رأي

أين نحن من أخلاق رسول الله، صلى الله عليه وآله؟!

ذكر اسم النبي الأكرم على الألسن ينعش القلب ويريح النفس، ويثير مشاعر الحب والودّ لهذه الشخصية العظيمة، ربما هي من صنع الرب تكريماً له ليكون أنيس القلوب وحبيب النفوس الى يوم القيامة.

وفي ذكرى مولده الشريف يلتقي المسلمون لأول مرة كل عام على مائدة البهجة والسرور بهذه الذكرى الباعثة على الارتياح لما تحمله من معاني الرحمة والخُلق العظيم الذي قدمه النبي الأكرم للمسلمين وللبشرية جمعاء.

ومن قواعد الحُب؛ الطاعة للمُحب، كما قيل: إن المُحب لمن يُحب مطيعُ، والطاعة هنا إيمان عميق وصادق بتلك الاخلاق الجميلة التي نسمع عنها ونقرأها، بل ونفتخر أمام العالم بأن أبرز صفات نبينا والتي جعلته الأول على شخصيات العالم؛ الاخلاق، التي غيّرت المجتمع الجاهلي، وحولت اساليب حياته من القسوة الى اللين، ومن العنف الى السلم، ومن الكراهية الى الحب، ومن التكبر الى التواضع، وهكذا سائر الصفات الحميدة التي حلّت محل الصفات الذميمة، الى جانب تأكيده، صلى الله عليه وآله، على المكارم والفضائل الموجودة في المجتمع العربي آنذاك، كونه بُعث “لأتمم مكارم الأخلاق”.

بهذا التحول العظيم فاجأ المسلمون العالم بأخلاقهم وما تعلموه من النبي الأكرم، فانحنت الامبراطوريتين الكبريين آنذاك؛ الفرس شرقاً، والروم غرباً، ليس أمام قوة السلاح، ولا قوة المال لدى عرب الجزيرة، وإنما لتلك القيم الاخلاقية والانسانية الداعية للمساواة، والعدل، والحرية، والكرامة الانسانية، وأن يعيش الانسان بسعادة في حياته، وهذا ما جعل الناس يدخلون في دين الله أفواجاً.

لمن يراجع سيرة النبي الأكرم، وطريقة تعامله مع سكان الجزيرة العربية، يجد أنه كان ينشر المفاهيم الاخلاقية والانسانية وهو شاب لم يُبعث نبياً

ولمن يراجع سيرة النبي الأكرم، وطريقة تعامله مع سكان الجزيرة العربية، يجد أنه كان ينشر المفاهيم الاخلاقية والانسانية وهو شاب لم يُبعث نبياً، ولم يدعهم الى التوحيد، ونبذ الاصنام، فكانت النتيجة انضمام القبائل العربية الواحدة تلو الأخرى الى جبهة الاسلام، مما كانت تزيد في قوة شوكة الاسلام أمام الكفر بشكل عام في الجزيرة العربية، حتى قيل أنه في فتح مكة بلغ عدد المسلمين تحت قيادة النبي الأكرم، حوالي ثلاثة آلاف مسلم، شكلوا جيشاً جراراً لم يشهده العرب نظيراً له قط، كان الايمان هو دافعهم لأن يكونوا في هذا الجيش، وبإمرة شخص كان قبل حوالي عشرة سنوات مطارداً ومعرضاً للأذى والتكذيب والموت.

طالما كان النبي الأكرم يذكر المسلمين بالاخلاق، والاخلاق فقط في تعاملاتهم الاجتماعية، وفي حياتهم بشكل عام، فترك لنا روايات عدة، هي غيض من فيض الروايات والحوادث التي غيبها النسيان وحوادث الزمان، تشرح لنا عمق اهتمام النبي بهذا الجانب الحيوي من العقيدة، من أبسط الاشياء وهي؛ أداء التحية والسلام على الاطفال، والابتسامة في وجوههم، مروراً باحترام الكبير، والحفاظ على الدفء في الأسرة، ثم التحلّي بصفات الصدق، والامانة، والمروءة، والتسامح، والتكافل، وغيرها من الصفات الحميدة، التي تبعث الدفء في حياة المجتمع والأمة بأسرها.

ومنذ ذلك الحين، والاسلام يتوسع أفقياً، وليس عمودياً، وتزيد أعداد نفوسهم في العالم ليبلغ اليوم حسب بعض الاحصائيات الى ما يفوق المليار نسمة، وكما نبتهج في هذه الذكرى، نبتهج ايضاً لكل مولود يولد بيننا، فهو رقم جديد، الى جانب من ينضم الينا من غير المسلمين، ويسبتصرون بنور الاسلام من البلاد المختلفة في العالم، وبذلك تكون لدينا حشود بشرية تحمل اسم الإسلام، او ربما يؤشّر في هويتها الرسمية (الجنسية) أنه “مسلم”، فهو الاطار العام للانتماء الديني، يحتاج الى محتوى أخلاقي يعطي الروح لهذا الإطار. 

فمن الذي يعطي الروح والمحتوى العظيم لهذا الإطار والنبي الأكرم، والأئمة المعصومين، ليسوا بيننا؟

الواقع المرير الذي تعيشه الأمة في مختلف البقاع الاسلامية يكشف عن الأزمة القاتلة في هذا المحتوى بسبب ما أتخمنا هذا الإطار العظيم والإسم الكبير بصفات وحالات ومظاهر أقلّ ما نقول عنها أنها بعيدة كل البُعد عن بشّر به النبي الأكرم، وعلى النقيض تماماً من المنهج والحياة التي عاشها المسلمون في كنفه، صلى الله عليه وآله.

نعم؛ هنالك جهود مباركة، وتضحيات جسيمة شهدتها البلاد الاسلامية في هذا الطريق، تركت أثرها الطيب في الواقع الاسلامي، بيد أنها لم تكن بالمستوى والمقدرة التي تحول دون إزهاق ملايين الأرواح في حروب تحت شعارات مختلفة، ولم تنقذ الناس من مخالب ساسة لصوص ونصّابين لا يستشعرون أية علاقة بتراب وطنهم ولا بمعاناة ابناء شعبهم.

في أيام البهجة والفرح والسرور بهذه المناسبة السعيدة، وفي حالة استرخاء وانبساط، اعتقد ثمة فسحة للمراجعة في أمر المحتوى والجوهر لما ننتمي اليه، والنسبة التي ننتسب بها الى رسول الله، صلى الله عليه وآله، والذي قال: “أدبني ربي فأحسن تأديبي”.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا