ثقافة رسالية

مسألةٌ رياضية

كتب لي أحدهم: ما أيسر العبادة، فلو استغرقت الركعة الواحدة دقيقة فقط، فإنَّك تحتاج الى 17 دقيقة في اليوم، أي 103 ساعة فقط في السنة الواحدة، ولو ضربت ذلك في 70 سنة كان الناتج الإجمالي حوالي (10 اشهر)،  اي انَّك تكون في حياتك كلها، ستصرف 1.5% منها في العبادة.، وهي تكفيك لدخولك الجنة، فلماذا التغافل؟ “انتهى كلامه”.

فكتبت اليه:

كلامك جميل، ولكنه ـ مع شديد الأسف – في غاية السطحية، لأنَّك صِرتَ تنظر الى الدين انطلاقاً من الرؤية المادية العلمانية: تلك التي تراه مقتصراً على المحراب والمسجد، وبالتالي: تكون العبادة فيه مقتصرةً على الصلاة والصوم.

نعم؛ لا شك أن الصلاة عمود الدين، وأنَّ الدعاء مُخُّ العبادة، ولكن هل أن تعليمات الدين تقتصر على هذا المقدار؟

وهل يعقل أن جهاد النبي المصطفى، صلى الله عليه وآله، و دماء الأطهار من اهل بيته كانت من أجل هذه المسائل فحسب؟

نظرة فاحصة الى النصوص، نجد أن الدين يضع برنامجاً لكافة نواحي الحياة و تعريف العبادة في قاموس المؤمن اشمل بكثيرٍ كثيرٍ كثير مما ذكرت.

صحيح، يعبد كل مؤمنٍ ربَّه في ركعاتٍ وسجداتٍ واذكار تشكِّل الصلاة، لكنه يعبد ربَّه في غيرها ايضاً.

فقد يعبد الانسان ربَّه في طلبٍ لرزقٍ حلال يكفُّ به عن الناس يداً، وقد يعبده في طلبِ علمٍ ينتفع به ديناً او دنيا، او ينفع عباد الله في شرق الأرض وغربها، وقد يعبد ربَّه في خطوةِ اصلاحٍ يجمع فيه بين المرءِ و زوجه، او الرجل و جارِه، وقد يعبد ربَّه بفوهةِ بندقيةٍ يصوِّبها نحو الأعداء، أو بشفرةِ جراحةٍ يخفف عن رجلٍ الماً او يشفي علةً، أو بقطراتِ حِبرٍ يرفع بها جَهلاً او يبث بها علماً و حكمةً، أو بخطواتِ عملٍ يرفع بها عن يتيمٍ بؤساً ويرسم على وجه فقيرٍ بسمة، أو بخطبةِ فتاةٍ يحصن نفسه بها عن الحرام ويبني معها اسرةً.

وهكذا فكل الاعمال مرشحة بأن تكون عبادة، وكل شيءٍ يمكن ان يكون اداةً لتلك العبادة، لكن ما دامَت في اطارها الصحيح، والربُّ الرحيم يجازي على كل فعلٍ حياتي.. جزاءَ العبادات الكبيرة.

وهكذا..

فالحياة كلها ميدانُ عبادةِ الله وما الصلاةُ إلا اصلها وسنامها الذي تضبط وجهة الانسان، حتى تكون كل تلك الأعمال التي يؤديها، في الاتجاه الصحيح.. أي نحو الهدف السامي الذي رسمه الله له، واذا كانت كذلك، وجمع معها نيةً صالحة خالصة، صارت حياته كُلُّها قطعة عبادةٍ كاملة، فتكون اعمالُهُ من الليلِ والنهار كلها وِرداً واحداً، وحالُهُ في خدمة ربِّه سَرمَداً.

“قل انَّ صلاتي ونُسُكي، ومحيايَ ومماتي لله ربِّ العالمين”. فيا صديقي.. في رياضيات المؤمن 100% من حياته عبادة!

عن المؤلف

السید محسن المدرّسي

اترك تعليقا