حوار

الهدى تحاور الدكتور حيدر الظالمي حول المحكمة الاتحادية و دورها وتحدياتها

  • أجرى الحوار: محمد علي جواد

شهد الرأي العام العراقي مؤخراً جدلاً واسعاً بين المحكمة الاتحادية وبين الحكومة والبرلمان معاً حول شرعية التصويت على قانون الأمن الغذائي الذي اقترحته حكومة مصطفى الكاظمي على مجلس النواب العراقي، وقد تناولت القضية؛ وسائل الاعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، وخاض فيه المحللون والخبراء والمتابعون، ومن أجل الوقوف على الرأي القانوني الفاصل، والبعيد عن التجاذبات السياسية، التقينا الدكتور حيدر الظالمي، مدير مركز وطن الفراتين للدراسات الاستراتيجية، وهو دكتوراه في القانون الدستوري، وكان لنا معه هذا اللقاء:

س: متى تشكلت المحكمة الاتحادية؟ وما هي وظيفتها؟

ج: المحكمة الاتحادية العليا تشكلت بموجب قانون رقم ٣٠ لسنة ٢٠٠٥، الذي استند على قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية المُلغى، الذي أوجب وجود محكمة اتحادية في العراق لكي تمارس مجموعة من الاختصاصات من بينها؛ تفسير الدستور، والفصل بالمنازعات بين الحكومة الاتحادية والاقاليم والمحافظات، والرقابة على دستورية القوانين، و تتشكل المحكمة من مجموعة من القضاة، وبعد صدور دستور جمهورية العراق لسنة ٢٠٠٥، أكد على وجود هذه المحكمة وعدل من اختصاصاتها، و أوجب صدور قانون لينظم تشكيلها، وما يتعلق بها، ولكن لم يصدر هذا القانون، وبقت المحكمة تمارس عملها وفقا لقانونها السابق، وتشكيلها السابق بسبب عدم وجود توافق على تشريعه، ومن أهم الخلافات؛ تشكيلة المحكمة التي جاء بها الدستور وبالتحديد المادة ٩٢ التي أوجبت ان تشكل، ليس من القضاة وحسب، بل لابد من إشراك فقهاء القانون وفقهاء الشريعة .

📌 قرارات المحكمة الاتحادية ملزمة للسلطات كافة، ومن ثمّ لايمكن الطعن بها من أي جهة اخرى، كونها أعلى محكمة في الدولة، وهي تمثل القضاء الدستوري في البلاد، وتحافظ على الحقوق والحريات

وبسبب الوفاة والتقاعد لبعض اعضاء المحكمة، وعدم تعويضهم من قبل مجلس النواب في ظل الاحتجاجات التي حدثت، مما سبب ايقاف عملها لان قانون المحكمة أوجب حضور جميع اعضائها لكي تنعقد، وبسبب الخلافات السياسية وعدم ترشيح مجلس القضاء الاعلى لهم، فأضطر مجلس النواب بسبب ضيق الوقت لاجراء الانتخابات المبكرة وعدم حصول توافق على تشريع قانون جديد لها حسب نص المادة ٩٢ سالفة الذكر، اتجه نحو خيار تعديل قانون رقم ٣٠ لسنة ٢٠٠٥ حتى يتم تعيين اعضاء جدد، واعضاء احتياط وتتم تشكيلة المحكمة وتُعطى الصلاحية مرة اخرى للعمل لكي تصادق على نتائج الانتخابات المبكرة قبل حلّ مجلس النواب، وبالفعل تم ذلك، وتم تمرير التعديل وباشرت المحكمة عملها لكي تستعد للأنتخابات المبكرة .

س: من هي الجهة التي تحدد نزاهة القضاء؟ وكيف يتم اختيار القضاة؟

ج: القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون، وهذا ما نصّ عليه دستور جمهورية العراق لسنة 2005، ومن ثمّ هو يخضع لرقابة القانون فقط، نعم؛ هنالك جهاز رقابي يتابع عمل القضاة، وضمان عدم حيادهم عن العدالة، وهو جهاز الاشراف القضائي التابع لمجلس القضاء الاعلى، ولكن؛ يبقى القضاء محكوم بالقانون، وعليه ان يسبب قراراته بموجب النصوص القانونية، وعليه، فان قرارات المحكمة الاتحادية ملزمة للسلطات كافة، ومن ثمّ لايمكن الطعن بها من أي جهة اخرى، كونها أعلى محكمة في الدولة، وهي تمثل القضاء الدستوري في البلاد، وتحافظ على الحقوق والحريات، وهي محكومة بالدستور والتشريعات وتسبب قراراتها وفقا لذلك .

أما القضاة اذا تم الطعن بنزاهتهم، فيتم الشكوى ضدهم الى جهاز الاشراف القضائي لينظر في أمر الشكوى التي يستقبلها من أي شخص ذو مصلحة .

س: ما هي الخطوات اللازمة، باعتقادكم لقضاء اتحادي رصين يخدم الحق والحقيقة؟

ج: الخطوات اللازمة لقضاء اتحادي دستوري هو تشريع قانون جديد للمحكمة الاتحادية العليا حسب ما نصّ عليه دستور ٢٠٠٥، و ان يكون تعيينهم مدى الحياة، ولا يمكن عزلهم إلا بثبوت جريمة بحقهم فقط وحسب أدلة مثبتة لذلك .

📌 لا أحد ينكر وجود الضغوط السياسية، ولكن اذا كان القرار مُحبك من الناحية القانونية، وله سند دستوري وقانوني، فكل التُهم تسقط عنه

وبالامكان تعيين قضاة احتياط لهم في حال موت القضاة الاصليين، او مرض يمنعه من ممارسة عمله، وهذا ما معمول به في الولايات المتحدة الامريكية .

س: كيف تكون أحكام المحكمة الاتحادية ملزمة؟

ج:أحكام المحكمة الاتحادية ملزمة للسلطات كافة، وهذا نصّ دستوري ولا يمكن لأحد ان يمتنع عن تطبيق قرارات المحكمة، او مخالفتها، ولا تُعرّض للمسائلة الجزائية حسب قانون العقوبات العراقي، وكذلك سيتعرض عمله للنقض بسبب عدم دستورية وقانونية تصرفه، و يُعد مرتكباً جريمة عدم تنفيذ قرارات القضاء، وسيحاكم من قبل القضاء على هذه التهمة.

س: فيما يتعلق بالجدل الدائر حول قانون الأمن الغذائي الذي نفت المحكمة الاتحادية صلاحية الحكومة تقديمه، هل تعتقدون أننا نشهد تغوّل قوة السياسة على قوة القانون؟

ج: لا اعتقد ذلك، لان تفسير المحكمة جاء قانونياً و وافياً جدا، وهو افضل قرارت المحكمة من الناحية الدستورية والتفسيرية، أما عن انزعاج بعض الجهات السياسية على قرار المحكمة، فمن الطبيعي أن يكون هذا عندما تشعر كل جهة سياسية أنها تتضرر من قرارات المحكمة الاتحادية العليا، فتتهم القضاء بالتسيس والضغوط.

علماً؛ لا أحد ينكر وجود الضغوط السياسية، ولكن اذا كان القرار مُحبك من الناحية القانونية، وله سند دستوري وقانوني، فكل التُهم تسقط عنه.

س: لماذا رفضت المحكمة الإتحادية قانون الأمن الغذائي؟

ج: بعد أن رفع مجموعة من نواب البرلمان ومنهم؛ باسم خشان ومحمد شياع السوداني، باستفسار حول معنى “حكومة تصريف أعمال” الى رئاسة الجمهورية بتاريخ 15نيسان الماضي، قام رئيس الجمهورية برهم صالح برفع طلب الاستفسار الى المحكمة الاتحادية التي أصدرت قرارها في الخامس عشر من شهر آيار الجاري بعدم أحقية الحكومة الحالية باقتراح مشروع اقتصادي كبيرة تحت عنوان: “قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية”، الامر الذي اغلق الباب بشكل كامل على حكومة تصريف الاعمال، واصبح مشروع القانون في حالة موت سريري قبل ان يصل البرلمان.

ومع اعتقادنا بأهمية مشروع قانون الموازنة العامة، واهمية هذا القاون لمعالجة الاوضاع الاقتصادية الصعبة للمواطنين، فان الحال ربما يكون اكثر تعقيداً في ظل الحكومة الحالية، لانها حكومة تصريف أعمال، وليس بوسعها تقديم مشروعات القوانين، ومن ثمّ هي حكومة تمشية أمور يومية، ولا تستطيع فرض التزامات مالية على الحكومة القادمة، كما أن مبالغ الصرف تتجاوز صلاحياتها الدستورية والقانونية، لان الغاية من بقائها هي غاية مؤقتة تنتهي بتشكيل حكومة جديدة.

📌 المحكمة الاتحادية عملت في قرارها أعلاه على تفسير نصوص الدستور، و استندت في ذلك الى النظام الداخلي لمجلس الوزراء الذي بين صلاحيات حكومة تصريف الاعمال، وعدم صلاحيتها لتقديم مشاريع القوانين

وعليه؛ فان المحكمة الاتحادية عملت في قرارها أعلاه على تفسير نصوص الدستور، و استند في ذلك الى النظام الداخلي لمجلس الوزراء الذي بين صلاحيات حكومة تصريف الاعمال، وعدم صلاحيتها لتقديم مشاريع القوانين بالرغم من اهمية مشروع قانون الموازنة العامة للبلاد، او تقديم بديل عنها وهو مشروع قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية، ومن ثمّ فان المشروعين اصبح تقديمهما ممنوعاً على حكومة تصريف الاعمال، مما يستدعي البحث عن بدائل قانونية لذلك.

س: كيف تنظر الى مسألة التوقيت في اتخاذ بعض الاحكام القانونية، و في وقت معين دون غيره على شخص أو مشروع ، كما حصل مع قضية سحب مشروعية مشعان الجبوري كنائب في البرلمان –مثلاً-؟

ج: التوقيت مسألة مهمة للقضاء؛ فهنالك العديد من الطعون والدعاوى سبق و أن أقيمت امام المحكمة وتأخر الحسم فيها لاسباب عديدة، وهذا متعارف عليه في القضاء العادي، وخاصة القضاء الجنائي، عادة ما ينتظر القاضي حسم بعض الامور المحيطة بالدعوى لكي يصدر قراره.

والوضع السياسي أحد أهم اسباب تأخير وسرعة حسم القضايا امام المحكمة الاتحادية التي تصدر قرارها في الوقت المناسب.

وقد تطرقت الى هذا الموضوع في اطروحتي للدكتوراه بان أحد المثالب على المحكمة الاتحادية العليا هو سرعة حسم بعض القضايا وتأخير حسم اخرى، كما حصل مع قانون النفط والغاز الذي قُدم الطعن به سنة ٢٠١٨ ولم يحسم إلا في سنة ٢٠٢٢!

ولكن يبقى هو عرفاً قضائياً بسبب احتمال وجود اسباب قد تؤثر على الحكم، او احتمال خلق مشاكل امنية او غيرها مما يستدعي المحكمة ان تؤخر البتّ في قرارها.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا