ثقافة رسالية

اليَهوُدُ وَالحَرب مِنَ العَهدِ القَدِيمِ إِلَى القُرآنِ الحَكِيمِ (4)

قال تعالى: {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ}. (الحشر: 14).

  • قلاع الفضيلة

المجتمعات البشرية والحضارات الإنسانية تقوم على أساس المنظومات القيمية المساوية أو الأرضية، ولا يمكن لحضارة أن تقوم إلا بحضور البشر فيما بينهم وتعاملهم على أساس تلك المنظومة -كما يؤكد سماحة السيد المدرسي (دام عزه) في محاضراته التفسيرية لاسيما في سورة المائدة المباركة التي يسميها بسورة الحضارة الإنسانية- فالبشر ينتظمون في ذلك النظام ويتمسكون به وينهضون بهمَّة عالية ليبنوا حضارتهم.

المجتمعات تلتزم بقلاع الفضيلة في حياتها وفي بناء مدنيتها وحضارتها، ولا تلتفت إلا بشكل عابر إلى مسألة البناء والعمران العالي والمتقدم كما يجري في الحضارة الرقمية المعاصر، وأما في الحضارات القديمة فكانوا يبنون قلاعاً على التخوم والأطراف لتكون تلك القلاع مراكز قوة وأماكن تمركز قطعات الجيش المدافعة والحامية للدولة أو البلد، فالقلعة قديماً من تأسيسات الدفاع، ومن أدوات الجيوش في المواقع المتقدمة لهم.

 ولكن تبقى قلاع الفضيلة، ومتاريس القيم والأخلاق هي الأساس في بناء المجتمعات الإنسانية، ولذا نجد أن رسالات السماء كلها تؤكد على هذه المسألة التي تعتبر أساسية وأصلية في البناء الاجتماعي، ولذا نجد أن رسالة السيد المسيح، عليه السلام، هي رسالة أخلاقية بامتياز ولذا يسمونه رسول المحبة والسلام، وأما الرسالة الإسلامية الخاتمة فهي منظومة متكاملة لبناء المجتمع على أساس الأخوة الإيمانية، والحضارة على أساس العدل والقسط الاجتماعي.

  • قلاع اليهود الخاوية

أما كتاب اليهود – العهد القديم- التوراة المزعومة، والتلمود، فإنه يبني مجتمعه على الفكرة العنصرية ذاتها، فلا يسكن في مجتمع إلا ويبني قلعة خاصة بهم، ليحصروا أنفسهم فيها فلا يخرجون منها إلا للعمل والفساد ولا يسمحون لأحد أن يدخل عليهم من غيرهم، فيعيشون فيما يشبه القوقعة التي يعيش فيها الحلزون.

⭐ تبقى قلاع الفضيلة، ومتاريس القيم والأخلاق هي الأساس في بناء المجتمعات الإنسانية، ولذا نجد أن رسالات السماء كلها تؤكد على هذه المسألة التي تعتبر أساسية وأصلية في البناء الاجتماعي

فقلاع اليهود يبنونها في داخل المجتمعات التي ينزلون فيها لأنهم يعتبرون الآخرين وما يسمونهم الأغيار (الغوييم) أعداء لهم، وأنهم في حالة حرب باردة معهم، ولكن في كل لحظة يمكن أن تتحول إلى حرب ساخنة فيتحصنون في قلاعهم دفاعاً عن أنفسهم ضد المجتمع، ولا يفهمون أن القلاع مهما كانت قوية ومتينة وعالية فإنها لا تدافع عنهم، بل رجالهم وفرسانهم هم الذين عليهم أن يدافعوا عن أنفسهم وعن ذراريهم وعن قلاعهم أيضاً، فالحصون الحقيقية في الرجال لا في الحجارة.

وحقيقة اليهود – أشخاصاً ومجتمعات – أنهم جبناء يخافون من خيالهم ولذا يظنون أنهم ببناء الحصون والقلاع يحمون أنفسهم وتقوى عزيمتهم ويصبحون أبطالاً وشجعاناً، وهذه مغالطة يضحكون بها على أنفسهم منذ أربعة آلاف سنة وإلى اليوم يبنون (الغيتو أو الجيتو)، والذي يعني ويشير إلى (حارة اليهود) ومسكنهم في أي مدينة أو بلد عاشوا فيه.

والعجيب أنهم يبنون دويلتهم اللقيطة في فلسطين المحتلة الآن على نفس الفكرة، بل يضعون خطط الأمن القومي لهم على هذه الفكرة الخاطئة، فيبنون معسكراتهم على أساس ما يسمونه بنقاط الاستناد، ومدنهم على أساس الكيبوتس (الجيتو) المغلق، ومن ثم الدولة حيث تراهم يبنون جدراناً عالية كالقلاع، وأسلاك شائكة ومتشابكة، وأينما يجدون خطراً فهم يبنون جداراً، ليأمنوا على أنفسهم كما يظنون ظن السوء منذ القدم.

والتجربة الواقعية في حروب المقاومة معهم تؤكد لهم أنهم مهما فعلوا من أعمال ورفعوا من الجدران والحيطان فإنها عند الجد وساعة الحقيقة لن تنفعهم في شيء وهذه تجربة (طوفان الأقصى) مازالت مشتعلة على رؤوس الأبرياء في غزة هاشم، فهم أبطال على الأطفال ورجال بقصف المدنيين بالطائرات، والصواريخ الأمريكية لأنهم من الأسبوع الأول فقدوا كل ما لديهم من ذخائر، ولولا إمبراطورية الشر العالمية والشيطان الأكبر وأذيالها من الأوربيين، وأذيالهم من المتهودين والمتصهينين الأعراب وجماعات قرن الشيطان المشؤومة لما بقيت هذه الغدة السرطانية تعيث فساداً وإفساداً في بلادنا وتدنِّس مقدساتنا كما كانوا يفعلون في مدينة يثرب قديماً بين الأخوة من الأوس والخزرج.

  • مشكلة غزة بالأعراب

المتأمل فيما يجري الآن صار يعرف بل يعلم علم اليقين أن المشكلة ليس بالأعداء الصهاينة فهم تجاوزوها من اللحظة الأولى لعملية طوفان الأقصى، بل المشكلة في دول الاستكبار العالمية حيث أعلنت رؤوس الشياطين فيها: “أن الكيان الصهيوني مازال حامياً لمصالحهم ولم تنته مهمته في ذلك”، وأما الأعراب فهم جزء من المشكلة وليسوا طرفاً في الحل مهما فعلوا مؤتمرات واجتماعات ورفعوا الأصوات ولكن ليضحكوا على شعوبهم، ولكن الشعوب سبقتهم بأشواط طويلة وقد عرفوا أنهم صنائع الاستكبار لحماية الكيان المغتصب، وإذا سقط مشروع الصهاينة في المنطقة فإنهم جميعاً سيسقطون كأحجار الدومينو.

  • قتال اليهود بالحصون

هنا تكمن جوهر النظرية الصهيونية اليهودية في الحرب والقتال، كما يصفها ويشخِّصها بدقة القرآن الحكيم، وهي أنهم لا يقاتلون إلا بالقلاع فيحتمون بالقلاع ولا يحمونها، والواجب أن يضعون أثقالهم وذرياتهم في القلاع ثم يخرجون للقتال لحماية القلاع ومَنْ فيها، إلا أنهم كانوا ومازالوا وسيبقون جبناء كما أخبرنا القرآن الحكيم عنهم في آياته الكريمة، فالجدار لا يقاتل عن المقاتل بل هو الذي يجب أن يقاتل عن الجدار وربما يستخدم الجدار لحماية نفسه من تأثير ضربات العدو لا أن يحتمي بالجدار ليقاتل عنه.

فلا يقاتل اليهودي الصهيوني إلا في قلعة وحصن حصين ليدفع عنه الأعداء، ولكن هؤلاء الأغبياء ألم يدركوا فشلهم في هذا العصر حيث الطائرات والصواريخ والقذائف تأتي من السماء والرجال يحفرون الأنفاق فيخرجون من باطن الأرض، ولن تنفعهم حصونهم ولا قلاعهم، ولا حتى القباب الحديدية التي اخترعوها أيضاً لأن الكثافة والكثرة الصاروخية ستربك القبة الوهمية وتجعلها وبالاً عليهم هي أيضاً.

  • درس بني قريظة

وكما قلت من قبل فإن هؤلاء لا يستفيدون من دروس وعبر التاريخ والعجيب أنهم يرون الحفرة ولكن يغمضون أعينهم عليها إلى أن يقعوا فيها، وهذا ما جرى لآخر طوائف اليهود في المدينة المنورة في عهد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وهم جماعة بني قريظة حيث كانوا يسكنون في الجنوب الشرقي من المدينة في حصنهم ولهم مزارعهم ومساكنهم وكانوا وادعين مطمئنين على أنفسهم لأن بينهم وبين رسول الله، عهداً بحمايتهم والدفاع عنهم وهم في بيوتهم ومساكنهم.

⭐ حقيقة اليهود – أشخاصاً ومجتمعات – أنهم جبناء يخافون من خيالهم ولذا يظنون أنهم ببناء الحصون والقلاع يحمون أنفسهم وتقوى عزيمتهم ويصبحون أبطالاً وشجعاناً، وهذه مغالطة يضحكون بها على أنفسهم

إلا أنهم كفروا بأنعم الله ولما جاءت قريش وأحابيشها بالأحزاب بقيادة رأس بني أمية أبو سفيان ليستأصلوا المسلمين كما يظنون فحفر المسلمون خندقاً يحمي المدينة من هذا السيل الجارف من طغاة قريش والعرب المشركين، وجاء معهم أشأم رجال اليهود حيي بن أخطب، معاهداً معهم على حرب الله ورسوله وضامناً لهم غدر بني قريظة ودخولهم الحرب معهم ضد رسول الله (ص)، ولذا ذهب إليهم حُيي بن أخطب وهو من يهود بني النُّضير، من قِبَل قريش وطلباً من أبي سفيان لنقض العهد مع المسلمين إلا أن سيدهم رفض ذلك حتى تمكن منه أخ زوجته حُيي فأخذ العهد ومزقه وأعلنوا الحرب على رسول الله، صلى الله عليه وآله، فلما سمع بنقضهم قال: لعناء.

ولكن انتصر الرسول الأعظم على الأحزاب بعد مبارزة الإمام علي (عليه السلام) لعمرو بن عبد ود العامري وقتله بضربة كانت “أفضل من عبادة الثقلين إلى يوم القيامة”، وذلك لأنه “برز الإيمان كله إلى الشرك كله”، وجاءت الرياح الباردة فقلبت معادلة الأحزاب فجمعوا ذيولهم وراحوا يجرون ذيول الخيبة فارين عائدين إلى مكة المكرمة تاركين يهود بني قريظة من ورائهم.

  • إجلاء بني قريظة

والرسول الأعظم لم يرجع إلى المدينة بل توجه إلى بني قريظة في اليوم الذي تفرّق فيه الأحزاب وانهزمت فيه قريش، لأن جبرئيل أمر بلبس السلاح والتهيؤ لقتال بني قريظة، فنادى منادي رسول الله: لا أحد يصلي العصر إلا في بني قريظة، وأعطى الراية التي لم تُحل من الأحزاب إلى الإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام، وأمره بالتوجه إلى قريظة، فسبق في نفر من المهاجرين والأنصار وغرز الراية عند أصل الحصن، فأيقن بنو قريظة بالشرّ، واستقبلوا المسلمين في حصونهم يشتمون رسول الله، ويسبونهم، فرجع الإمام عليّ إلى رسول الله حتى لا يسمع أذاهم وشتمهم، ولكن لما وصل إليهم رسول الله، صاروا يحلفون بالتوراة أنهم لم يشتموه.

فحاصرهم المسلمون حوالي شهر حتى رضخوا ونزلوا على حكم الصحابي الأنصاري سعد بن معاذ رئيس قبيلة الأوس من بني عبد أشهل، لأن الأوس كانوا من حلفاء بني قريظة قبل الإسلام.

وبإجلاء هؤلاء اللعناء من المدينة رغم أنهم كانوا كثيرين والمقاتلين فيهم أكثر من ألف وخمسمائة، وأصحاب مال وزراعة وبساتين، إلا أنهم لم يستطيعوا أن يخرجوا من جلدهم ويغيروا عادتهم بالغدر والنكث بالعهود وكانت قبلهم تجربتين لبني جلدتهم من بني قينقاع وبني النضير، ولكنهم لم يستفيدوا ويعتبروا منهم بل طغوا وبغوا حتى نزل بهم ما نزل بمَنْ سبقهم من قومهم الأشقياء.

واليوم نعيش نفس التجربة فهذه الغدة السرطانية لم تستفد من حروبها في 2000 ولا من 2006 مع رجال المقاومة الإسلامية في لبنان فهم سيكررون التجربة وسيهزمون ويجرون ذيول الخيبة وربما تكون آخر تجربة لهم في هذه المنطقة بإذن الله تعالى.

يتبع…

عن المؤلف

الحسين أحمد كريمو

اترك تعليقا