ثقافة رسالية

الوعي في اتباع القائد

يُعد الاتباع حالة فطرية عند جميع المخلوقات، وخصوصا الانسان؛ لذا نجد أن الفرد يبحث بفطرته لمن يجب أن يتبعه، ولأهمية قضية الاتباع فإن الدين الإسلامي أولاها الاهتمام البالغ والكبير، لما فيها من تقرير مصير  الإنسان دنيويا وأخرويا؛ فالاتباع الواعي للقيادة الصالحة في الدنيا يُسعد الإنسان، وذلك عبر تبصرته لما يضره وما ينفعه، وكذا اتباع القيادة الصالحة والمؤمنة يضمن للإنسان السعادة الأخروية، والنجاة من النار.

ونحن كمؤمنين ـ شيعة ـ ننفرد بقيادة لا مثيل لها، فهي القيادة التي أمر الله باتباعها، ونصَّ عليها في آيات وروايات كثيرة، وبهذا يلزمنا أن نكون على معرفة تامة بهذه القيادة، لما في ذلك سعادتنا في الدنيا والآخرة، وواجبنا تجاه الائمة عليهم السلام، وبالذات إمام زماننا، عجل الله فرجه ـ لا على سبيل الحصر ـ يتمثل في عدة أمور:

  • الأمر الاول: قضية المعرفة

يقول الإمام الحسين عليه السلام، مخاطبا اصحابه: “ايها الناس ان الله ما خلق العباد إلا ليعرفوه فاذا عرفوه عبدوه واذا عبدوه استغنوا بعبادته بعبادة من سواه”. فقام احدهم وقال: يا ابا عبد الله وما معرفة الله؟

فقال عليه السلام: معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته”.

📌فلسفة استمرار الدعاء للإمام، ليس فقط التواصل مع الإمام، وإنما الاستذكار الدائم، فالإنسان المؤمن حين يتذكر أنه ستأتي دولة لا ظلم فيها، ولا فسوق، فإن ارادته لا تماث امام الفسوق والفجور والطيغان

فمعرفة الله ـ تعالى ـ تكون عبر إمام الزمان، لانه الحجّة بين الله وبين عباده، ولكن لابد من المعرفة الحقيقية، لا السطحية، لان هناك من كانت لديه معرفة العوام، فزلت اقدامهم، فتارة يقولون: الإمام لم يلد، وتارة أخرى: الإمام غير موجود، الى أن وصل بالبعض ان يدعي أنه الإمام!

عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن للقائم غيبة قبل أن يقوم قلت: ولم؟

قال: يخاف وأومأ بيده إلى بطنه.

ثم قال: يا زرارة: وهو المنتظر، وهو الذي يشك الناس في ولادته [منهم من يقول مات أبوه ولم يخلف و] منهم من يقول هو حمل، ومنهم من يقول هو غائب ومنهم من يقول: ما ولد ومنهم من يقول: قد ولد قبل وفاة أبيه بسنتين، وهو المنتظر غير أن الله تبارك وتعالى يجب أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون.

قال زرارة: فقلت: جعلت فداك، فان أدركت ذلك الزمان فأي شئ أعمل؟

قال: يا زرارة إن أدركت ذلك الزمان فألزم هذا الدعاء.

اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني”. (بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٥٢ – الصفحة ١٤٧).

والمعرفة هنا بالمعنى الأعم، أن يعرف الإنسان وأن يعترف، يقول الله ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، يقول سماحة المرجع المدرسي، دام ظله، في تفسيره: “ليعترف بعضكم ببعض”.

ولذا لابد من معرفة الإمام، ومعرفة الحجّة بيننا وبين الإمام حتى نتمسك به، ونأخذ بحجزته، ونمكث في ظله، لا كما يصور البعض للناس ان يتركوا الفقهاء ويذهبوا خلف النورية واشباههم من الفرق المنحرفة.

  • الأمر الثاني: الدعاء للإمام

 لان المؤمن يتحسس ويشعر بأن السعادة كل السعادة حينما يظهر الإمام ويقيم دولته العادلة، نقرأ في دعاء الافتتاح: “اللّهُمَّ إِنّا نَرْغَبُ إِلَيْكَ في دَوْلَة كَريمَة تُعِزُّ بِهَا الإسْلامَ وَأَهْلَهُ، وَتُذِلُّ بِهَا النِّفاقَ وَأَهْلَهُ، وَتَجْعَلُنا فيها مِنَ الدُّعاةِ إِلى طاعَتِكَ، وَالْقادَةِ إِلى سَبيلِكَ، وَتَرْزُقُنا بِها كَرامَةَ الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ”. كرامة الإنسان في هذه الدولة.

كذلك العاهات والأمراض تذهب كما ورد في الرواية، إذا قام الإمام أذهب الله العاهة عن شيعتنا”. ويعلم المؤمن أن عقول الناس تكتمل عندما يظهر الإمام، وتشرق الأرض بنور ربها حينما يخرج الإمام.

لذلك فالمؤمن يدعو للإمام؛ من دعاء العهد في الصباح، ودعاء الندبة، وغيرها من الأدعية، وفلسفة استمرار الدعاء للإمام، ليس فقط التواصل مع الإمام، وإنما الاستذكار الدائم، فالإنسان المؤمن حين يتذكر أنه ستأتي دولة لا ظلم فيها، ولا فسوق، فإن ارادته لا تماث امام الفسوق والفجور والطيغان، ولا يستمرئ الباطل، بل تحدث لديه حالة انكار مستمرة، فهو يعيش دولة الإمام؛ وهي تلك القيم والأخلاق والمثل، فإذا كان الناس قد اخطأوا الطريق، فإنه يبقى متمسكاً بالقيم وإن حادوا عنها.

ومن فلسفة الدعاء ايضا لصاحب العصر والزمان، أنه حين يقرأ المؤمن دعاء العهد ويصل الى هذه الفقرة: “والمُسَارِعِيْنَ فِي قضاءِ حَوَائِجهِ”، فالمؤمن يفكر ما هي تلك الحوائج التي يجب أن يسعى لتحقيقها.

ومع الاسف أن يخرج البعض ليقول: لا يوجد لنا فلسفة التمهيد، عندنا فقط الانتظار”.

الانتظار له شقين؛ السأم من الحالة السيئة، والسعي الى تغيير تلك الحالة، فالمريض حينما ينتظر البُرء (الشفاء)، فهو غير راضٍ بحالته التي هو فيها، ثم أنه لا يعمل شيئا يزيد من مرضه، بالاضافة الى انه يتناول الدواء حتى يشفى من مرضه.

فإذا كان هناك قوانين باطلة يجب تغييرها، فلا يقل أحد أن الزمان تغير، وتبعا لذلك تتغير القوانين، فالإمام المهدي، عجل الله فرجه، حينما يأتي يحكم بالقرآن الكريم الذي بين ايدينا، ويحكم بسنة رسول الله، صلى الله عليه وآله، فالإمام لن يغير شيئا، والمشكلة الآن أن الناس تغيروا ولم يعد يقبلوا بأحكام الله.

  • الامر الثالث: التمسك بعروة أهل البيت عليهم السلام

يجب أن نتمسك بالعروة الوثقى، لأن الإمام المهدي، عجل الله فرجه، أمرنا بطاعة العلماء والفقهاء، ولذا نقرأ في زيارة أبي الفضل العباس، عليه السلام: “مُقْتَدْيَاً بِالصَالِحِيْنَ”. فالصالحون يجب أن يقودوا الناس، لا الفسقة والفجرة.

📌 القيادة يجب أن تكون بيد الفقهاء وهم الأمناء على الحلال والحرام، لان قيادة غير الفقيه تضل الطريق، ولا تكون حجة بين الانسان وبين الله

القيادة يجب أن تكون بيد الفقهاء وهم الأمناء على الحلال والحرام، لان قيادة غير الفقيه تضل الطريق، ولا تكون حجة بين الانسان وبين الله.

وكذلك يجب ان يلتف حول الفقيه العادل الجامع للشرائط، حواريين، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ}، وفلسفة غيبة الائمة والتي بدأت من زمن الامام الكاظم، عليه السلام، وما بعده، هو أن يعود الناس ويرجعوا الى الفقهاء.

تاريخيا؛ متى ما عاد الناس الى خط الفقهاء والعلماء وتمسكوا بالقيادة الربانية الصالحة، المتصدية لشؤون الأمة، متى ما عادوا وأخذوا بحجزتهم انتصروا، فالثورات التي جرت في العراق، والتفاف الناس حول العلماء، وابسط الأمثل، كيف ان المؤمنين في العراق هبوا للدفاع عن بلدهم، فمن كان يتصور أن يخرج داعش بهذه الطريقة، فسوريا لا زالت تعاني من الارهاب، وفي افغانستان عادت طالبان من جديد.

السعادة أن يكون الإنسان مع الصالحين وفي ركابهم، فسعادة اصحاب الامام الحسين، عليه السلام، كانت حينما تمسكوا براية أبي عبد الله الحسين، وكان امتحانهم الكبير في الطاعة، وهو الامتحان الاصعب، فابوالفضل العباس كان في قمة الطاعة للإمام الحسين، عليه السلام، فحين أمره الإمام بأن يأتي بالماء، لم يتردد أبو الفضل لحظة واحدة.

عن المؤلف

السيد مرتضى المدرّسي

اترك تعليقا