حوار

مجلة الهدى تحاور الدكتور حسنين دوجي طبيب الاسنان المتطوع والقادم من كندا

“صدقة السر تطفئ غضب الرب”

هذا الحديث الشريف ذو الدلالات العميقة والمعاني الانسانية الراقية، تذكرنا دائماً بالسبل الكفيلة لتحقيق أعلى درجات النجاح في مشاريع الإغاثة والإعانة للشريحة الفقيرة، ولاسيما الايتام.

مما يدعو للفخر والاعتزاز كثرة الأيادي البيضاء والمساعي الحثيقة للتخفيف من وطأة الحرمان والمعاناة من كاهل الايتام وايضاً؛ الشريحة الفقيرة في العراق، بل وفي بلاد اسلامية اخرى، ولكل هذه المشاريع والتحركات الانسانية صداها الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي، او على القنوات التلفزيونية. بيد إن المفاجأة كانت في وفد طبي صغير مكون من زوج و زوجته وابنته، قادم من كندا يتطوع لمعالجة أسنان الاطفال الايتام مجاناً.

الدكتور الاخصائي في طب الانسان؛ حسنين دوجي، من الأخوة الخوجة المقيمين في كندا، التقيناه في كربلاء المقدسة خلال جولته الجديدة ـ ضمن جولات سابقة – على مدارس الايتام بهدف المعالجة والفحص الدوري، وتحدث الينا عن بدايات مشروعه الخيري، وطموحه، وتحدياته ايضاً، وكان بيننا الدكتور ذو الفقار، الشاب العراقي المقيم في كندا، وهو أخصائي تخدير، جاء مع والدته ضمن الفريق التطوعي والخيري، وكان هو حلقة الوصل بيننا وبين الدكتور حسنين، في إعداد اللقاء والترجمة الفورية، فله كل الشكر والامتنان.

  • كيف كانت البداية، وما هي الدوافع؟

أعمل طبيب أسنان في كندا منذ ثلاثين عاماً، وقد وهبنا الله ـ تعالى- نِعَم كثيرة، فأريد شكر هذه النعم من خلال تقديم الخدمة لسائر الناس.

كانت البداية من عام 2003 عندما ذهبت مع فريق تطوعي الى اميركا الجنوبية، وكانوا من المسيحيين، من اجل تعلم تقنيات العمل والطرق المناسبة بمساعدة الناس.

⚡ لهذا الفريق تجارب عمل سابقة في مناطق مختلفة من العالم، فقد مروا بكمبوديا شرقاً، مروراً بسوريا وافغانستان، وتنزانيا، وحتى اميركا الجنوبية، بيد أنهم يفضلون العمل في العراق وخدمة الاطفال الايتام

في عام 2008 أتينا الى العراق لأول مرة وبحثنا عن الاطفال الايتام لمساعدتهم فيما يتعلق بأمراض الاسنان، و زرنا مخيم للاجئين في مدينة النجف الأشرف، وكانت هذه الزيارة تفقدية لنعرف حجم الحاجة الى المساعدات في هذا الجانب.

وبعد سنة قمت بزيارة ثانية الى العراق مصطحباً زوجتي وابنتي لمعالجة الاطفال، علماً أن زوجتي هي مساعدة طبيبة اسنان، فتوجهنا الى مدرسة دار الزهراء للايتام في مدينة النجف الأشرف، وهي تابعة للمرجع الديني الشيخ بشير النجفي، وكانت تضم حوالي ألف طالب آنذاك.

نؤكد لكم أن المتطوعين ليسوا فقط أطباء شيعة، و إنما هم فريق يضم أطباء من السنة والمسيحيين، وبرنامجهم؛ زيارة العراق كل عام في الشهر الثالث، ويتوجهون الى كربلاء المقدسة، والنجف الاشرف.

لهذا الفريق تجارب عمل سابقة في مناطق مختلفة من العالم، فقد مروا بكمبوديا شرقاً، مروراً بسوريا وافغانستان، وتنزانيا، وحتى اميركا الجنوبية، بيد أنهم يفضلون العمل في العراق وخدمة الاطفال الايتام، وقد أجرينا زيارات لمدينة سامراء ثلاث مرات خلال السنوات الماضية، وقدمنا خدمات طبية مجانية لمدارس أهل السنة هناك.

ـ من أين تأتون بالمال؟

لسنا مرتبطين بمؤسسة او جهة معينة توفر لنا الامكانات المالية للسفر وإعداد المستلزمات الطبية، إنما نعتمد كلياً على جهدنا الذاتي، فمن يتطوع لهذا العمل عليه التكفل بأجور النقل والإقامة على حسابه الخاص، علماً أن هناك من يدعمنا بتبرعاته في كندا لهذا المشروع  الانساني.

ـ هل سبق أن ارتبطتم بمؤسسة خيرية لانجاح مبادرتكم ومشروعكم؟

لدينا علاقة تعاون وتنسيق مع مؤسسة الإمامية العالمية، ومن هذه المؤسسة يأتي وفدٌ من البحرين كل عام في زيارة الأربعين لتقديم المساعدات الطبية والعلاجية للزائرين، وخلال الزيارة يلتقون مع أطباء بحرانيين من بريطانيا وغيرها، وتقتصر علاقة التعاون والتنسيق لتوفير بعض المعدات ا لطبية.

ـ وهل فكرتم في توسيع نطاق نشاطكم الطبي التطوي؟

خلال عملنا في مجال الاسنان، اكتشفنا أن عدداً كبيراً من الطلبة ومعهم الكادر التعليمي بحاجة لفحوصات للبصر، فاستقدمنا فريقاً من اخصائيي العيون، و صاروا يتابعونهم كل عام بالفحوصات الدورية، ويبترعون لهم بنظارات مجاناً للطلاب وللمعلمات.

ومنذ اكثر من خمس سنوات منشغلين بعمل فحوصات البصر للأطفال الايتام في نفس المدارس التي نعمل بها، منها؛ مدرسة الزهراء بالنجف الأشرف التي تضم ألف طالب، وخلال فحص هؤلاء الاطفال تبين للفريق الطبي أن 93 طالباً بحاجة الى نظرات طبية، وفي مدرسة أولاد مسلم التابعة للعتبة الحسينية بكربلاء المقدسة، أجروا فحوصات للعيون لـ 296 طالب تبين أن ثلاثين طالباً بحاجة الى نظارة طبية، فتم تقديم النظارات الطبية كهدية لهؤلاء الطلاب كما فعلوا الشيء نفسه في مدرسة الزهراء بالنجف الأشرف.

وبموازاة هذا العمل الطبي التطوعي بدأنا قبل خمس سنوات بتوسيع العمل بإحضار أطباء باطنية لفحص الطلاب الايتام، وهذا يعتمد على تفاعل المتطوعين في كندا، فنحن نسعى لاقناعهم بالتطوّع للعمل الخيري في العراق، لذا فان العدد يتفاوت بين سنة واخرى.

ـ كيف وجدتم تعاون المؤسسات الدينية مع مبادرتكم الانسانية؟

التعاون جيد، لاسيما من العتبة الحسينية في كربلاء المقدسة، فقد ساعدتنا في تسهيل أمر إدخال المعدات الطبية في المطار، لاننا نعتمد على معداتنا الخاصة من أجل مزيد من الاتقان في العمل، كما أن المسؤولين في العتبة الحسينية عرفونا على مدارس الأيتام مشكورين.

كما انهم عرفونا على طلاب من مدرسة السيدة رقية، كما تعاونوا معنا (العتبة الحسينية) لزيارة مدينة سامراء والتعرف على الطلاب المحتاجين للخدمات الطبية هناك.

ـ ماهي رسالتكم الى المؤسسات الدينية في العراق؟ وماذا تتوقعون منهم؟

المساهمة في إزالة الصعوبات والعقبات عن طريق عملنا التطوعي.

ـ ماذا عن العراقيل التي واجهتموها في العراق؟

يضحك…! إنها السياسة!

تجنّب الدكتور حسنين الخوض في الجانب السلبي لما واجهه من تعامل في العراق، فهو منطلق من كندا بروح ايجابية ونفس شفافة يبغي خدمة الاطفال الايتام بغاية انسانية خالصة لا ترتبط بمصالح جهة أو طائفة، او مؤسسة معينة، او حتى شخصية معينة.

ومما أشار اليه من المشاكل؛ حجز المعدات الطبية في المطار ثلاث ايام بدون سبب او مسوغ معقول، بعد استحصال الموافقات الأصولية والرسمية، بيد أن الروتين له دوره الفاعل، فكان أحدهم يحيلنا الى دوائر وزارة الصحة، والآخر: يوجهنا الى دائرة حكومية أخرى في دوامة غريبة.

الدكتور حسنين يستدرك بالقول: إن ما لاقيناه في العراق ليس غريباً علينا، فهذا النوع من التعامل نواجهه في معظم دول العالم.

أم سيف، والدة الدكتور ذوالفقار لها مداخلة في هذا السياق بأننا “نعتب على المسؤولين والمعنيين في العراق؛ فنحن شيعة، والوفد المتطوع يعمل للايتام، فاذا نواجه مشاكل في العالم، لا يجب أن نواجهها في العراق.

⚡ منذ عام 2009 خلال جولاتنا العلاجية في العراق، عالجنا طالب في مدرسة دار الزهراء للايتام، وعندما أتينا اليوم وجدنا أنه أتم دراسته الأعدادية و دخل كلية الاسنان وسيتخرج طبيب اسنان، وهو يتطلع لأن يكون في المستقبل ضمن فريق أطباء الاسنان الذين يقومون بهذا العمل الخيري الرائع

يردف الدكتور حسنين بغير قليل من الحماسة والثقة مضيفاً نفحة ايجابية على الحديث، بأننا “عندما نواجه الماشكل نطمئن انفسنا أن الله ـ تعالى- والامام الحسين، عليه السلام، معنا، ويساعدنا ويحل مشاكلنا”.

ـ هل ممكن التعاون مع كادر طبي عراقي؟

ألقينا محاضرات على طلاب جامعة الكوفة بينّا لهم تفاصيل مشروعنا الخيري، و لإغنائهم بالمعلومات والتجارب الطبية الحديثة.

وحاولنا اقناع طبيب اسنان متخرّج للتو في النجف الأشرف ليواصل العمل معنا بشكل مستمر، بيد انه اخبرنا أنه حوّل الى دراسة الصيدلة لاسباب خاصة به، مع ذلك نحن مصرون على تعيين طبيب اسنان ثابت لمدرسة دار الزهراء في النجف الأشرف، ليجري فحوصات دورية مستمرة على طول السنة بعد مغادرتنا العراق، كما نسعى لتوفير راتب ثابت له ليعمل في هذه المدرسة.

نواجه مشكلة في هذا الاطار بعدم تفاعل بعض أطباء الاسنان العراقيين بسبب قلّة الراتب، أو لتقاطع فترة الاقامة في المستشفى مع عملنا.

📌 ثمرة جهودنا أمام أعيننا

منذ عام 2009 خلال جولاتنا العلاجية في العراق، عالجنا طالب في مدرسة دار الزهراء للايتام، وعندما أتينا اليوم وجدنا أنه أتم دراسته الأعدادية و دخل كلية الاسنان وسيتخرج طبيب اسنان، وهو يتطلع لأن يكون في المستقبل ضمن فريق أطباء الاسنان الذين يقومون بهذا العمل الخيري الرائع، كما لاحظنا وصول طالب متفوق آخر من الايتام الى كلية الهندسة.

هدفنا ليس العلاج وحسب، و انما نشر الوعي بأهمية العمل الانساني، وأهميته ودوره الحضاري.

وفي ختام اللقاء دعا الدكتور حسنين المؤسسات الدينية والخيرية والثقافية لتقديم المزيد من التعاون والدعم لمبادرات من هذا القبيل، وأن يكون هذا الحوار وسيلة لايصال هذه الرسالة.

شكرناه على إتاحته الفرصة لهذا اللقاء، والشكر موصول له على جهوده الجبارة ومساعيه الحميدة، وأخلاقه العالية، هو وأفراد أسرته الحاضرة في هذا اللقاء الصحفي.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا