حدیث الناس

ما هو طعم شهر رمضان؟

أول شيء ننتظره في ليالي شهر رمضان المبارك؛ موائد الإفطار والسحور، وما يتفنن به أصحاب المعجنات من أنواع واصناف الحلوى، الى جانبها؛ أنواع العصائر والمرطبات، ومختلف اشكال الأطعمة والأشربة.

الجميع تتحرك لديهم حاسة المذاق بأقصى سرعة في ليالي هذا الشهر الفضيل، دون نهارها طبعاً، ربما هو التعويض عن الحرمان طيلة ساعات النهار، كما يفسرها البعض، ومن ثم جاء دور التلفاز، ومن بعده؛ الوريث الحداثوي؛ الانترنت لتعميق هذه المشاعر نحو الطعام والشراب من خلال مقاطع فيديو تضمن وصفات لإعداد أطباق متنوعة، أو طريقة صنع الحلوى، والعصائر، والمقبلات، ولتكون أهم أعمال شهر رمضان عند الكثير من الناس؛ التعويض عن جوع وعطش النهار بوجبات لذيذة في الإفطار والسحور، ناهيك عن المعروض في الأماكن العامة من الحلوى والمكسرات والمرطبات، ونضيف اليها قبل ان ننساها؛ التدخين والشاي والارجيلة في المقاهي.

🔺 الحثّ على إحياء المجالس والمحافل القرآنية ودروس الأخلاق والتدبّر في القرآن والبحوث الفكرية في ليالي الشهر الفضيل

وحتى لا تضيق النفس من كثرة الإمساك عن الطعام والشراب، وبعد وجبة الإفطار الغنية بالدهون والسكريات والنشويات، يكون الجسم ميّال الى الراحة والاسترخاء، فتكون فرصة القنوات التلفزيونية التي تحرص ان لا تخسر مشاهديها بالتنافس على الجذب الأكثر مهما كانت الوسائل والاثمان، واصبحنا نسمع بـ”دراما رمضان”، ولا نخوض في تفاصيل مضامين المسلسلات والبرامج التلفزيونية، إنما تركيزنا على ما يجب ان يكون، وما يجب أن لا يكون في ليالي الشهر الفضيل.

طبعاً؛ هذه المقدمة الطويلة تقريباً لا تعني التخلّي عن الموائد الرمضانية، ولا المطبخ الرمضاني، ولا تخيّر الأطعمة والأشربة، فكلها مباحة ومن نعم الله – تعالى ــ، بل ولا يعني ايضاً؛ الابتعاد كلية عن مختلف وسائل الاعلام والاتصال، فهذا غير معقول، إنما المعقول والانصاف أن نتعامل مع شهر رمضان، بليله ونهاره كما أراد الله –تعالى- لنا، وهو الذي شرّع لنا صيام الثلاثين يوماً من هذا الشهر دون سائر الشهور، وصدر العنوان المدوي للغاية من فريضة الصيام، في القرآن الكريم: {لَعَلَّكُم تَتَقُون}، وهذه التقوى هو الطعم الذي لا نتحسسه -للأسف- كثيراً في شهر رمضان المبارك، رغم صلته الوثيقة بعلاقاتنا الاجتماعية، بل وكل تفاصيل حياتنا.

إن الذي يتّقي الله في الطعام والشراب وسائر المفطرات، ثم يتقي الله – في الخطوة اللاحقة والمُكمّلة ــ في النظر الى المحرمات، وحفظ اللسان، وصون السمع، وصلة الرحم، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، كل هذا وغيرها كثير؛ هو الذي يخلق طعماً استثنائياً للصائم لا يستشعره في سائر أيام السنة، وإلا فان مختلف اشكال الأطعمة والمشروبات والحلويات متوفرة على مدار السنة، ولا تأتي لنا بجديدٍ في ليالي شهر رمضان، بينما لذة التقوى تكون مميزة وباعث على السرور والارتياح، لاسيما اذا كان النجاح بدرجات عالية حسب مستوى الايمان والرصيد المعرفي بأحكام الدين والآداب والأخلاق، ولعل هذا يفسّر لنا الحديث النبوي: “فرحتان للمؤمن؛ واحدة عند الإفطار، والأخرى عند لقاء ربه”.

هنا يقف السؤال الكبير: كيف نرفع من مستوى ايماننا، ونزيد من رصيدنا المعرفي لنحظى بقدر أكبر من اللذة المعنوية – الى جانب المادية ــ في هذا الشهر الكريم؟

خطوتان يكمل بعضهما الآخر:

🔺 قيمة التقوى التي تهديها لنا أيام شهر رمضان المبارك على طبق من ذهب في فرصة عمرية لا تتكرر إلا مرة واحدة في السنة

الخطوة الأولى: ذاتية من داخل الانسان الذي يريد ان لا يجعل الصيام مجرد الإمساك عن الطعام والشراب، كما يفعل أصحاب “الدايت” ومن يشكون السمنة، عليه تجديد الصداقة مع القرآن الكريم، فهو “ربيع القرآن”، يقول الامام الباقر، عليه السلام.

والخطوة الثانية: خارجية يتحمل مسؤوليتها أطراف عدّة، مثل؛ الحوزات العلمية، وأئمة المساجد والجوامع، والهيئات الحسينية، الى جانب المؤسسات الحكومية المخوّلة بدعم مشاريع ثقافية من هذا النوع، على كل هؤلاء تقع مسؤولية أخلاقية ودينية في نشر الوعي الديني داخل البيوت والغرف، فضلاً عن الحثّ على إحياء المجالس والمحافل القرآنية ودروس الأخلاق والتدبّر في القرآن والبحوث الفكرية في ليالي الشهر الفضيل.  

إننا خلال شهر رمضان المبارك لن نتحسس الفقر في الرصيد المعرفي والديني مطلقاً، لكثرة المشاغل والاهتمامات بالدراسة والعمل، وربما بكيفية تلبية مستلزمات المعيشة مع أزمة الخدمات وفرص العمل وغيرها.

 بيد إن هذا الإحساس يبرز بمرور الزمن عندما نكون بحاجة الى هذا الرصيد خلال علاقاتنا الاجتماعية، ونجد كيف أن الانانية والغرور والكِبر واستباحة أعراض الناس وانتهاك حقوقهم ينهش بكيان المجتمع ويمزق العلاقات الاجتماعية المقدسة، عندها نعرف قيمة التقوى التي تهديها لنا أيام شهر رمضان المبارك على طبق من ذهب في فرصة عمرية لا تتكرر إلا مرة واحدة في السنة، ومن يحظى العيش في هذه الحياة هذه السنة ربما يكون راحلاً الى الحياة الأخرى في السنة القادمة، حينها لا ينفع الندم، والعاقبة للمتقين.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا