مكارم الأخلاق

تأملات في مناجاة التائبين (7) سحابة الرحمة لمعالجة مشاكلنا

قال الإمام زين العابدين، عليه السلام، في مناجاة التائبين: “الهي ظلّل على ذنوبي غمام رحمتك، و أرسل على عيوبي سَحَاب رأفتك”.

مناجاة التوبة هي منهج لتزكية الانسان بشكل خالص؛ تطهره من الرجس والذنوب والمعاصي، وتعطيه القدرة على الانطلاق بقوة الايمان، وتمنحه ثقة وحيوية، وتشيّد علاقة قوية مع الرب وهي ـ العلاقة- اساس كل شيء.

“الهي ظَلّل على ذنوبي غمام رحمتك، و أرسل على ذنوبي سحاب رأفتك”.

الانسان يقع في المنزلقات ويرتكب ذنوباً في غفلة، أو جرأة،  او تسويفا، يوسوس له الشيطان فيدفعه نحو الذنب، فيرتكب الذنب تلو الآخر، هذه الذنوب تتحول الى نار تحرق القلب في الدنيا، قبل أن يحترق الجسد والروح في الآخرة.

 الذنوب تحرق المعنويات، والإرادة، والصبر، والهمّة، وتحرق كل الخصال الحميدة في الانسان، فالشمس حين تضرب الانسان يصاب جسده بالخدر، فيتثاقل عن انجاز عمل ما، فالعامل في الصيف يتظلل حتى لا يقع تحت أشعة الشمس المباشرة، لان حرارتها ترهق الجسم، كذلك حرارة الذنوب، فهي نار تنهك القلب والروح، فتقعد الانسان عن العمل الصالح، وعن العبودية الحقيقية لله ــ تعالى ــ.

نحن بحاجة الى تلك السِحاب التي تحول الاجواء الحارة الى نسمات باردة، فتدفع الحرارة، وتعطينا هواء بارداً، فتجعلنا ننطلق لاداء الاعمال المختلفة.

  • غمام الرحمة [غمام رحمتك]

يدعو الانسان بهذه الكلمات الرائعة ليطلب رحمة الله بعد أن حولت الذنوب حياته الى أشبه بالجحيم، فرحمة الله تسع كل شيء مهما كانت ذنوب الانسان، {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}، فلابد للانسان المؤمن ان يطلب الرحمة الإلهية لا غيرها، ويبتعد عن التعلّق بأي شيء مادي.

⭐ من يشرّق ويغرّب ويبحث عن النظريات في الأخلاق والتربية، فهو بحق يترك الرحمة التي بين يديه، ليأتي بأقوال فلان وعلّان، بدلاً من قول الله، و قول رسوله، وقول أهل البيت، عليهم السلام، وهذا من شأنه إبعاد الرحمة الالهية

ولابد للإنسان ان يبحث عن الامور التي تجلب الرحمة الإلهية؛ ومن جملة تلك الامور؛ الايمان الحقيقي بالله، أي التصديق به –تعالى- وبالقيم الإلهية، بحيث تنعكس هذه القيم على واقعه وحياته.

فالالتزام بالتقوى من الامور الباعثة على الرحمة الالهية، وايضاً؛ الرحمة بالعباد تُعد مفتاح لرحمة الله، “ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء”، يقول رسول الله، صلى الله عليه وآله، كذلك الدعاء باعث مهم للرحمة، قال -تعالى-: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ}، والقرآن الكريم بآياته المباركة رحمة لنا، واستجلاب الرحمة بالقرآن الكريم تكون عبر التمسك به، وتطبيق آياته.

النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، وأهل البيت الطاهرين، ايضا رحمة إلهية، {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}، فمن تمسك بالنبي واهل بيته دخل في رحمة الله، أما من حارب أهل بيت رسول الله فهو مطرود من رحمة الله –تعالى- فقتل الإمام الحسين، عليه السلام، استجلاب للنقمة الإلهية، لان الإمام الحسين رحمة للناس، وكذا بقية الائمة المعصومين عليهم السلام.

 قال رسول الله، صلى الله عليه وآله: “إني تاركٌ فيكم الثقلين”، فالتمسك بأهل البيت يجلب الرحمة، والتمسك بهم هو نشر كلامهم وعلومهم بين الناس، اما من يشرّق ويغرّب ويبحث عن النظريات في الأخلاق والتربية، فهو بحق يترك الرحمة التي بين يديه، ليأتي بأقوال فلان وعلّان، بدلاً من قول الله، و قول رسوله، وقول أهل البيت، عليهم السلام، وهذا من شأنه إبعاد الرحمة الالهية.

  • [وأرسل على عيوبي سحاب رأفتك]

بسبب ارتكاب الانسان للذنوب يفقد نوعاً من البصيرة ونتيجة لذلك يُخطىء الطريق في بعض الحالات، لان البصيرة هي التي تكشف الامور للانسان، {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي}، والاخطاء التي تأتي نتيجة الذنوب قد تقحم الانسان في مشاكل، فمثلاً؛ قراءة كتاب معين قد يسبب مشاكل نتيجة الافكارالعقائدية الخاطئة التي يحملها، وكذا اختيار الصديق الخطأ يوقع في الذنوب والأخطاء.

فما دام للانسان عيوباً كثيرة، فلابد من اقتلاعها بعدة أمور منها؛ حضور المساجد والصلاة جماعة، ومن خلال سماع المواعظ والمحاضرات الفكرية النافعة، فيمكن اقتلاع أي عيب، سواء كان عيباً فكريا او سلوكيا، كذلك يمكن اقتلاع العيوب من خلال الدعاء، وبالذات دعاء مكارم الاخلاق للإمام زين العابدين، عليه السلام، فهو منظومة تربوية كاملة.

الاصدقاء المؤمنون ايضاً؛ من الامور التي تساعد على التخلص من العيوب، يقول الامام الصادق، عليه السلام: ” أحب إخواني إليّ من أهدى إليّ عيوبي”، وهم الذين يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويصدقون القول مع الإنسان.

نحن بحاجة الى سحابة الرحمة والرأفة؛ فسحابة الرحمة التي من شأنها تغطية ذنوبنا التي ارتكبناها، وسحابة الرأفة التي تقلع عيوب انفسنا، وثم نكوّن شخصية تتكامل وتسمو الى ملكوت الرب، فهي قوية تملك البصيرة، وتسير على هدى القرآن الكريم، وكلمات النبي وأهل بيته الطاهرين، صلوات الله عليهم.

______

(مقتبس من محاضرة لآية الله الشهيد نمر باقر النمر).

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا