مناسبات

الإِمَامُ المَهدِي قَائِدٌ عَالَمِي وَرِسَالَةٌ كَونِيَّة

ولد الإمام الثاني عشر للمسلمين المهدي المنتظر في سامراء ليلة 15 شعبان عام 255 من الهجرة

  • مقدمة

في هذا المعترك الحضاري الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم يجعلنا نقف ونفكِّر جديَّاً بهذه الفكرة العالمية التي تشمل كل الشعوب والأمم من أي ملَّة أو دين سماوي كان أو اختراع بشري، وهي فكرة (المخلِّص العالمي)، حيث أن الإنسان في فطرته يشعر به، وبضميره يحسُّ بضرورته، وبعقله يبحث عنه، وفي قلبه يحبه ويرغب بلقائه، وفي وعيه أو لا وعيه عند الحاجة والاضطرار يناديه ليأخذ بيده.

فمَنْ هو هذا المخلِّص العالمي؟

 وما هي فكرته؟

 وكيف سيخلِّص العالم من مآسيه الكثيرة وأزماته المستعصية؟

فالعالم اليوم وحضارته الرقمية العملاقة تبحث عن هذا الشخص الذي يمكن له أن يحكم العالم يحرفيَّة وتقنيَّة عالية جداً وبعدل تام، وقسط شامل، ويستطيع أن يحلَّ هذه الأزمات العالمية كأزمة الفقر وموت الملايين من الناس بالجوع، وبالطرف المقابل يموت مثلهم بالتُّخمة والسُّمنة وأمراضها المختلفة، أو أزمة الأزمات هذه الحروب المتنقلة والتي تحصد يومياً الآلاف المؤلفة من البشر، ومن هذا الرُّعب النووي، أو أسلحة الدَّمار الشَّامل التي تهدِّد الجميع؟

🔺 العالَم اليوم حقيقة وواقعاً يحتاج إلى ذلك القائد الذي يكون بحجم المسؤولية العالمية وقادر على القيام بها وتنفيذها بكل قوة وجدارة

ومَنْ القائد الذي يستطيع أن يحل مسألة الدِّفئية وارتفاع حرارة الأرض ويسدُّ ثقب الأوزون في الغلاف الجوي، ويحلُّ مسألة التصحُّر المستفحلة، أو الأعاصير المدمِّرة، أو ذوبان الثلوج في القطب وارتفاع نسبة مياه البحار؟ أو يمكن أن يحلَّ أزمة الحقوق العالمية؟ أو الأزمة الأخلاقية التي تعصف بالمجتمعات البشرية حتى راح البشر يعيشون مع البهائم ويهربون من حياة الأسرة الآدمية؟

 والأعجب الأغرب هو هذه الأزمات القانونية التي تحاول أن تكرِّس الشَّاذ وتحميه، وتجرِّم الصحيح السَّليم وتتهمه كالمثلية، والجندر، وغيرها؟

فالعالم اليوم والحضارة الرقمية تئنُّ من وطأة المادة التي أثقلت كواهل الجميع، وحوَّلت العالم إلى أشبه ببحر محيط الكبير يأكل الصغير، أو غابة على ضفاف الأمازون القوي يأكل الضعيف، حيث حولوا الكرة الأرضية إلى قرية إلكترونية يريدون أن يفرضوا على الجميع أسلوب عيشهم ويفرضوا على الإنسانية لا إنسانيتهم، لأنهم قتلوا الإنسان كما يقول فوكو، ويفرضون على الشعوب والأمم الإلحاد لأنهم قتلوا الإله كما قال نيتشه المجنون، أو يريدون أن يتخلَّصوا من (وهم الإله) كما يقول المسخ ريتشارد دوكنز في كتابه.

  • القائد العالمي

العالم يبحث عن قائد يستطيع أن ينقذ هذه الكرة الترابية من الدَّمار الذي ينتظرها في كل لحظة، وهو كفكرة موجودة في كل الشعوب والأمم والأديان السماوية وإن اختلفت الأسماء والظروف فمنهم مَنْ يسمِّيه (المخلِّص)، ومنهم مَنْ يقول:(المنقذ)، واليهود يسمونه (الماشيح)، والنصارى يعتقدون وينتظرون (المسيح)، وبعض المسلمين كاليهود ينتظرون (الدَّجال والسفياني)، نحن نقول: بأنه (الإمام المهدي) من آل محمد (صلوات الله عليهم).

لأن العالم اليوم حقيقة وواقعاً يحتاج إلى ذلك القائد الذي يكون بحجم المسؤولية العالمية وقادر على القيام بها وتنفيذها بكل قوة وجدارة ولكن مَنْ مِنَ البشر يحمل مثل هذه الصفات التي تكون بحجم العالم الذي يضم الآن ثماني مليارات من البشر وبعهم لديه بنوك ويملك أكثر من عدة دول مجتمعة وآخرين لا يملكون لقمة العيش ويموتون جوعاً؟

وهذه مشكلة واحدة من مئات المشكلات العالمية المستعصية على الحل فإنسان يحكم على جزيرة لا يتجاوز حجمها بضع كيلومترات وبعض السكان ولديه كل الثروات والإمكانيات التي تجعلهم أن يعيشوا في جنَّة عدن ولكن مشغِّلوه وسادته الذين وضعوه ليسرق ثروات ومقدَّرات البلاد ويرسلها لهم على خط من الشبكة العنكبوتية بضغطة زر، ولديه حكومة ووزراء وجيش وشرطة وآلاف الموظفين الذين استقدمهم من كل حدب وصوب وهو لا يستطيع أن يدير هذه الجزيرة الصغيرة جداً، فمَنْ هذا الرجل العملاق الذي سيدير ويقود هذه المليارات الثمانية بكل مشاربها ومآربها واختلاف أشكالها وألواني وبلدانها والمنتشرة على مساحة الكرة الأرضية كلها؟

فالقائد العالمي الذي تنتظره البشرية اليوم ليحل لها هذه المعضلات المستعصية على الحل لا تتعلق بها فقط بل هناك مشكلات حتى خارج الكرة الأرضية كمشكلة رفع درجة حرارة الأرض والدفئية وثقب طبقة الأوزون التي غيَّرت المناخ وأثَّرت حتى على الأرض بشكل واضح فعليه أن يتحمَّل مسؤوليته الكونية وليس الأرضية ليُعيد إلى الأرض توازنها وحرارتها وجليدها وثلوجها القطبية ويعيد استصلاح أراضيها المتصحِّرة وغاباتها المحروقة ويُعيد ترتيب الكرة الأرضية كما كانت من حيث الجمال والقوة والزراعة كالعراق الحبيب يعود بلد السَّواد من جديد وليس ذلك فقط بل كل هذه الصحراء بينه وبين بلاد الشام والحجاز تُزرع بحيث أنها تتحول إلى جنان وارفة الظلال متوافرة الأثمار والأغلال المختلفة، حيث يعمُّ الأمن والأمان، ويُنتشر السِّلم والسَّلام في ربوع المعمورة، فمّنْ هو هذا القائد العالمي وذو التأثير الكوني الذي يستطيع أن ينقذ العالم كما يجب ويعيد الناس إلى فطرتهم وطيبتهم، وضمائرهم ووجدانهم، الذي دسُّوه تحت ركام الشهوات والنَّزوات البهيمية والعادات الجاهلية التي انتشرت في قرن الحضارة الرقمية؟

  • قائد صناعة إلهية بامتياز

هذا القائد ليس من أهل الأرض قطعاً لأن الإنسان مهما كان عملاقاً في فكره وعقله فيبقى محدوداً وابن بيأته ومتأثراً بمحيطه والظروف التي يعيش فيها، ولذا هيأ الله لهذا الخلق رجلاً خاصاً ومميزاً ربَّاه على عينه وجعله من خيار خلقه وصنعه بيده، حيث يقول: “نَحْنُ صَنَائِعُ رَبِّنَا وَاَلْخَلْقُ بَعْدُ صَنَائِعُنَا”، كما قالها جده أمير المؤمنين الإمام علي أعدل حاكم في التاريخ الذي عرفته البشرية حيث قال: “فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَا وَاَلنَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا”، ويدوخ ابن أبي الحديد في شرحه لها فيقول: (هذا كلام عظيم، عالٍ على الكلام، ومعناه عالٍ على المعاني، وصنيعة الملك مَنْ يصطَنعه الملك ويرفع قدره.. ويقول: ليس لأحد من البشر علينا نعمة، بل الله تعالى هو الذي أنعم علينا، فليس بيننا وبينه واسطة، والناس بأسرهم صنائعنا، فنحن الواسطة بينهم وبين الله تعالى، وهذا مقام جليل ظاهره ما سمعت، وباطنه أنهم عبيد الله، وأن الناس عبيدهم). (شرح نهج البلاغة؛ لابن أبي الحديد: ج ١٥ صفحة ١٩٤).

  • القائد الإلهي الكوني

هذا القائد الأعجوبة ليس من صناعة الأرض بل من زرع الله -كما قال أكثم بن صيفي فيهم: “يا بني تميم إذا أحب الله أن ينشئ دولة نبت لها مثل هؤلاء (أبناء عبد المطلب).. هؤلاء غرس الله لا غرس الرجال”، حقاً إنهم صناعة إلهية: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (سورة طه: 39)، فمثل هذا القائد يستطيع ويقدر على حلِّ كل المشاكل والمعضلات بأبسط مما نتصور، ولهذا قال الأديب “برناردشو” في رسول الله الأعظم: “إن العالم أحوج ما يكون إلى رجلٍ في تفكير محمد، هذا النبي لو كان بيننا لحلّ مشاكل العالم وهو يرتشف فنجان قهوة” لأنه قائد كوني في تفكيره، وإنساني في حكمه، ورباني في عدله، لا يعمل بهوى النفس، ولا بالمصالح المادية الدنيوية بل يعمل لله ببرنامج تربوي وتنموي إلهي يشمل الكرة الأرضية كلها ويضم كل الشعوب والأمم على حدٍّ سواء بدون تمييز بين الأشكال والألوان فكلكم لآدم وآدم من تراب، والخلق سواسية في الحكم والحقوق، والتفاضل عند الله تعالى بالتقوى لا بالأجمل والأقوى قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}. (سورة الحجرات: 13).

  • رسالة عالمية وكونية

فالقائد الذي تحتاجه البشرية هو ذلك الأمير الأمين على الأرواح والأعراض والأنفس، ويكون همَّه ورسالته في الصَّلاح والإصلاح العالمي والكوني حتى لو نام جائعاً أو حتى ربط حجر المجاعة على بطنه، فعينه الأولي بعين الله ينظر ما يريد، وعينه الأخرى على خلق الله وما يحتاج، ويده اليمنى في السماء تُنزل الخير والبركة، واليسرى في الأرض تُوزِّعها على الخلق بالعدل والإنصاف، فيمحو الله به الظلم والجور والطغيان وينشر العدل والقسط والسلام ولن نجده إلا عند آل محمد (صلوات الله عليهم) وبالخصوص والنصوص والذات المقدسة لولي الله الخاتم الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر (عليه السلام) الذي وعد الله ورسوله به هذه الإنسانية منذ قرون مضت وسيحقق الله وعده ولن يخلف الميعاد، فهو الشخص والقائد والإمام الرَّباني والقائد الكوني المدَّخر من قبل الخالق لخلاص وإنقاذ البشر في آخر الزمان.

🔺 القائد الذي تحتاجه البشرية هو ذلك الأمير الأمين على الأرواح والأعراض والأنفس، ويكون همَّه ورسالته في الصَّلاح والإصلاح العالمي والكوني

ونأخذ رواية واحدة من جده أمير المؤمنين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي قال في خطبة له يحدِّثنا عن حفيده المهدي المنتظر ودولته الربانية المنتظرة لإقامة العدل وبسط القسط والأمن في العالم حيث يقول عنها: (بِنَا يَفْتَحُ اَللَّهُ وَبِنَا يَخْتِمُ اَللَّهُ وَبِنَا يَمْحُو مَا يَشَاءُ وَبِنَا يُثْبِتُ وَبِنَا يَدْفَعُ اَللَّهُ اَلزَّمَانَ اَلْكَلِبَ وَبِنَا يُنَزِّلُ اَلْغَيْثَ فَ‍لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّٰهِ اَلْغَرُورُ مَا أَنْزَلَتِ اَلسَّمَاءُ قَطْرَةً مِنْ مَاءٍ مُنْذُ حَبَسَهُ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَوْ قَدْ قَامَ قَائِمُنَا لَأَنْزَلَتِ اَلسَّمَاءُ قَطْرَهَا وَلَأَخْرَجَتِ اَلْأَرْضُ نَبَاتَهَا وَلَذَهَبَتِ اَلشَّحْنَاءُ مِنْ قُلُوبِ اَلْعِبَادِ وَاِصْطَلَحَتِ اَلسِّبَاعُ وَاَلْبَهَائِمُ حَتَّى تَمْشِي اَلْمَرْأَةُ بَيْنَ اَلْعِرَاقِ إِلَى اَلشَّامِ لاَ تَضَعُ قَدَمَيْهَا إِلاَّ عَلَى اَلنَّبَاتِ وَعَلَى رَأْسِهَا زَبِيلُهَا لاَ يُهَيِّجُهَا سَبُعٌ وَلاَ تَخَافُهُ). (بحار الأنوار: ج۵۲ ص۳۱6).

السلام على العدل المنتظر والقسط المنبسط هادي الأمم ومهدي آل محمد في العالمين ورحمة الله وبركاته.

عن المؤلف

الحسين أحمد كريمو

اترك تعليقا