ثقافة رسالية

كيف نستفيد من العقل في ضوء كلام النبي الأكرم؟*

سأل شمعون بن لاوي، النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، حيث قال: أخبرني عن العقل ما هو وكيف  هو وما يتشعب  منه وما لا يتشعب، وصف لي طوائفه كلها، “.

فقال رسول الله، صلى الله عليه وآله: “إن العقل عقال من الجهل، والنفس مثل أخبث الدواب فعن لم تعقل حارت، فالعقل عقال من الجهل، وإن الله خلق العقل فقال له : أقبل، فأقبل وقال له : أدبر فأدبر، فقال الله تبارك وتعالى : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أعظم منك ولا أطوع منك، بك أبدء وبك أعيد، لك الثواب وعليك العقاب”.

في جواب رسول الله، صلى الله عليه وآله، على السؤال، نقطة ارتكازية في فلسفة الوجود، وفلسفة الخلق، وفلسفة البعث، وكذلك الثواب والعقاب.

“إن العقل عقال من الجهل”،  العقال هو الحبل، وهو تعبير عن التقييد والربط، فالحبال تُقيّد بها الدابة، كي لا تفلت وتذهب بعيدا، فالعقل هو الذي يقيّد النفس عن التيه واتباع الهوى.

النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، لم يُجب عن حقيقة العقل، وإنما عن ثمرته، فحين سألوا النبي عن الأهلّة، لم يجبهم عن حقيقتها، بل عن منافعها

الإنسان لولا عقله لأصبح كدابة من الدواب، بل كأخبث دابة منهن، فتراه يذهب هنا وهناك ويتيه، لذلك يأتي العقل ليقيّد جميع جهلات الإنسان، فالتخلّص من الجهل منوط بتنمية العقل واتباعه، ولن يخرج أي إنسان من متنسقع الجهل وظلماته، إلا بالعقل.

لذلك علينا أن نلتفت الى عقولنا ونخرج من سباتنا من خلال إثارة العقل، فأول ما يبدأ به الأنبياء رسالتهم التي فيها صلاح البشريّة، هي إثارة العقول، فلا يمكن للناس أن تُقبل على رسالة السماء، وتصلح واقعها من دون إثارة العقل، وإصلاح البشرية لا يمكن إلا من خلال هذه الخصيّصة المهمة.

المصائب التي نعيشها اليوم؛ من قبيل النزاعات، والديانات المتعدّدة، والمذاهب المتنوعة، والاتجاهات المتناقضة، وغيرها، كل ذلك سببه غياب العقل، واتباع الجهل؛ كالعصبيّة، لذلك إذا أردنا أن نَخرج من شرنقة النزاعات، والاختلافات، والصراعات، فإن الطريق الى ذلك يكون بالعقل.

فالبعقل يهتدي أصحاب الديانات الباطلة الى الحق، وبه ـ العقل ـ يهتدي ـ أيضا ـ اصحاب المذاهب المنحرفة الى المذهب الحق، وبه يرجع اصحاب الاتجاهات الباطلة الى الاتجاه الحق، وما دام العقل في سبات، سبتقى الصراعات الدينيّة والمذهبيّة، والحزبية.

فأول عمل يقوم به الأنبياء هو إثارة العقول، وسؤال شمعون سؤالاً ارتكازيا، إذ أنه يتوجه الى العقل الذي هو محور الحياة، والتكليف، ومحور الخلق، الى غيرها من المحاور الأساسية في حياة الإنسان.

إنّ تحويل النفس الى أعلى عليين لا يكون إلا بالتقوى، والتقوى بالعقل

لهذا نحن بحاجة الى ان نركّز قوانا للإجابة عن هذا السؤال، ومن أجل أن تنعكس تلك الإجابة على واقعنا الخارجي.

النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، لم يُجب عن حقيقة العقل، وإنما عن ثمرته، فحين سألوا النبي عن الأهلّة، لم يجبهم عن حقيقتها، بل عن منافعها، فالبعض يتشبث بالشجرة ويترك الثمرة، أو يتشبث بالطريق، ويُضيّع نقطة الهدف، لذا قد يأتي البعض ليعرف العقل لذاته، ويكون أبعد الناس عن المنفعة به.

لذلك فالرسول أعطى الإجابة النافعة فقال: “إن العقل عِقال من الجهل والنفس مثل اخبث الدواب”، كثيرة هي الداوب التي تدب على الارض، فالنفس أخبثها، أي أنها متمردة، وسيئة، منفلتة، فحقيقتها مثل أخبث، وأسوأ دابة.

والذي يخرجها من ذلك الواقع السيء الى الأفضل؛ هو العقل، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “إنّ الله خلق الملائكة من عقل بلا شهوة وخلق الحيوان من شهوة بلا عقل وخلق الإنسان من عقل وشهوة: فمن غلب عقله شهوته صار أفضل من الملائكة ومن غلبت شهوته عقله أصبح أسفل من الحيوان”. فالنفس من دون عقل لا قيمة لها.

المجتمع البشري منعدمة قيمته، لأنه في سبات عن عقله، إلإ ما ندر، والدليل على ذلك القتل المنتشر في كل مكان، لذلك كان تعبير الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}.

في المقابل؛ فإن الإنسان الذي يتبع عقله يكون أفضل من الملائكة، وقد سجد الملائكة لهذا الإنسان العاقل، والسجود هنا يعني الطاعة، لذلك فقيمتنا الحقيقية عند الله ـ تعالى ـ بقدر عقولنا، وبقدر ما نتخلى عن العقل نتردى الى اسفل السافلين.

عدو الإنسان

“والنفس أخبث الدواب”، فإذا لم يقيّدها الإنسان فإنها تحير، وبالتالي يفقد السيطرة عليها، “فأعدى اعداء الإنسان نفسه التي بين جنبيه”، يقول الله ـ تعالى ـ : {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}، فهي التي تؤدي بصاحبها الى نار جهنّم، وهي التي تجر الى المصائب والمشاكل في الحياة.

إنّ تحويل النفس الى أعلى عليين لا يكون إلا بالتقوى، والتقوى بالعقل، “إن هي إلا نفسي أروضها بالتقوى” و”ميدانكم الاول انفسكم فإن قدرتم عليها كنتم على غيرها اقدر وان عجزتم عنها كنتم عن غيركم اعجز”. فتلك المقدرة تكون بالعقل، وإذا عجزنا عن هذه النفس، فسنعجز عن كل شيء في الحياة، وبقدر ما نتغلب عليها، نكون بنفس المقدار قد تغبلنا على الحياة.


  • إعداد هيأة التحرير

عن المؤلف

آية الله الشهيد المجاهد الشيخ نمر باقر النمر

اترك تعليقا