حوار

الشيخ جعفر لادك طالب العلم والخطيب القادم من بريطانيا يتطلع نحو العالم

(المبلغ الناجح مَن يمتلك رؤية شمولية للحياة)

  • أجرى الحوار: أبوطالب اليماني- محمدعلي جواد

تعتزم مجلة الهدى الالكترونية إجراء سلسلة حوارات مع طلبة العلوم الدينية القادمين من البلاد الاسلامية والبلاد الغربية لطلب العلم في مدينة كربلاء المقدسة، لتسليط الضوء على التجارب والعبر التي مروا بها منذ الانطلاقة الاولى، وحتى فترة دراستهم، ثم تطلعاتهم و رؤاهم للتغيير في مجتمعاتهم، ونشر ثقافة أهل البيت، عليهم السلام.

كانت البداية مع الشيخ جعفر لادك القادم من بريطانيا، وينحدر من أصول كينية، فكان لنا معه هذا الحوار:

س: هل لنا أن نتعرف على الشيخ جعفر لادك؟

ج: ولدت في بريطانيا، و سكنت في مدينة ليدز. (اربع ساعات شمال لندن).

في بداية حياتي اشتغلت بالتجارة حتى سن العشرين من العمر، ثم تعرفت على مدرسة دينية في مدينة برمنكهام، بعدها انتقلت الى مدينة كربلاء المقدسة، وكانت البداية مع حوزة الخطيب آية الله السيد مرتضى القزويني، درست فيها المراحل الاولى، ولا أزال أكمل بقية المراحل الأخرى في حوزة الامام المنتظر، عجل الله فرجه، التي يُشرف عليها سماحة المرجع الديني السيد محمد تقي المدرسي.

بالنسبة لدراستي الأكاديمية فقد أكملت الدراسات العليا في العلوم الاسلامية في لندن، وأحرزت شهادة الماجستير في العلوم الاسلامية.

⭐ جاءت فكرة الانخراط في مسيرة طلب العلم بالحوزة العلمية استجابة لهذه الحاجة، وكان إحدى القوى الدافعة الاخرى؛ تجربة عمّي في دراسة العلوم الدينية في حوزة الإمام القائم

كان لي التوفيق لتولي مهمة إمامة الجماعة في الحسينية الحيدرية في لندن، وفي حسينية حجت في لندن، ثم في حسينية باب العلم بمدينة ليدز.

س: ما الذي دفعك لدراسة العلوم الدينية؟

ج: يمكن الإشارة الى دوافع عدّة أذكر أهمها:

  1. حسينية بلا إمام جماعة ثابت

في القرية الصغيرة التي نسكن فيها (ميلتون كينز)، كانت لدينا حسينية، وثمة سنّة لدى الشيعة الخوجة بأن يتولى أحد الرجال مسؤولية الحسينية في قريته، فكان أبي يتولى الأمر، يفتح الابواب يومي الخميس والجمعة لاستقبال الخطيب والمبلغ لأداء صلاة الجماعة، فكان المبلغ يقيم في بتينا خلال هذين اليومين، لعدم وجود مكان آخر.

جاءت فكرة الانخراط في مسيرة طلب العلم بالحوزة العلمية استجابة لهذه الحاجة، وكان إحدى القوى الدافعة الاخرى؛ تجربة عمّي في دراسة العلوم الدينية في حوزة الإمام القائم، عجل الله فرجه، في سني الثمانينات يوم كانت في طهران بإشراف المرجع المدرسي، وأن يكون لحسينتنا إمام جماعة ومبلغ ثابت، بما يعني الاكتفاء الذاتي من هذه الناحية، أما القوة الأكبر؛ فهي الآية الكريمة: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ}، فرأيت أن هذه الآية تعنيني وتنطبق على وضعي مع والدي، فكان لابد من مسايرته ومواكبة مشروعه الديني والحضاري.

  • صديق سنّي والافتقار للمعرفة الدينية

في فترة مزاولتي مهنة التجارة، كان لي صديق اسمه “آفتاب”، ذات مرة سألني: “الرسول الأكرم لم يسمّ امير المؤمنين في الاذان، وأنتم تفعلون، وهذه بدعة، وكل بدعة في النار، فلماذا تذكرون اسم علي في الاذان؟

حيّرني هذا السؤال، فلم يكن لدي جواب، لذا عزمت على طلب العلوم الدينية، ومراجعة المصادر لتكون عندي معرفة كاملة بالعقيدة، وفعلاً؛ ذهبت الى البيت وطلبت كتاب؛ “المراجعات” للمرجع الديني الكبير السيد عبد الحسين شرف الدين –طاب ثراه- فقرأته جيداً،   فهذا كان يحيرني وأشكك بمذهبي وأخاف من عدم المعرفة، ثم استخرجت جواب صديقي، بل جواب أي سؤال آخر يتعلق بعقيدة التشيّع.

⭐ لم أجد في الغرب عالم دين مسلم يناقش المتطرفين والمتعصبين في بريطانيا ممن يحملون الكراهية على المسلمين والمهاجرين

تعجّب صديقي من الأدلة والبراهين القاطعة والواضحة، وذهب الى إمام الجماعة لديهم، وسأله عما يقول في تلك الأدلة والبراهين فقال له: لا تتكلم مع الشيعة بعد اليوم!

  • مظلومية الزهراء وأمير المؤمنين

من الروايات التاريخية التي أثّرت فيّ وغرزت في قلبي الأليم؛ حالة أمير المؤمنين، عليه السلام، وهو مقيّد وقد أخرجوه من داره بعد الاعتداء الآثم على الصديقة الزهراء، عليهما السلام، في حادثة الدار، حقيقة؛ كنت أقرأ هذه الراوية وأبكي بحُرقة، لاني لم أكن أعرف بذلك من قبل، لذاعزمت على تعلم الخطابة لنشر ظلامة اهل البيت، عليهم السلام، الى اصدقائي وأقاربي والمجتمع الذي أعيش، ثم دعوت الله مخلصاً وبقلب منكسر أن يوفقني لطلب العلم وتعلم الخطابة، وفعلاً؛ تركت العمل بالتجارة وبدأت دراسة العلوم الدينية.

س: حدثنا عن التحديات في مسيرتك هذه

ج: تعدد التوجهات والاهتمامات لدى المسؤولين عن الحسينيات والمراكز الاسلامية في بريطانيا، وفقدان وحدة خطاب و رؤية وموقف، وهذه اول مشكلة تواجهنا، وهذا إن كان يؤثر بشكل أقل في بلاد غربية مختلفة، فان التأثير يتضاعف في بريطانيا لان الحكومة لها سياسة متشددة جداً إزاء الجالية المسلمة، وتحديداً إزاء اللاجئين.

والتحدي الآخر أمامنا؛ اجتماعي، إذ يوجد في بريطانيا حوالي ثلاثة مليون وتسعمئة، ولكن يعيش نصف هؤلاء في حالة الفقر، كل واحد من اربعة يحتاج الى مساعدة، او يختار بين الضياء داخل البيت أو الطعام.

يفتقد المسلمون لجسور علاقات مع الحكومة البريطانية للمطالبة بحقوقهم، والتعبير عن آرائهم وافكارهم، ما عدى بعض الشخصيات الاسلامية التي تحتفظ بعلاقات مع مسؤولين بريطانيين، وهؤلاء تستفيد منهم الحكومة، بينما مشروعنا في بريطانيا؛ كيف يؤثر الاسلام في الناس ويساعدهم في تحسين اوضاعهم.

مثلاً؛ فيما يتعلق بالمال، فان على المسلمين في بريطانيا الانصياع للقوانين التي تطلق يد المرابين بلا حدود لمضاعفة الفوائد على القروض، وهذا يشكل خطراً ماحقاً على لقمة عيش المسلمين، لذا نحن نحتاج الى مشروع اقتصادي اسلامي ينقذ المسلمين من حالة العوز والفقر والتبعية للبنوك الربوية.

س: هل ثمة مشكلة قانونية أمام فتح مصارف للقرض الحسن؟

ج: كلا، فالحكومة لا تمانع من ذلك، إنما المشكلة في المسلمين انفسهم، فليس هناك مشاريع جادّة وحقيقية لحل هذه المشكلة من أثرياء المسلمين، للأسف؛ يد العون والمساعدة لا تمثل الاخلاق الاسلامية، فالغني العراقي يعطي للعراقي، واللبناني للبناني، والباكستاني للباكستاني، وهكذا. نعم؛ ثمة مبادرات للقرض الحسن حصلت في ليدز و مانشستر، لكنها محدودة ولا تفي بالغرض، علماً؛ أني كتبت كُتبياً حول الاقتصاد بعنوان: “كيف يعيش الاقتصاد الرأسمالي”، وكيفية المعالجة في ضوء القرآن والسنة، ويرى هذا الكتاب النور قريباً.

س: حدثنا عن أبرز مشكلة يواجهها المسلمون في بريطانيا؟

ج: الصورة النمطية السيئة عن كل مسلم في بريطانيا، فان أي شخص له لحية، او  المسلمين بان كل ملتحي او متدين في نظر الشرطي والموظف الحكومي شخص ارهابي، او يمكن ان يكون في المستقبل.

وفي المدرسة هناك تعميم على المعلمين والمعلمات أن تنظر فيما يتحدث عنه الاطفال الشيعة مما سمعوه في الحسينيات، مثل الشهادة، كما يتحدث عنه الخطباء الحسينيون، ففي هذه الحالة يحق للمدرسة انتزاع الطفل من عائلته لأنهم يرون أنهم يعلموه على العنف!

س: ما هي السبل، برأيك، للحد من هذه النظرة السلبية؟

ج: للأسف القليل من علماء الدين يتكلم عن الواقع والقضايا المعاصرة، بينما المفترض أن تكون لدينا صلاة جمعة كل اسبوع تتابع المشاكل والقضايا الراهنة في بريطانيا، ونستخرج من القرآن الكريم، الحلول والبدائل بما يفيد الناس.

س: كيف ترى مواصفات المبلغ الناجح؟

ج: دعا سماحة المرجع المدرسي في كتابه؛ التشريع الاسلامي، بان على عالم الدين ان تكون له رؤية شمولية وأفق تفكير واسع.

هناك من لديه كلام جميل عن العقائد او التاريخ او الفقه، والى جانب كل هذا عليه النظر الى السياسة، والاقتصاد، والاجتماع، وهذه الرؤية الشاملة يأخذها من القرآن الكريم.

س: ما هي المؤهلات التي تراها ضرورية للمبلغ؟

ج: لم أجد في الغرب عالم دين مسلم يناقش المتطرفين والمتعصبين في بريطانيا ممن يحملون الكراهية على المسلمين والمهاجرين. نعم؛ ربما تكون لقاءات في المؤتمرات العامة، ولكن القليل ممن ينقل صورة الاسلام بشكل صحيح ومتكامل للمواطن البريطاني العادي الذي مُلئ ذهنه بالصورة السلبية عن الاسلام.

س: ما السبب في هذا القصور؟

ج: فقدان ثقافة التبليغ لدى الشيعة، للأسف نهتم بشكل كبير بالجانب العاطفي، واستدرار الدموع في المجالس الحسينية، مع إلقاء المحاضرات والاستماع اليها ثم يخرج الجميع وينتهي كل شيء، دون أن تترك تلك المحاضرات تأثيراً على حياتهم وسلوكهم.

س: ما المطلوب للتصحيح؟

1-افساح المجال للشباب في الحسينيات والهيئات للابداع والعمل، فهم ليس لديهم المال والامكانات، انما لديهم العزيمة والحماس والافكار.

2- في بريطانيا توجد ثقافة في بعض الحسينيات بان يكون هنالك رجل واحد يدير المكان، وبيده كل شيء ولا يسمح للشباب الجامعي بان يجرب الادارة، وعندما يجد الشاب الباب امامه مغلقاً سيضطر الى فتح هيئة جديدة، او حسينية اخرى، وهكذا تكثر الهيئات والحسينيات باسماء مختلفة، ثم تتبعثر الطاقات والامكانات المالية والمعنوية وتتراجع النتائج الايجابية.

  • كلمة اخيرة

اشكركم؛ أولاً على هذا اللقاء، ثم على اتاحتكم لي الفرصة لأن تتحسن لغتي العربية في الحوار الشيّق معكم. ونحن بدورنا شكرنا سماحة الشيخ جعفر لادك على تخصيصه متسعاً من الوقت لمجلة الهدى، و ودعناه بالدعاء له بالموقفية والنجاح في مسيرته العلمية والثقافية.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا