مكارم الأخلاق

تأملات في مناجاة التائبين (9) ما هو معيار التوبة النصوح؟

“إلهي ان كان الندم على الذنب توبة فإني وعزتك من النادمين”

ما هي علامة التوبة؟

وما علامة انحطاط الذنوب؟

حتى يعرف الانسان انه تائب وأن ذنوبه قد حُطت عنه، العلامات كثيرة، من ابرزها هي الحالة الداخلية وهي حالة الندم، فيشعر الانسان بالندم والحسرة على ما فرّط في جنب الله، وعلى ما تجرأ به على الباري ــ جل وعلا ــ حينما يستشعر هذه الحالة الداخلية، فهذا يعني أنها علامة التوبة.

“إلهي ان كان الندم على الذنب توبة فإني وعزتك من النادمين” التوبة النصوح هو الشعور الداخلي بالحسرة والحزن، الكثير يدّعي أنه تاب من ذنبه بمجرد قوله “استغفر الله”، ويظن ان بتردديه هذه الكلمة أن الله تاب عليه، وهذا توهم خاطئ، ذلك انه داخليا لم يندم، ولم يتحسّر على تلك الذنوب التي اقترفها، فمن لم يعش حالة الحزن الداخلي فتوبته مجرد أماني لا واقع لها.

⭐ حتى نتمكن من التوبة النصوح لابد من غرس روح عدم العودة الى الذنب

حتى نتمكن من التوبة النصوح لابد من غرس روح عدم العودة الى الذنب، فالتوبة النصوح تتخذ مسارين؛ العودة الى الله أولا؛ ومن ثم عدم العود الى الذنب ثانيا، والحالة الثانية تأتي أن الانسان حين يرتكب ذنبا لابد ان يعيش بعده الحسرة والأسى، فالروح الداخلية كفيلة بإبعاد الانسان عن الموبقات، وعن تجاوزه للحدود الإلهية، فالقوة الداخلية تكون حاجزا ومانعا عن اقتراف الذنوب والمعاصي.

“وإن كان الاستغفار من الذنوب حِطةً فإني لك من المستغفرين”

حينما يذنب الانسان فإنه يستحق العقوبة، بالاضافة الى أن الذنب يثقل حركة الانسان في العودة الى الله، فلابد من طريقة لحطّ ألا وهي “الاستغفار” ــ وقد ورد في مقال سابق في هذه السلسلة بيان معنى الاستغفار كما ورد عن أمير المؤمنين ــ.

التوبة هي “ان تذيق الجسد ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية”، فالقيام لصلاة الفجر في الشتاء القارص فيه ألم للجسم وهذا هو المطلوب، وما شابه من الأمور العبادية، فالخطاب الإلهي موّجه إلينا وقد ورد كثيرا في آيات الذكر الحكيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، هذه الروح الايمانية هي تعيد للانسان حيويته وفاعليته، وذلك عبر تلاوة القرآن الكريم، والتدبر في آياته، والذهاب الى المسجد للصلاة جماعةً، وحضور الأدعية الجماعية وما اشبه.

وإذاقة الجسد ألم الطاعة لا ينحصر في اداء الاعمال العبادية وحسب، بل لابد من ارجاع حقوق الناس المادية منها المعنوية، فإذا كان الانسان قد ذكر احدهم بما يكره (اغتابه) فعليه ان يقصده ويطلب منه براءة الذمة، وما اشبه في بقية الأمور الأخرى، قال أمير المؤمنين، عليه السلام :”المؤمن الناس منه في راحة ونفسه في تعب”، ونفسه في تعب أي انه لا يعطي نفسه كل ما تشتهي.

⭐ إذاقة الجسد ألم الطاعة لا ينحصر في اداء الاعمال العبادية وحسب، بل لابد من ارجاع حقوق الناس المادية منها المعنوية

{وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}، فما دام الانسان يستغفر فإن الله ــ تعالى ــ لن يعذبه.

“لك العتبى حتى ترضى” فالله ــ تعالى له الحق في تعذيب الانسان إذا ما أذنب، لكننا نرجو عفو الله وصفحه، لان رحمة الله واسعة، ولذا لابد ان ندعو الله بهذه الروح البعيدة عن الغرور، فالانسان لا يمن على بصلاته وقراءته للقرآن الكريم، لان اداء كل ذلك توفيق منه ــ تعالى ــ، ولذا لابد ان نسعى ــ بعد ارتكاب الذنب ــ لنيل رضا الله، وذلك يكون بالتوبة، والاستغفار، والقيام بعمل صالح يرضي الباري ــ جل وعلا ــ وهو ايضا يحب التائبين والمطهرين: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}.

وأهل البيت عليهم السلام، مثل أعلى لمن رضي الله عنهم {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}، ذلك أنهم قدموا انفسهم لله، وجاهدوا في سبيل الله، كالإمام الحسين، عليه السلام، حين قُتل ابنه الرضيع كان يردد: “حتى ترضى”، وأن يسعى المؤمن لارضا الله معناه ان يوجه كل قدراته في سبيل الله.


  • (مقتبس من محاضرة لآية الله الشهيد نمر باقر النمر).

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا