاماً وعبيداً أرقاء لليهود، وهذه الفكرة العنصرية البغيضة جعلتهم يعيشون منعزلين عن غيرهم في أي مجتمع نزلوا فيه، وفي كل زمان ومكان منذ خمسة آلاف سنة يعيشون في كانتونات مغلقة ومنعزلة عن غيرهم من البشر.

  • معاملة الأغيار (الغوييم)

وتقدَّم أن المصيبة الكبرى بالفكر (الكفر) الصهيوني اليهودي هي في (التوراة) المزعومة، الذي ورد في سِفْر أشعيا: (ويقف الأجانب، ويرعَوْن غنمكم، ويكون بَنو الغريب حَرَّاثيكم وكَرّاميكم.. أما أنتم فتُدعون كَهَنة الربِّ، تأكلون ثروة الأمم، وعلى مجدهم تتأمَّرون)! (أشعيا: 61/5-6)

ثم جاء (التلمود) الذي يُعتبر من الشروح الأساسية لديهم، ثم جاءت البروتوكولات الظالمة وكأن الشياطين كتبتها لما فيها من أفكار ظالمة ومظلمة تجاه البشرية قاطبة، وقد ورد في (التلمود) أوصافاً (للغُوييم) -وهم الأغيار أي غير اليهود – حيث جاء فيها تفصيل عجيب، ودقَّة وشمولية عن غير اليهود لأن أرواح اليهود تمتاز عن غيرها بأنها جزء من الله، وأما نطفة غير اليهودي فمثل نطفة الحيوان.. والنار مأوى الكفار، ونصيبهم فيها البكاء والألم، وسيخلد فيها المسلمون أبداً، لأنهم لا يغسلون سوى أيديهم وأرجلهم (بالوضوء)، وسيخلد فيها المسيحيون، لأنهم لا يختَتِنون، فيوزعون الجنة والنار بكيفهم وليس برحمة الله  ــ تعالى ــ.

⭐ اليهود يعيشون عقدة العنصرية بشكل عجيب ويصدقون (أنهم أبناء الله وأحباءه)، و(أنهم شعب الله المختار)، فيرون أنهم سادة وكل البشر عبيد لهم

واليهود هم الصَّفوة الممتازة من البشر، وأما بقية البشر فكلاب وحشرات، بل إن الكلاب أفضل منهم.. ويجب ألا تأخذ اليهودَ بهم شفقة، أو يُحيُّوهم بتحيةٍ إلا إذا كانوا يخشَون ضررهم، والتحية بهذا المعنى نفاق، وهو مُباح بكل أشكاله مع الكفار الخارجين عن دين اليهود، ولليهودي مُلَك الدنيا جميعاً، وعليه ألاّ يسرق من يهوديّ مثله، وأما غير اليهودي فنفسه وماله وعِرضه مُباحة له.. وليس لليهودي أن يُقرض لغير اليهودي مالاً بغير رِباً، ومن المحرَّم على اليهودي أن يُنقذَ غير اليهوديّ من هلاك أو يُخرجه من حُفرة سقط فيها.

ويقول بالحرف: “فجميعهم كَفَرة وثنيون لا يقبل الله منهم عبادة ولا عملاً، وهم أنجاس بأصل الخِلْقة، لأنهم ليسوا من جوهر الله، بل خُلقوا من طينة شيطانية، ثم هم حيوانات في صورة إنسان، ولم يُعْطَوا هذه الصورة إلاَّ إكراماً لليهود، حتى يحصل الأُنسُ للسيد اليهودي بصورة خادمه، الذي لم يخلق أصلاً إلا لهذه المهمة”.

  • فلسفة الحرب اليهودية

اليهود عامة منذ آلاف السنين ينطلقون من هذه الفلسفة والعقيدة العنصرية البغيضة تجاه أنفسهم أولاً، ونظرتهم إليها على أنهم من نسل الآلهة وأبناء الرَّب ومقدسون جميعاً ليس لشيء آخر إلا لأنهم يهود فقط، وأما الآخرون فهم كالحيوانات والحشرات، وأنهم من نسل الشياطين ويستحقون اللعنة وما خُلقوا بهذه الصورة الآدمية إلا من أجل خدمة اليهود وليستأنس بهم اليهودي أثناء خدمتهم له، وليس لليهودي أن يرحم غيره منهم وليس لهم أن يستنكفوا عن خدمته بإخلاص وتفاني ومَنْ لم يفعل ذلك منهم فيستحق العقاب الذي يراه له.

والحرب اليهودية نتجت من هذه العقيدة فهم يرون أنفسهم سادة الخَلق جميعاً، وهم جنود الرَّب وحدهم وأما الآخرين فهم حيوانات ضالة ما لم يجمعها اليهودي لخدمته، وهم يتصلون بروح الرَّب لأنهم منه خُلقوا وسينصرهم على أعدائهم في أي معركة يخوضونها مع الأغيار، وهذا يجعلهم يتغطرسون ويتكبَّرون ويتجبَّرون على غيرهم ويدَّعون أنهم هم المقاتلون الأبطال والشجعان وليس لغيرهم أن يقف بوجوههم لقداستهم.

ونأخذ الصورة الواضحة والحقيقية عن فلسفتهم في الحرب من (سفر يوشع) و(الإصحاح السادس) حين فتح مدينة أريحا لأنها كانت مغلقة عليهم بسببهم لأنهم عصاة ومذنبون ولكن رب الجنود أعطى ليوشع خطة ربانية لفتح المدينة بالإعجاز الإلهي وليس بالشجاعة والقوة والبطولة منهم حيث يقول: (وَكَانَتْ أَرِيحَا مُغَلَّقَةً مُقَفَّلَةً بِسَبَبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ * لاَ أَحَدٌ يَخْرُجُ وَلاَ أَحَدٌ يَدْخُلُ *، فَقَالَ الرَّبُّ لِيَشُوعَ: «انْظُرْ؛ قَدْ دَفَعْتُ بِيَدِكَ أَرِيحَا وَمَلِكَهَا، جَبَابِرَةَ الْبَأْسِ * تَدُورُونَ دَائِرَةَ الْمَدِينَةِ، جَمِيعُ رِجَالِ الْحَرْبِ، حَوْلَ الْمَدِينَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً، هكَذَا تَفْعَلُونَ سِتَّةَ أَيَّامٍ * وَسَبْعَةُ كَهَنَةٍ يَحْمِلُونَ أَبْوَاقَ الْهُتَافِ السَّبْعَةَ أَمَامَ التَّابُوتِ، وَفِي الْيَوْمِ السَّابعِ تَدُورُونَ دَائِرَةَ الْمَدِينَةِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَالْكَهَنَةُ يَضْرِبُونَ بِالأَبْوَاقِ * وَيَكُونُ عِنْدَ امْتِدَادِ صَوْتِ قَرْنِ الْهُتَافِ، عِنْدَ اسْتِمَاعِكُمْ صَوْتَ الْبُوقِ، أَنَّ جَمِيعَ الشَّعْبِ يَهْتِفُ هُتَافًا عَظِيمًا، فَيَسْقُطُ سُورُ الْمَدِينَةِ فِي مَكَانِهِ، وَيَصْعَدُ الشَّعْبُ كُلُّ رَجُل مَعَ وَجْهِهِ). (يوشع: 1 – 6).

فكانوا ينتصرون بالأنبياء وبالتابوت المقدَّس الذي كانوا يقدِّمونه أمامهم فينتصرون في وجهتهم، وأما إذا تُركوا وأنفسهم الخبيثة فهم ليسوا من رجال الحرب والقتال، بل من رجال الوقاحة وقلَّة الأدب بحيث أنهم كانوا يقولون لموسى (ع): {إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}. (سورة التوبة: 24)، فكانوا عُصاة وقحون جداً في تعاملهم مع أنبيائهم فكيف مع غيرهم.

  • تعاملهم في حروبهم

والعجيب ما تقرأه في نفس الإصحاح حيث تجد المجازر الجماعية بل سياسة الأرض المحروقة وهو ما نراه بأم العين الآن والناس يتساءلون: لماذا يفعل هؤلاء الأشقياء كل هذه الجرائم ولا أحد من دول الاستكبار العالمي يمنعهم، أو يردعهم، أو حتى يلومهم، لأنهم يعرفون أن تلك هي تعاليم رب الجنود في التوراة ومنها: (وَحَرَّمُوا (أي اقتلوا) كُلَّ مَا فِي الْمَدِينَةِ مِنْ رَجُل، وَامْرَأَةٍ، مِنْ طِفْل، وَشَيْخٍ، حَتَّى الْبَقَرَ، وَالْغَنَمَ، وَالْحَمِيرَ، بِحَدِّ السَّيْفِ ثم (وَأَحْرَقُوا الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ مَعَ كُلِّ مَا بِهَا..) (يوشع: 25).

ولذلك نجد قبل أيام أحد وزراء الحكومة الاسرائيلية يدعو لإبادة غزة بالسلاح النووي دون رادع ولا وازع، ولن نستغرب من تنفيذ ذلك من هؤلاء الصهاينة الذين إذا لم يرتدعوا عن ظلمهم وطغيانهم بالقوة فهم سيتجرؤون على تلك الجريمة النكراء لا سيما وأنهم إلى الآن قد ألقوا على غزة ما يوازي قنبلتي ناغازاكي وهيروشيما في الحرب العالمية الثانية.

  • من التاريخ النبوي معهم  

والعجيب أنهم كانوا يقولون ذلك لرسول الله، صلى الله عليه وآله، في المدينة المنورة منذ الأيام الأولى لوصوله إلى مدينة يثرب رغم أنه عقد معهم أول معاهدة للعيش المشترك في التاريخ كما في (وثيقة المدينة)، وهذا ما نجده في صور مختلفة ولنا أن نتذكر موقفهم المشين بعد معركة بدر الكبرى والتأسيس الحضاري للدولة الإسلامية المباركة، وهي في الحقيقة شكَّلت صدمة قوية جداً للمشركين في مكة، ولليهود في المدينة.

⭐ إن لكل عقيدة وفكرة وثقافة فلسفة تنطلق منها، واليهود ينطلقون من فلسفة عجيبة وغريبة في دينهم وأفكارهم وعقائدهم ألا وهي؛ اقصاء الرب والإله، (الله) من الحياة

ولذا جرت أول معركة مع (يهود بني قينقاع) الذين كانوا يسيطرون على سوق الذهب وصياغته في المدينة، وذهبت امرأة مسلمة وزوجة أحد الأنصار إلى سوق الصَّاغة اليهود لشراء حُلي لها، فحاول بعض المستهترين من شباب اليهود كشف وجهها والحديث إليها، فامتنعت ونهرتهم بشدَّة، فقام صاحب المحل الصائغ اليهودي بربط طرف ثوبها وعقده إلى ظهرها، فلما وقفت ارتفع ثوبها وانكشف جسدها، فأخذ اليهود يضحكون منها ويتندرون عليها فصاحت تستنجد وتستغيث، فتقدم رجل مسلم رأى ما حدث لها، فهجم على اليهودي فقتله، وتكاثر عليه اليهود وقتلوه.

ووصل الأمر إلى رسول الله، صلى الله عليه وآله، فقال لهم: (اِحْذَرُوا مِنَ اَللَّهِ مِثْلَ مَا نَزَلَ بِقُرَيْشٍ مِنْ قَوَارِعِ اَللَّهِ فَأَسْلِمُوا فَإِنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ نَعْتِي وَصِفَتِي فِي كِتَابِكُمْ)، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ لاَ يَغُرَّنَّكَ أَنَّكَ لَقِيتَ قَوْمَكَ فَأَصَبْتَ مِنْهُمْ فَإِنَّا وَاَللَّهِ لَوْ حَارَبْنَاكَ لَعَلِمْتَ أَنَّا خِلاَفُهُمْ). (البحار: ج۲۰ ص۲).

وفي رواية قالوا: “يا محمد إنك ترى أنَّا قومك؟! -أي: تظننا أننا مثل قومك-، ولا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب فأصبت لهم فرصة، إنا والله لو حاربناك لتعلمنَّ أنا نحن الناس”، وفي لفظ: “لتعلمنَّ أنك لم تقاتل مثلنا”، لأنهم كانوا أشجع اليهود وأكثرهم أموالاً وأشدهم بغياً، فأنزل الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}. (آل عمران: 12).

بهذا المنطق كانوا يجابهون دعوة النبي الأكرم ونصيحته لهم لأنهم قد تشبَّعوا بتلك العقيدة (العقدة) العنصرية بأبشع وأشنع أنواعها لأنهم يرون أنفسهم أنهم هم الناس وغيرهم لم يكونوا أناساً إلا لأجلهم وخدمتهم، وهذا ما نجد ترجمته حرفياً في حربنا معهم الآن، وغزة هاشم الخير، هي المثال الواقعي والواضح لذي عينين.

يتبع..

عن المؤلف

الحسين أحمد كريمو

اترك تعليقا