أسوة حسنة

فَاطِمَةُ الزَّهرَاء دَرَّةُ السَّمَاءِ فِي الأَرضِ

قال رسول الله، صلى الله عليه وآله: “فَاطِمَةُ حَوْرَاءُ إِنْسِيَّةٌ فَإِذَا اِشْتَقْتُ إِلَى اَلْجَنَّةِ شَمَمْتُ رَائِحَةَ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ”.

  • مقدمة نورانية

نعيش في هذه الأيام الحزينة الذكرى المؤلمة لشهادة سيدة الوجود، وسر الخلق والإيجاد، وشرف الموجود تلك البضعة الطاهرة من سيد الكائنات وحبيب الخالق الرسول المصطفى محمد، صلى الله عليه وآله، وما أعظمها من محنة وأجلَّها من كارثة خَطفت تلك الدُّرة السماوية في حياتنا الإنسانية، وذلك لأن فاطمة لا ولن تتكرر في بني البشر، لأنها خُلقت من نسيج خاص لم يُخلق غيرها منه، كما أنها خُلقت من نور ذات الله تعالى لتكون رابطة ما بين الرسالة والولاية.

ففي رواية جليلة وجميلة قَالَتْ، عليها السلام، لأمير المؤمنين: “اِعْلَمْ يَا أَبَا اَلْحَسَنِ أَنَّ اَللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ نُورِي وَ كَانَ يُسَبِّحُ اَللَّهَ جَلَّ جَلاَلُهُ ثُمَّ أَوْدَعَهُ شَجَرَةً مِنْ شَجَرِ اَلْجَنَّةِ فَأَضَاءَتْ فَلَمَّا دَخَلَ أَبِي اَلْجَنَّةَ أَوْحَى اَللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ إِلْهَاماً أَنِ اِقْتَطِفِ اَلثَّمَرَةَ مِنْ تِلْكَ اَلشَّجَرَةِ وَأَدِرْهَا فِي لَهَوَاتِكَ فَفَعَلَ فَأَوْدَعَنِي اَللَّهُ سُبْحَانَهُ صُلْبَ أَبِي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثُمَّ أَوْدَعَنِي خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ فَوَضَعَتْنِي وَأَنَا مِنْ ذَلِكَ اَلنُّورِ أَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَمَا لَمْ يَكُنْ يَا أَبَا اَلْحَسَنِ اَلْمُؤْمِنُ يَنْظُرُ بِنُورِ اَللَّهِ تَعَالَى”. (بحار الأنوار: ج43 ص۸).

فنور فاطمة من نور الله، وروح فاطمة من روح رسول الله، (هي روحي التي بين جنبي)، وأما إهابها وجسدها الشريف فهو خليط ما بين السماء والأرض، فهي درَّة السماء المكنونة في هذه الأمة المرحومة، بها وبأبيها وبعلها وبنيها، فهم مثال وخزائن رحمة الله تعالى وهي الواسطة بين الجميع ولولاها لما أجراها باريها أصلاً.

  • فاطمة مثال المرأة الخالد

العجيب الغريب في أمر وقضية سيدة النساء فاطمة الزهراء أنها ما عرفتها هذه الأمة، بل جهلتها وتجاهلتها لأنها ربما احتارت فيما سمعت من رسول الله الأكرم فيها فظنوا أنه يقول فيها من فرط محبته لها لأنها ابنته الوحيدة وغاليته الفريدة، والأمر ليس كذلك قطعاً لأن رسول الله، صلى الله عليه وآله، {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}. (سورة النجم: 4).

⭐ فاطمة قدوة وأسوة لنسائنا في هذا العصر وجدير بهن أن يدرسن حياتها القصيرة المباركة وكيف كانت حركتها الرسالية في البيت العلوي الشريف

فما كان يقول فيها إلا حقاً وصدقاً ووحياً من الله تعالى وبما هي أهله وليس يصفها إلا بما يمكن للأمة أن تحتمله من وصفه، وإلا فإن الناس لا يتحملون قدرها ومكانتها لأنها لا يعرفها إلا الله الذي خلقها وأبوها الذي ولدها وبعلها التي كانت قرينته وما كان لها كفؤ غيره من الخلق جميعاً وهذا ما جاء بالروايات الصحيحة عن ولدها الإمام الصادق، عليه السلام، حيث يقول: “لَوْلاَ أَنَّ اَللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَكُنْ لِفَاطِمَةَ كُفْوٌ عَلَى وَجْهِ اَلْأَرْضِ آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ”. (المناقب: ج۲ ص۱۸۱).

لأنها ليس لها نظير في الخلق، ولا كفؤ في المؤمنين (لأن المؤمن كفؤ المؤمنة)، مهما كانوا، ولكن رجال ونساء قريش والأنصار نظروا لها بعيون مريضة ولم يفقهوا ما قاله أبوها بحقها، أو يفهموا ما أنزله الرب سبحانه في كتابه فيها من آيات لو فقهوها لأخذوا التراب من تحت أقدامها يتبرَّكون بها ولكنهم – لا سيما مرضى القلوب وعشاق السلطة- نظروا إليها كامرأة من نساء قريش وأنى لهم أن يفقهوا معناها النوراني، وسرَّها الرَّباني، وطبعها الجناني السماوي.

في الحقيقة لولا وجود السيدة فاطمة الزهراء في جنس النساء -وهي الكاملة المعصومة الوحيدة فيهن- لكان لهن أن يحتججن على الله تعالى، في قصورهن وتقصيرهن في هذه الحياة ولكن وجودها المبارك قطع عليهن حجتهن لأنها المثال والرمز الذي جعله الله لهن ومنهن، بل وجعلها الله حجة على الحجج البالغة على النساء والرجال وهذا ما قاله ولدها الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): “نَحْنُ حُجَجُ اللّهِ عَلَي خَلْقِهِ وَجَدَّتُنا فاطِمَةُ حُجَّةٌ عَلَينا”، في لفظ آخر: “وأمنا فاطمة حجة علينا”. (أطيب البيان في تفسير القرآن: ج13ص225).

فهي في هذا المقام السامي الذي لا تدركه العقول القاصرة، والأحلام البائرة من هذه الأمة الظالمة لها، وليتها أدركت كلمة واحدة فقط مما قال فيها أبوها رسول الله (صلى الله عليه وآله): وشهدوا لها جميعاً بهذه الرواية العجيبة حيث تسأل رجال السلطة القرشية حينما جاءا لعيادتها فلم تسمح لهما بالدخول، وعندما دخلا بواسطة أمير المؤمنين، لم ترد السلام عليهما وأدارت وجهها إلى الجدار وقالت: (نشدتكما بالله هل سمعتما رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني)؟ قالا: نعم فرفعت يدها إلى السماء فقالت: اللهم إنهما قد آذياني فأنا أشكوهما إليك وإلى رسولك، لا والله لا أرضى عنكما أبدا حتى ألقى أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخبره بما صنعتما فيكون هو الحاكم فيكما). (البحار: ج ٤٣ ص ١٩٩).

أو قالت لهما: (نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي فمَن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومَن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومَن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟

قالا: نعم سمعناه من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قالت: فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه).. وهي تقول: (والله لأدعونَّ الله عليك في كل صلاة أصليها). (الإمامة والسياسة لابن قتيبة: ج1 ص31).

فأي كارثة وقعت على هؤلاء بدل أن تدعو سيدة النساء وروح الرسول الأكرم لهما في التسديد والتأييد كانت تدعو الله عليهما في كل صلاة تصليها، فهل مثل هؤلاء يشمُّون رائحة الخير في الدنيا والآخرة وهم يقرون ويعترفون بهذه الرواية الصحيحة الصريحة أن رضا فاطمة من رضا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بل هو رضا الله تعالى -كما في رواية صحيحة- تقول: (يَا فَاطِمَةُ إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَغْضَبُ لِغَضَبِكِ، وَيَرْضَى لِرِضَاكِ). (شرح الأخبار: ج۳ ص۲۹).

وهذه مسألة طبيعية جداً لمَنْ خُلقت من نور الله تعالى، أن الله يغضب لغضبها ويرضا لرضاها، والقوم سمعوا ذلك ولكن ما فقهوه، وما علموا صدقه ومصداقه وأن الذي يُغضب فاطمة يعني أنه يغضب رب السماوات والأرض وهذا يعني أن كل شيء يغضب لغضبه عليهم، ولكنهم أصروا واستكبروا استكباراً عجيباً إذ أنهم علي يقين من كل ذلك ولكن حليت الدنيا بأعينهم وراقهم زخرفها وزبرجها وحلاوة السلطان فيها ولكن حكموا أياماً ومضوا لحال سبيلهم وسيعلم الذين ظلموها أي منقلب ينقلبون وما الذي ينتظرهم في الآخرة.

  • فاطمة قدوة النساء

وما أحوجنا في هذا العصر أن نعرف فاطمة الزهراء، عليها السلام، لتكون لنا قدوة وأسوة في حياتنا لا سيما النساء المؤمنات حيث أنهن في هذا العصر صرن غريبات كفاطمة بعد وفاة أبيها رسول الله، صلى الله عليه وآله، في المدينة فكانت تبكي وتنحب في بيتها فريدة وحيدة ثم في بيت الأحزان حيث أخرجوها من بينهم وقطعوا أراكة كانت تلوذ بظلها، لأنها أرَّقتهم من كثرة بكائها.

⭐ نور فاطمة من نور الله، وروح فاطمة من روح رسول الله، (هي روحي التي بين جنبي)

والمؤمنات في عصر الحضارة الرقمية حيث صارت الحياة كلها مظاهر وأضواء ولمعان وخطفت العيون والقلوب بمفاتنها وزخارفها، وصارت المرأة الصالحة المؤمنة حبيسة بيتها تبحث عن زوج فلا تجده، وذلك لأن شباب اليوم يبحثون عن المرأة الجميلة الفاتنة وليس عن العفيفة المصونة، أو عن الغنية المترفة، وليس عن الأنيقة الحيية، لقد اختلفت المعايير والمقاييس والمظلومة هي المرأة الصالحة في بيتها، والبنت المؤمنة في بيت والدها الذي رباها على الفكر الفاطمي والعباءة الزينبية والشرع الإسلامي الحنيف.

وفاطمة قدوة وأسوة لنسائنا في هذا العصر وجدير بهن أن يدرسن حياتها القصيرة المباركة وكيف كانت حركتها الرسالية في البيت العلوي الشريف، حيث أنها أنجبت نجوم الأرض لأهل السماء وأدارت أسرة لا يوجد لها نظير في أسر العالم أجمع فهي البنت المثالية، والمرأة الناجحة بكل معنى الكلمة، فلماذا نتلهى عنها ونبحث عن قدوات لنسائنا وبناتنا من هنا وهناك ولدينا المقياس الرباني للنساء الذي جعله وجمعه في إنسانة واحدة وقال لها كوني فاطمة الزهراء (روحي لها الفداء).

فالحقيقة تقول: إن فاطمة هي درَّة السماء لأهل الأرض و أولئك ظلموها والأمة أنكرتها أما آن لنا أن نعرف ونعرِّف العالم بهذه المرأة المظلومة الطاهرة والمعصومة المصونة لنقول لنساء العالمين: هيا اقتدين بسيدتكن ومقياسكن فاطمة بنت محمد المصطفي (صلوات الله عليهما وآلهما الطيبين الطاهرين)

عن المؤلف

الحسين أحمد كريمو

اترك تعليقا