ثقافة رسالية

نهج البلاغة والحياة (45) كيف يكون الإعجاب بالنفس سببا للفشل؟

قال امير المؤمنين، عليه السلام: “وأوحش الوحشة العُجب”.

ثمة هنالك اناس نرجسيين يرون من انفسهم الخيرَ دائما؛ وكأن ذلك العروس التي توضع امامها مرآة حتى ترى جمالها ونفسها لتعيش حالة الخيلاء، هكذا هم بعض يرى في نفسه انه عروس.

وامثال هؤلاء لا تحملهم الارض، فيرى ان الذنب من نفسه طاعة والقبح منه حسن، والعجب في الاسلام أضر من السيئة والمعصية، فذلك الرجل المطيع لربه المعجب بنفسه أقلّ قيمة عند الله من ذلك العاصي الذي يتأثر بالمعصية، قال الإمام الصادق، عليه السلام: “من لا يعرف لاحد بفضل فهو المعجب برأيه”.

والاسباب التي تدعو الرجل الى العجب كثيرة منها ان يكون الرجل عالما، او خبيرا في شأن معين، بل بعض الافراد يأخذه العجب ان رأيه اصاب الحقيقة عدة مرات وهنا يأخذه العُجب فيرى نفسه معصوما.

ولهذا نرى الاجهزة الإعلامية الطاغوتية تصنّف الحاكم وكـأنه معصوم لا يخطئ ولا يُنتقد، وقد يصدر من الحاكم مواقف متفاوته وخاطئة لكن مع ذلك نجد الإعلام يمدحه ويمجده.

وهنالك أمور اخرى مثل العلم والعقل والشرف، والانتصار، تكون لها آفات تكون نتيجتها العجب، فمن يصبح عالما يجب ان لا يأخذه العجب، وإذا انتصر الانسان في موطن معين يجب ان لا يُعجب بنفسه، فمن ينتصر مرة ليس بالضرورة ينتصر دائما.

“آفة العقل العجب وآفة العلم العجب”، والمعجب بنفسه يهلك، “حسبك من الجهل ان تعجب بعملك”، وفي رواية أخرى”من اعجبته اراؤه غلبته اعداؤه” هتلر انتصر واستطاع اخضاع اوروبا، ولكن حينما اُعجب بإرائه غلبه اعداؤه، وفي رواية أخرى “من رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه”.

🔺 المعجب بنفسه يعيش وحده؛ لا يستفيد من آراء الناس، ولا يستطيع العيش معهم، وليس له المقدرة على تحملهم لانه يرى نفسه أكبرهم وأفضلهم

ويقول امير المؤمنين، عليه السلام: “العجب يمنع الازدياد”، سببان يمنعان الانسان من التقدم في الحياة اليأس والعجب، فالانسان الذي يرى أنه وصل الى مرحلة جيدة يتوقف عن التقدم، والآخر الذي ييأس كذلك يتوقف عن التطور والتقدّم.

وقد قيل: “قليل العلم يضر وكثيره ينفع” لان ذلك الانسان الذي تعلم قليلا يظن انه تعلم كل شيء، وقد سئل احد العلماء: بعد مسيرة علمية ماذا علمت؟

فقال: علمت أني لا اعلم شيء! “الاعجاب يمنع الازيداد”

و”إذا اردت ان تعظم محاسنك في اعين الناس  فلا تعظم في عينك”، لذلك نقرأ في دعاء مكارم الاخلاق للإمام زين العابدين، عليه السلام: “ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عندي نفسي بقدرها” معادلة الحياة قائمة على هذه: كلما ترتفع عند الناس تنحط عند نفسك، وكلما اصبحت عالما أكثر كلما رأيت نفسك جاهلا أكثر وإلا فإن مصير المعجب بنفسه هو السقط لا محالة.

وفي رواية “سيئة تسؤك خير من حسنة تعجبك” لان الحسنة التي يعجب بها الانسان ستمنعه من الازدياد، “وفي رواية  عن امير المؤمنين، عليه السلام: “مال لابن آدم والعجب أول نطفة مذرة وآخره جيفة قذره وما بينهما يحمل العذرة”.

في يوم حُنين أعجب المسلمين كثرتهم، { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ}، وفي هذه المعركة كاد رسول الله، صلى الله عليه وآله، ان يُقتل، ويُنسف الاسلام، كل ذلك حدث بسبب العجب.

المعجب بنفسه يعيش وحده؛ لا يستفيد من آراء الناس، ولا يستطيع العيش معهم، وليس له المقدرة على تحملهم لانه يرى نفسه أكبرهم وأفضلهم، وسواء ظهر العجب في فرد، او في جماعة، او ظهر العجب في شعب، او في حكومة فإن العجب مهلك، وبالابتعاد عن العُجب تزاد فرصة تقدم الانسان وتطوره اكثر في هذه الحياة.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا