ثقافة رسالية

نهج البلاغة والحياة (40) تساوي الأمل والعمل معيار جودة النجاح

قال أمير المؤمنين، عليه السلام: “من اسرع الى الناس بما يكرهون قالوا فيه بما لا يعلمون”.

الانسان في هذه الدنيا لا يتلقى إلا صدى اعماله؛ تصور ان الكون مرايا من جميع الجهات، وتصور ان ما تقوله تسمعه، وكيف ما تحرك يديك تراه.

إن كنت تريد وجهاً جميلاً في المرآة فاجعل من وجهك ذا جمال، لكن إن تَجهّم الانسان وغيّر عينيه فسيبدو قبيحا.

الكون مريا وصدى غير مرئي، فما تقوله الآن تسمعه بعد عشر سنوات، وما تفعله من خير اليوم ستجده بعد عشرين عاما او اكثر، فانظر أي شيء تريده ــ غدا ــ في الدنيا قبل الآخرة، فالأعمال تجازى مؤقتا في الدنيا قبل الآخرة لانه في العالم الآخر يكون الجزاء أبديا.

⭐ إن فعلتَ شيئا يكره الناس وفيه مضرتهم، فأقل شيء تحصل عليه توجيه الاتهام إليك، وهذا جزاءٌ طبيعي يجب توقعه

مَن عمل الخير جُزي به، ومن عمل الشر جزي به أيضا، “الناس مجزيون بأعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر”، ومن قال للناس حُسنى سيسمع منهم الحسنى، ومن قال في الناس سواء يسمع السوء.

“من اسرع الى الناس بما يكرهون” إن فعلتَ شيئا يكره الناس وفيه مضرتهم، فأقل شيء تحصل عليه توجيه الاتهام إليك، وهذا جزاءٌ طبيعي يجب توقعه، هذا من معنى كلام أمير المؤمنين، عليه السلام.

وهناك معنى آخر هو ان ذلك الذي يعمل اعمالا بالنسبة للناس مؤذية فإن من حق الناس الطبيعي ان يقولوا ما ليس فيه، كمثل الطاغوت الذي يظلم الناس، او الجار الذي يظلم جاره، وبالنسبة أهل البدع فقد قال رسول الله، صلى الله عليه وآله: “باهتوهم”، وأظهر مصاديق أهل البدع هم الطغاة، وهم الذي يتكلمون باسم الإسلام، والحرية، والكرامة وما اشبه، و أهل البدع اليوم في بلداننا هم الحاكمون بغير ما انزل الله والمتظاهرون بذلك.

“من اسرع الى الناس بما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون” فأقل ما يرد به الناس اعمال الشر بحقهم هو ان يردوا الفعل بالكلمة، والكلمة سلاح مشروع تمتلكه الشعوب في مواجهة سلاح الحديد والنار، والدبابة والسجن، الذي يمتلكه الطغاة الذين لا يجوز لهم ان يقولوا غدا: لماذا يقول الناس فينا هكذا؟

قد يكون الطرف الآخر ضعيفا لا يستطيع ان يرد الصفعة بالصفعة، ولكنه يملك لسانا يستطيع تحريكه في المجتمع وكما يقال في المثل: (انت تقرصه وهو يصرخ)، والكون مرايا وصدى يعكس نتيجة العمل، فلا ترى شراً في هذه الدنيا إلا بعمل قمت به.

“من اطال الأمل اساء العمل”

الامل مثل الملح في الطعام، لابد منه حتى يَستسيغ الانسان العمل، فمن دون الأمل لا يعمل أحد شيئا، لكن طول الامل مثل زيادة الملح في الطعام، يقضي على العمل ويسيء إليه، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “الجاهل يعتمد على أمله ويقصر في عمله”، فالأمل إذا كان أطول من العمل يسيء، والمطلوب ان يكون الأمل والعمل متساويان، فالصحيح هو أمل مع عمل، لان العمل بدون أمل يعني عمل مع يأس، والانسان الذي لا يملك املا حتى لو فعل شيئا فسيكون عمل خاطئا، وكما يقول المثل العراقي: (جفيان شر ملا عليوي).

لكن ذلك الذي يمتلك الامل سيأتي بالعمل على درجة من الجودة التي لن تكون إلا مع مقدار من الأمل.

⭐ من لا يعطي من نفسه شيئا لا يتوقع ان يكون رقما في الحياة وهذا النوع هو الذي يسيء الى العمل

الواحد منا لو أخذ ورقة وكتب كم أمله وهل أدى من العمل بمقدار ذلك الأمل، سيجد انه لم يؤدِ أي شيء، وهذا النوع من الناس أمله أطول من عمله، فمن يسهر في الليلة إلا ساعة واحدة للمطالعة لا يتمنى ان يصبح عالما في سنة واحدة وإذا لم يكن كذلك أصابه اليأس، من لا يعطي من نفسه شيئا لا يتوقع ان يكون رقما في الحياة وهذا النوع هو الذي يسيء الى العمل، وهذا المعادلة سواء كانت لمن يطلب الدنيا او الآخرة لا فرق، ومن يطلب النجاح بلا جهد لا يحصل على شيء، فطول الأمل هو الذي يسيء الى العمل.


  • مقتبس من محاضرة لآية الله السيد هادي المدرّسي.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا