حوار

مجلة الهدى تحاور الحقوقي محمد الموسوي حول التعديلات على قانون العنف الأسري

نقف الى جانب حقوق المرأة ونطالب بقانون يُنصف الجميع

انشغلت الاوساط الاعلامية والاجتماعية بأصداء التعديلات المقترحة من رئيس الجمهورية برهم صالح على قانون العنف الأسري في العراق المنصوص عليه عام 1969، كونه شمل فقرات مثيرة للجدل ومفاجئة للجميع، وقد تزامنت هذ الاثارة مع أيام عاشوراء، حيث تستعد مجلة الهدى دائماً لتغطية هذه المناسبة العظيمة بمختلف فنون الكتابة الصحفية من خبر، ومقالة، وتحقيق، وحوار، ولكن؛ لأهمية الموضوع، وأبعادها الاجتماعية والدينية، ارتأت مجلة الهدى نشر هذا الحوار مع الحقوقي السيد محمد الموسوي – طالب دكتوراه في القانون الخاص) حول هذه القضية فكان الحوار التالي:

س 1: بداية؛ لو تضعون القارئ في صورة المواد المتضمنة لقانون العنف الأسري المعدّل، والذي أثار قلق الاوساط الاجتماعية والدينية.

ج1: قبل الإجابة على السؤال، أتقدم بالشكر الجزيل الى مجلة الهدى، هذه المجلة الرائدة التي حملت – وما زالت – تحمل على عاتقها مسؤولية نشر الفكر الاسلامي، والثقافة الصحيحة، وتقديم رؤية سليمة للمجتمع في زمن وصلت فيه الحرب الأيديولوجية، الى أعلى مستوياتها؛ فالشكر موصول لها، وللكادر العامل فيها على إتاحة هذه الفرصة لبيان ما يتعلق بمشروع قانون الحماية من العنف الأسري.

الملاحظ على مشروع التعديل الجديد انه لم يضع معيارا محدداً للعنف الأسري، بل جعله فضفاضاً يمكن عدّ أي شيء في دائرة العنف الأسري بما في ذلك الامور المتعلق بالتربية والتأديب والتعليم

أما فيما يتعلق بالإجابة على السؤال، لابد ان أمهد بأن هنالك نسختين من مشروع قانون الحماية من العنف الأسري، نسخة أعدها وأرسلها مكتب السيد رئيس الجمهورية عام 2019 وهي مطابقة لقانون العنف الاسري في اقليم كردستان، وبالامكان الاطلاع على نصّ مشروع هذا القانون وبنوده، من خلال موقع مكتب رئيس الجمهورية، أما النسخة الأخرى فقد قدمته وزارة العمل والشؤون الاجتماعية والتي وافقت الدائرة القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء على ادراجه ضمن جدول أعمال مجلس الوزراء في 11/7/2020، وقد ارسال الى البرلمان -على ما يبدو- ويتضمن هذا المشروع عشرة فصول تبدأ بفصل التعاريف وتنتهي بفصل العقوبات، وهي كما يلي:

الفصل الأول: التعاريف والأهداف

الفصل الثاني: التأسيس

الفصل الثالث: دور الإيواء

الفصل الرابع: تحريك الدعوى الجزائية عن جرائم العنف الاسري

الفصل الخامس: تدابير الحماية

الفصل السادس: إجراء فرض أمر الحماية

الفصل السابع: الإيواء الطارئ

الفصل الثامن: تسوية الخلافات

الفصل التاسع: صندوق دعم ضحايا العنف الأسري

الفصل العاشر: العقوبات

وكل فصل يحتوي على مجموعة من المواد والفقرات القانونية التي تنظم ذلك الفصل ليكون مجموعة المواد فيه 21 مادة قانونية لها تفرعات وتشعبات.

هذه هي أبرز الملامح العامة لمشروع قانون الحماية من العنف الأسري.

س2: أنتم كرجل قانون كيف تقيّم التعديل الجديد؟ و أين تجد فيها الايجابيات التي يدّعيها المدافعون عنه؟ وأين هي الثغرات؟

ج2: لا شك إن أيّ قانون يهدف الى غاية معينة، وقد تبنّى هذا القانون حسب ما يذكره؛ حماية الأسرة والمجتمع من العنف الأسري، وهو بذاته أمر مطلوب وقد أكدت عليه تعاليم الاسلام، كما جسدته سيرة النبي المصطفى، والأئمة من بعده، صلوات الله عليهم، في العديد من الأحاديث والروايات المؤكدة على ضرورة حسن المعاشرة، وطيب التعامل مع المرأة، والفتاة الصغيرة، كونها “ريحانة” كما وصفها أمير المؤمنين، عليه السلام، أي زهرة، ولكن؛ هل يا ترى يحقق هذا القانون الهدف المرجو منه؟! وهذا ما تشك فيه الاوساط الاجتماعية والدينية، بل حتى العديد من القانونيين بعد عرض مسودة القانون عليهم لوجود ثغرات ومطبات خطيرة من الممكن ان تؤدي الى عكس من يهدف القانون إليه، فبدلاً من يكون لحماية الأسرة، قد يكون السبب في ضياعها وتفككها.

وبشكل عام يورد على هذا القانون اشكالات رئيسية هي التي دفعت الى رفضه وعدم قبوله كما أسلفتم في سؤالكم وهذه الاشكالات ترتبط بتعريفات هذا مشروع القانون للعنف الأسري والأسرة في الفصل الاول، وفيما يتعلق بإنشاء دور الايواء في الفصل الثالث، وتحريك الدعاوى المدرجة ضمن

 الفصل الرابع.

 أما تعريف العنف الاسري: فهنالك تعريفين، التعريف الاول هو ما عرفته فقرة أولا من المادة الأولى من مشروع الحماية من العنف الأسري التي أعدت وزارة العمل وهو المقترح الرسمي حاليا اذ قالت بالنص: أولا/ جريمة العنف الأسري: “كل جريمة من الجرائم الواقعة على الأشخاص، اذا ارتكبها أحد أفراد الأسرة تجاه الآخر ويكون الإكراه على التسول في حكم هذه الجريمة” فلم تأتي بجديد وإنما أرست الجرائم المقرة بقانون العقوبات، إلا ان الدائرة القانونية في مجلس الوزراء لها رأي آخر، وهي تقترح تبني التعريف الوارد في النسخة المرسلة من قبل مكتب رئيس الجمهورية والتي تنص على: أولاً- العنف الاسري: “كل فعل أو امتناع عن فعل أو التهديد بأي منهما، يرتكب داخل الاسرة، يترتب عليه ضرر مادي أو معنوي” والملاحظ على هذا النص انه لم يضع معياراً محدداً للعنف الأسري بل جعله فضفاضا يمكن عدّ أي شيء في دائرة العنف الأسري بما في ذلك الامور المتعلق بالتربية والتأديب والتعليم، كما انه جعل كل أنواع العنف بمستوى واحد، اي النظرة بعصبية  والضرب البسيط جعله كالضرب حد الادماء والحرق.

ناهيك عن عدم تفريقه بين عنف ـ ان صح التعبير- مبرر بسيط للتربية والتأديب، والذي يعد حق الابناء على آبائهم، فكما جاء في وصية النبي صلى الله عليه وآله، للإمام علي عليه السلام: “يا علي، حق الولد على والده ان يحسن اسمه وأدبه”، وللتوضيح وإن كانت هذه الأمور بعيدة كل البعد عن مجتمعنا الذي تربى على القيم والمبادئ الاسلامية ومدرسة أهل البيت، ولكن هذا لا يعني عدم وجود نماذج تشذ عن هذا النهج، فمثلا لو ان فتاة او شاب أرادا إقامة علاقة غير شروعية، او القيام بعمل لا ينسجم مع القيم الأخلاقية فبموجب هذا القانون ليس من حق الاب او الام ان تحاسبه، بل ليس من حقك ان تظهر غضبك، فقد يؤدي الى انزعاجه وبالتالي يعد من الضرر المعنوي؛ لا اقول القانون أراد ذلك، ولكن هذا التعريف يؤدي الى ذلك.

وأما التعريف الثاني في ذات المادة والمتعلق بتعريف الأسرة فالملاحظ ان المشروع قد وسع من دائرة الأسرة مما يفرض المزيد من القيود على التصرفات داخل الاسرة، مما يخرجها من أسرة تحكمها علاقة المودة الى علاقة تحكمها القيود القانونية، وقد يكون المشرع محقا في توسيع دائرة الأسرة نظرا للسكن المشترك نتيجة أزمة السكن الموجودة، فالحكومة بدل ان تحل أزمة السكن اخذت الطريق الأسهل بتقبل الواقع المرير وتوسيع هذه الدائرة.

انشاء دور الايواء في الفصل الثالث: ينصّ القانون أن “على وزارة العمل والشؤون الاجتماعية فتح مراكز آمنة لضحايا العنف الأسري في بغداد والمحافظات كافة، لحمايتهم وإعادة تأهيلهم، مع مراعاة الاحتياجات الخاصة لذوي الإعاقة، ويحق للمنظمات غير الحكومية المتخصصة فتح وإدارة المراكز الآمنة بموافقة وزارة العمل والشؤون الإجتماعية ووزارة الداخلية”. فمثل هذا النص لا ينسجم مع قيم ومبادئ الشعب العراقي والغيور، فلنا ان نتساءل:

1ـ هل ان القائمين على هذه الدور سيكونون أئمن على الزوجة من الزوج او البنت من الأب او الاخت من الأخ؟

2ـ هل يمكن ان نتخيل ان شخص أقامت زوجته او ابنته فترة من الزمن في دار الايواء، فهل سيستقبلها بالورد بعد عودتها، أم انه سيؤدي الى انقطاع هذه العلاقة كلية، هذا في أحسن الاحوال؟

3ـ ألا تساعد هذه الدور المراهقين والمراهقات على الهروب من المسؤوليات التعليمية والتربوية والأخلاقية باللجوء الى مكان من دون قيد وشرط مع إقامة مجانية ومأكل ومصروف يومي كما منصوص عليه في القانون؟

ناهيك عن المخاوف من السماح لمنظمات المجتمع المدني لانشاء مثل هكذا دور بإجازة من وزارة العمل.

أما النص الثالث من النصوص الذي سببت الاعتراض والمخاوف هو المواد المدرجة تحت الفصل الرابع بعنوان تحريك الدعوى الجزائية عن جرائم العنف الأسري من المادة 8 بفقراتها الخمس الى المادة 10، وهي لعله أهم نقطة تثير القلق والمخاوف اضافة لما تقدم، ألا وهي نقل حق التداعي بين أفراد الأسرة من حق خاص يمكن المتضرر من تقدم شكوى او رفع دعوى، الى حق عام يمكن اي شخص من قيام بهذا الدور، بل قد يوجب على بعض الأشخاص الإبلاغ عن الحالات التي يشك في انها من العنف الأسري فيقوم المدعي العام بتحريك الدعوى من خلال مخبر سري او الطبيب او الجار او شخص آخر، ولا يخفى ما لهذه القضية من خطورة اذ قد يسعى الى استغلال هذا المجال من به مرض، وهذا بخلاف نص المادة 3 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي راعت الحرمة والخصوصية بين أفراد الأسرة ومنعت الأغيار من التدخل في الشؤون الخاصة بالأسرة، إلا اذا كانت حالات جنائية خطرة فالامور ستكون مختلفة في تلك الصورة.

س3: كيف يعالج القانون العراقي الحالي قضية العنف الأسري؟

ج3: عالجت القوانين العراقية المختلفة العلاقات بين أفراد المجتمع بما فيهم الزوجين او باقي أفراد الأسرة على عدة مستويات، فالمرجع في الحقوق المالية والتجارة والمكسب والخسارة للقوانين المدنية، أما بالنسبة للأمور المتعلق بقضايا العلاقة الزوجية من الخطوبة الى النفقات ووصاية الأبناء نظمت في قانون الاحوال الشخصية، وأما فيما يتعلق بالتعديات التي قد تقع على الأشخاص فنجدها منظمت في قانون العقوبات العراقي من المادة (405 الى 438) او تلك المنصوص عليها في المواد (376 الى 386)، اذ ان المشرع لم يميز في مثل هذه الاعتداءات إن وقعت على فرد من أفراد الأسرة او على الغير وتشمل القتل العمد والخطأ والضرب المفضي الى الموت والجرائم الماسة بسلامة الجسم وتشمل جرائم الايذاء العمد والايذاء الخطأ والجرائم الماسة بحياة الانسان وغيره من النصوص التي عالجت اي تعرض من الممكن ان يقع من الجاني على الأشخاص بما فيهم أفراد أسرته.

 والدليل على ان هذه المواد تحمي أفراد الأسرة حاليا، ان مشروع قانون الحماية من العنف الأسري قد جاء خالياً من العقوبات، وإنما الإحالة تتم على هذه المواد وبتعريف جريمة العنف بالجرائم يعني الجرائم المنصوص عليها في المواد سالفة الذكر، وان كان ولابد من تمييز لأفراد الأسرة، فإن التمييز سيكون بالتخفيف في العلاقات الأسرية بحكمة الرابطة والعلاقة من باب أولى لا العكس، اللهم إلا ان هنالك نص في قانون العقوبات الوارد في المادة 41: ” لا جريمة اذا وقع الفعل استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون، ويعد استعمالاً للحق: تأديب الزوج لزوجته، وتأديب الآباء والمعلمين، ومن في حكمهم الاولاد القُصّر في حدود ما هو مقرر شرعاً او قانوناً او عرفاً” والتي قد يُفهم للوهلة الأولى على أنها تسمح باستخدام العنف ضد الزوجة والأبناء وهو ما دفع أنصار اقرار قانون الحماية من العنف الاسري للمطالبة بإقراره إلا ان في الحقيقة هذه المادة لا تعطي حقاً للرجل في ضرب زوجته اذ قد فسرتها المحكمة الاتحادية العليا في جلستها في تاريخ 8/4/ 2019 برئاسة القاضي مدحت المحمود وحضور القضاة الاعضاء كافة، مؤكدة أنَّ التأديب لا يعني بأي شكل من الإشكال العنف الأسري المقصود.

 و ان كان ولابد فبالإمكان تعديل هذا النص ليكون أكثر وضوحا بعدم جواز تعدي وضرب أفراد الأسر بعضهم الى البعض الآخر، كما انه لا يخفى ان هذا القانون يتعارض مع الدستور العراقي بدلالة المادة ٢ منه والتي نصت على ان دين الدولة هو الاسلام ولايجوز سن اي قانون يتعارض مع ثوابت الاسلام، ولعل الجميع يعلم ان حق التأديب للطفل وللولد ذكر كان ام انثى هو حق شرعي وهو من الثوابت الاسلامية المعروفة، ومثله حق تأديب الصانع الذي يعمل تحت يد رب العمل وحق تأديب المعلم للتلميذ وغيرها، ولا يعني وجود حالات شاذة هنا وهناك ان تؤدي الى سلب مثل هذا الحق وجعل الوضع الاجتماعي للعائلة العراقية مشابها للوضع الاجتماعي للعوائل الاجنبية في الدول الانكلوسكسونية والاسكندنافية وغيرها.

كان الأجدر ان ينصّ القانون على ضرورة تشريع قوانين تتلائم مع الشريعة الاسلامية، وذلك يتطلب تكوين لجنتين: دينية، تتشكل من رجال الدين، ولجنة قانونية تتشكل من رجال القانون الأكاديمين داخل قبة البرلمان لمراقبة ومناقشة مشاريع القوانين

س4: هل يمكن لهذه التعديلات – برأيكم – حل مشكلة تربوية وثقافية في المجتمع؟

ج4: سؤال في غاية الدقة فخلفية ما نراه اليوم من صور تتناقل امرأة تحرق نفسها وأخرى تلقي بطفليها في خزان الماء، او رجل يقتل زوجته او اخ يغسل عاره بقتل اخته، خلفية هذا يعود الى مشكلة تربوية وثقافية، لا لخلل في نصوص قانونية، لا أقول بأن القوانين العراقية قوانين مثالية ولكن ما أقوله ان ما سيق بأن التعديلات الواردة في هذا القانون هي الحل غير دقيقة، بل قد تكون هي المشكلة بذاتها لعدم انسجامها مع واقع الشعب العراقي ونظامه الاجتماعي الذي له جذور متنوعة ومختلفة، وكمثال فإن مثل هذا القانون سن منذ سنوات اي في عام 2011 على ما أذكر في اقليم كردستان وحسب رأي متخصصين في القانون في الاقليم انه فشل فشلا ذريعا في حماية الأسرة، وادى الى زيادة حالات الطلاق فيه، والاقليم قد يكون انموذج مصغر للعراق وللعوائل المتوسطة من حيث تقبل هذا القانون اجتماعيا، هذا عدا عن بلاد المنشأ لهذا القانون والتي طبق فيها منذ زمن بعيد وجاءت بعض الأرقام مخيفة ومرعبة من قضايا العنف الأسري في تلك البلدان بعد تطبيق هذا القانون، وقرأت على موقعكم مقال للدكتور مجتبى التميمي بهذا الخصوص يمكن الرجوع إليه للإطلاع على تفاصيل الأرقام.

س:5 ما هي السبل التي ترونها كفيلة بالوقوف امام ظواهر اجتماعية سلبية تكون طريقها الى المحاكم؟

ج5: لابد من الاشارة الى ان ما نراه عبر شاشات التلفاز او وسائل التواصل الاجتماعي من نماذج العنف الأسري، وإن كانت في تزايد وهذا أمر مخيف ومقلق ولكن تبقى كمعدلات مقبولة بالنسبة للبلدان الأخرى، وفي رأيي ان سبب انتشار هذه المقاطع والمظاهر هو لندرتها وتعجب المجتمع من هكذا أشخاص ومن هكذا تصرفات، وهذا هو دور الاعلام يصور ما يشاء كيف يشاء، ففي سنة يصور العراقي بأنه صاحب النخوة الشجاع حتى وصل الامر بأن ترفع هشتاغات، في دول عربية، كهذه العبارة باللهجة الكويتية (أبي أتزوج عراقي)، واذا بنفس هذه الوسائل تصوره بذلك الوحش الكاسر المخيف الذي لا يرحم أسرته بينما العراقي هو ذاته.

في الحقيقة ان الفوارق في الشخصية قد تلعب دورا مهما في تقبل الظروف المختلفة، مثلا هنالك إمرأة تتقبل من زوجها الضرب حتى بالعصا والطابوق وهي طبيبة وحاصلة على بورد نسائية وتسكن في بغداد، وتعتبر ذلك تضحية منها لأجل اطفالها واستمرار كيان الأسرة فيما قد لا تتقبل ربة بيت تعيش في منطقة ريفية في ضواحي احدى محافظات الوسط مجرد قيام زوجها شتمها او شتم والديها، وطبعا ما ارويه كلها وقائع حقيقية وفيها قرارات قضائية من محاكم عراقية.

قد تساهم القوانين ووضع المزيد من القيود في التقليص من مظاهر العنف، إلا انها ستحوّل العائلة من مكان آمن مبني على المحبة والمودة، كما يقول الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، الى مكان قائم على أساس الخصومة والتداعي، كما أن تأثيرها ضئيل جدا أمام التأثير الذي تتركه التربية والتعليم والثقافة الأسرية، على أساس الوعي وقيم ومبادئ الشريعة السمحاء على أساس تعاليم أهل البيت عليهم السلام، في التعامل الأسرة، فإن أحاديث كقول النبي، صلى الله عليه وآله: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”، وقول الإمام علي عليه السلام “المرأة ريحانة وليست قهرمانة”، وأحاديث أخرى وقد ورد في الحديث الشريف: “من مدّ يده على زوجته ليلطمها إنما مد يداً في النار” فإن مثل هذه الأحاديث وغيرها الكثير -لا يسع المقام لذكرها- ترسم لنا نهج الحياة الأسرية السليمة المبنية على الاحترام والتعاون والتكامل؛ وعليه فإنَّ حماية الأسرة تحتاج العودة الى ديننا الحنيف ونشر الثقافة الصحيحة، وإن كان ولابد من صياغة قانون فإنه ينبغي ان يُبنى على أساس هذه التعاليم وهذه الثقافة، لا ان نستنسخ من قوانين غريبة وبعيد عن ثقافة مجتمعنا، قوانين فشلت من جلب الطمئنينة في بلد المنشأ.

يتطلب إنشاء مراكز استشارية تلزم كلا الزوجين قبل الدخول في العلاقة الزوجية، الاتفاق على النقاط المهمة لاستمرار الحياة الزوجية، كالاتفاق على منهج مشترك يتبع في المعيشة، و يحدد أدوار الاسرة كما فعل الإمام علي، عليه السلام، مع فاطمة الزهراء،  حيث قسم الادوار في بداية الزواج

ومن أجل الوصول الى علاقة أسرية قائمة على اساس المنهج التربوي السليم، يكون لها دور كبير في توثيق بناء الأسرة، وتقوية التماسك بين أعضائها، ولها تأثيراتها على نمو الأطفال وتربيتهم، وإيصالهم إلى مرحلة التكامل والاستقلال؛ لابد من ارساء هذه الاجوء في المنزل المحبة والوئام في اجواء الأسرة، وذلك يتطلب اضافة الى ما تقدم من ضرورة التربية والتنشئة على هذه الأخلاق يتطلب انشاء مراكز استشارية، تلزم كلا الزوجين قبل الدخول في العلاقة الزوجية الاتفاق على النقاط المهمة لاستمرار الحياة الزوجية كالإتفاق على منهج مشترك يتبع في المعيشة ويحدد أدوار الاسرة، كما فعل الإمام علي عليه السلام، مع فاطمة الزهراء،  حيث قسم الادوار في بداية الزواج.

 وكذلك من الامور المهمة ان تقدم في هذه المراكز تعريف الزوجين بالحقوق والواجبات، بناء على المنهج الإسلامي فمراعاة هذه الحقوق والواجبات كفيل بإشاعة الاستقرار والطمأنينة في أجواء الأسرة، وهي كثيرة جدا تبدأ من حق القيمومة وتنتهي بتوفير المستلزمة وكيفية الاستقبال والمعاشرة؛ ومن أهم القضايا التي ينبغي ان يتوجه إليها الزوجين قبل الدخول في هذه العلاقة، لابد ان تكون هذه الرابطة مستقرة ولا يعلّقوا على حبل اسمه الطلاق، فالإسلام حذّر من الطلاق وإنهاء العلاقة الزوجية للآثار السلبية، التي يتركها على الزوجين وعلى الأطفال وعلى المجتمع، فالطلاق مصدر للقلق عند الأطفال، ومصدر للاضطراب النفسي والعاطفي والسلوكي.

س:6  كونكم رجل قانون وعلى صلة بالواقع الاجتماعي، أي جهة أو طرف ترونه الأصلح –برأيكم- لمهمة تقويم السلوك في المجتمع؟

ج6: موضوع السلوك وتقويمه يرتبط الأفراد كما تقدم وقلنا، فالسلوك يتشكل من خلال العادات التي يمارسها الفرد في حياتهم اليومية، عن وعيٍ وإلتفات وقصد، أو من دون ذلك، إلا أنهم اعتادوا على ذلك الفعل أو العمل أو السلوك في حياتهم، فالسلوكية هو عمل كرّره ذلك الشخص واعتاد القيام به، حتى أصبح يأتيه ويمارسه كلّما واجه مؤثّراً خاصاً بهذا السلوك، فسلوك الأفراد بما يمتلكون من ثقافة، وجذر الثقافة المنظومة الأخلاقية التي يتبناها المجتمع، أما مصدر هذه القيم الأخلاقية فإنها العقيدة، فسلوك المجتمع هو عبارة عن سلسلة متصلة يتداخل فيه الكثير من العناصر المتنوعة والمختلفة لذا فإنه لابد ان تتظافر الجهود كافة في تقويم سلوك المجتمع ابتداء من من الفرد ذاته بتغيير عاداته وسلوكياته الى سلوكيات حميدة وإيجابية.

فعن الامام علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: “ذلّلوا أنفسكم بترك العادات، وقُوُدوها إلى فعل الطاعات”، وعنه: “غيّروا العادات تسهل عليكم الطاعات”، وكذلك دور الأسرة مهم جدا وفعال من خلال التربية على اساس الثقافة السليمة واحترام الآخرين وحقوقهم، ثم يأتي دور المدارس ومناهج التربية والتعليم ويضاف إلى ذلك البرامج التلفزيونية، ووسائل الاعلام الأخرى، اذ ينبغي ان تأخذ على عاتقها جانبا من هذه المهمة، إلا انه يبقى الدور الأكبر من المهمة على عاتق الحوزات العلمية وعلماء الدين وخطباء المنبر لما لهم من أثر كبير بين الناس لاسيما هذه الأيام ونحن نقترب من شهر محرم الحرام اذ لطالما كان المنبر الحسيني مصدر مهما للتكوين الثقافي لدى الشعب العراقي، فالشعب العراقي يبقى متمسك بجذوره الدينية، وقد قال الإمام الحسين عليه السلام: “إن مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله، الأمناء على حلاله وحرامه”.

س: 7 الحوزة العلمية وعلماء الدين يحذرون من عواقب خطيرة للقانون الجديد، ما هي السبل برأيك للتشاور والتواصل بين علماء الدين وعلماء القانون، ومؤسسات الدولة بشكل عام لصياغة قوانين تضمن حقوق الناس ولا تلحق الضرر بأحد؟

ج7: تنص المادة الثانية من الدستور العراقي على عدم جواز سن قوانين مخالفة للشريعة الاسلامية، رغبة منه على ألا يصدر قانونا لا ينسجم مع متبنيات المجتمع العراقي الفكرية، إلا ان هذا النص لوحده لا يكفي، فكان الأجدر ان ينص القانون على ضرورة تشريع القوانين تتلائم مع الشريعة الاسلامية، وذلك يتطلب تكوين لجنتين لجنة دينية تتشكل من رجال الدين ولجنة قانونية، تتشكل من رجال القانون الأكاديمين داخل قبة البرلمان، لمراقبة ومناقشة مشاريع القوانين التي تقدم الى البرلمان قبل طرحها للتصويت، حيث يكون عمل الاولى الرقابة الشرعية لضمان عدم صياغة قانون يخالف الشريعة، فيما عمل الثانية الرقابة القانونية حتى لا تتشكل قوانين مخالفة للدستور او متناقضة مع قوانين موجود كما هو الحال مع هذا القانون، وذلك لا أظنه بالأمر العسير.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا