حدیث الناس

العواصف الترابية والنعمة الإلهية

لا أبرح عن إسداء الشكر لله –تعالى- لحظة هبوب الرياح المحملة بالغبار والتراب على مدننا وبيوتنا، ليس فقط على هذه الحركة الطبيعية، وإنما لما أجده يسيل على يدي من الماء الزلال دون انقطاع رغم الحديث المتواتر عن الجفاف وقلة الامطار وانخفاض منسوب مياه نهري دجلة والفرات، مع علمي بأن مناطق عديدة في العراق تعاني بالاساس من شحة المياه صيفاً وشتاءً، إنما الحق يُقال؛ أن في مدينتي؛ كربلاء المقدسة يوجد الماء بشكل لا بأس به دون وجود شكاوى بالانقطاع إلا ما حصل في العاصفة الترابية الشهر الماضي، وفي بعض المناطق.

لنتصور انقطاع الماء في انابيب الاسالة، ماذا سيحصل للبيوت المملوءة بالغبار؟ وكيف يكون حال العائدين الى بيوتهم بعد ممارسة أعمالهم اليومية وسط الغبار الذي يغطيهم من أعلى رؤوسهم الى أخمص قدمهم، ثم يأتيهم الخبر الصاعق بعدم وجود ماء للاستحمام؟!

ما يدعونا للشكر حقاً؛ ليس الماء فقط، وإنما ما اشاهده من مناظر البعض ممن يمسك بخراطيم المياه ويغسل بها سيارته وأشجار بيته وحتى الجدران والابواب وكل مكان للتخلص من منظر الغبار المزعج، وقد شغل آلة المضخة الكهربائية لتضخ كميات هائلة من المياه لهذا الغرض ليقفز السؤال الكبير عن وجود علاقة بين الشكر وبين هذه التصرفات غير المعقولة في هذه الظروف الحساسة؟

نقرأ عن أمير المؤمنين، عليه السلام: “بالشكر تدوم النعم”، وما أعظم من نعمة الماء في الحياة، ولسنا بحاجة في هذا الحيز المحدود التذكير بما كتب عنه الكثير بكون المياه سبباً في اندلاع العديد من الحروب الطاحنة في العالم، كما هي اليوم سبباً مستمراً لنزاعات سياسية وحدودية بين دول مطلة على مصادر المياه العذبة، كما هو الحال بالنسبة للعراق الذي يتعرض فيه الرافدان العظيمان لانخفاض منسوب المياه فيهما بسبب التلاعب والابتزاز من المنبع خارج الحدود.

وإذن؛ تفرض علينا المسؤولية الاخلاقية والشرعية والقانونية بالحفاظ على ما يرتبط بمصير الملايين من الجيل الحالي، والاجيال القادمة، وعدم التفريط بهذه النعمة، سواءً في طريقة فتح الصنبور واستخدام الماء، او في طريقة التثقيف على الاستخدام الامثل والاكثر توفيراً لهذه المادة الحياتية.

إن منظر تسرّب المياه العذبة في بعض الازقة والمناطق السكنية بسبب كسر في الانبوب، وما يحدثه من فيضان في الزقاق والشارع لساعات وربما لايام، وأمام أنظار المارة يُعد جريمة صامتة –إن جاز لنا التعبير- ذات أبعاد مستقبلية خطيرة للغاية، فحتى وإن قال البعض –مثلاً- لدينا مخزون عظيم من مياه السدود، ولن نشهد أزمة تدفق نهري دجلة الفرات، بل ربما تمتلأ جبال شمال العراق بالثلوج، لتنساب فيما بعد في فصل الصيف الى الأنهر والروافد وتغمر العراق بالمياه، فان كل هذا يتبخر لحظة واحدة أمام ثقافة الاسراف والتبذير في المياه من الطفل الصغير وحتى الرجل الكبير، لان الاسراف من شأنه قتل النعمة مهما كانت عظيمة وكبيرة، وهذا قانون إلهي بينه القرآن الكريم بوضوح: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}، فما ادرانا ما العذاب الذي ينتظرنا في حال الكفر بالنعمة في الحياة الدنيا وفي الآخرة؟!

نحن لا نتحكم بالعواصف الترابية، وسرعتها وكثافة الغبار الذي تحمله، و زمانها ومكانها، ولكن بامكاننا التحكم بنعمة المياه وعدم الاسراع في استنزافه بحجة التخلص من آثار الغبار في بيوتنا وسياراتنا واماكن عملنا، نعم؛ لا بأس بالاستخدام المعقول الذي يحفظ هذه النعمة العظيمة ويديمها على العراق، كما نرجو ان تدوم على المسلمين، وعلى أهل العالم في كل مكان.

والحمد لله رب العالمين

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا