بصائر

حتى لا نميل أمام العواصف

هل ترضى لنفسك ان تتلسق الجبل ولا تلبث فيها إلا لحظات ثم تنزل الى الهاوية، وهل ترضى لنفسك أن تبقى يوما او يومين في عافية وسلامة ثم تفقدهما، وهل ترضى لنفسك أن تكون مؤمنا لفترة قصيرة في حياتك ثم إذا هبت عواصف الفتن تميل معها كل الميل وتترك دينك؟

النبي يعقوب، عليه السلام، لخص كل تجاربه الرسالية حينما قال لبنيه: {ولا تَمُوتُن إلا وَأَنْتُم مُسْلِمُون}، المؤمنون دائما تلهج السنتهم بهذا الدعاء: واجعل عواقب امورنا خيرا، وبعضهم يقول: اللهم اختم لي بالمغفرة حتى لا تضرني الذنوب وازرقني العافية الى منتهى اجلي حتى تهنئني المعيشة.

📌 الصبر؛ هو التفكير في المستقبل، وعدم النظر الى اللحظة الآنية، فالمريض يصبر على وخز الابر لانه يرى أنه بعد فترة ـ وبمقدار صبره ـ سيتعافى من مرضه

ربنا ـ سبحانه وتعالى ـ في ختام سورة هود حيث بين تجارب الانبياء العظام؛ النبي نوح، وهود، وشعب، وصالح، و بين أيضا عِبرة تلك القصص، وأنهم ـ الانبياء ـ كانت لهم الاستقامة، فنوح عليه السلام، دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، وهو رقم قياسي في الاستقامة وكذا سائر الانبياء.

وربنا يأمرنا كذلك أن نستقيم، ولكن هنا لابد من طرح السؤال التالي: ما هي العوامل التي تساعدنا في الاستقامة؟

اولا: عدم الركون الى الظالمين، وأن لا يتوكل إلا على الله، فلا يحسب القوى البشرية مهما كانت موافقة للإنسان، لان الاعتماد عليهم لا يكون موثوقا ففي خلال لحظات يتركون الانسان أمام المشاكل.

ثانيا: الصلاة؛ يقول ـ تعالى ـ: {واستَعِيْنوا بالصبرِ والصلاةِ}، لان الصلاة تجعل الانسان يتصل برب العزة، فيزداد ايمانا ووعيا، فالصلاة تعطي الاستقامة، ومن يتركها يفقد الاستقامة.

ثالثا: الصبر؛ هو التفكير في المستقبل، وعدم النظر الى اللحظة الآنية، فالمريض يصبر على وخز الابر لانه يرى أنه بعد فترة ـ وبمقدار صبره ـ سيتعافى من مرضه، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “مثل الصبر من الايمان كمثل الرأس من الجسد”، فالصبر يعطي الانسان قوةً هائلة.

ثم يبيّن ربنا في  سياق الآية الكريمة بصيرةً ذات أهمية كبرى، وهي: أن الانسان المؤمن الذي يتحدى الطغاة، يكون ذلك التحدي فضيلة لسببين:

الأول: أن تبقى حجّة الله في الارض ظاهرة، فنحن نرى ما في الارض من جور وظلم، ولكن أملنا بالإمام الحجة المنتظر، عجل الله ـ تعالى ـ فرجه، لأنه بقية الله في الارض وبركتها.

الثاني: أن ربنا ـ سبحانه وتعالى ـ قد وعد عباده أنه لا يُهلك القرى بظلم واهلها مصلحون، فإذا كان في القرية، أو الحي، او المدينة، أناس مصلحون، فإن الله ـ تعالى ـ يبعد العذاب ببركة وجود المصلحين.

يقول الله ـ تعالى ـ: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}، ولا تركنوا؛ أي لا تعتمدوا، فمن يتكئ على شجرة آيلة الى سقوط فسيسقط معها، والظَلَمة كذلك فإن عذاب الله محيط بهم فكيف يتكئ الانسان عليهم؟

 { فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ} على الظلمة وعلى من يعتمد عليهم، {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ}، فالظالم يترك اتباعه ولا ينصرهم.

{وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}، نبينا الأكرم، صلى الله عليه وآله، يشبه الصلاة تشبيه بيلغ جدا، يقول: “يا علي إنما منزلة الصلوات الخمس لامتي كنهر جار على باب أحدكم، فما ظن أحدكم لو كان في جسده درن ثم اغتسل في ذلك النهر خمس مرات في اليوم أكان يبقى في جسده درن؟ فكذلك والله الصلوات الخمس لامتي”.

📌إذا كان في الامة يصلحون وهم بقية الله، ويرفعون اصواتهم ضد الفساد والمنكر، فإن الله ببركتهم لا ينزل العذاب على البقية

المؤمن حين يصلي فإنه يتخلص من أدران الذنوب، فحين يذنب الانسان ويصلي، فإن الصلاة بمثابة تطهير له من الذنب.

{وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}، فأجر الإنسان المؤمن مدخر عند الله، ولن يكون ذلك إلا بالصبر والانتظار.

حكمة وجود المصلحين في الارض

يقول ـ تعالى ـ: {فَلَوْلا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ}، النهي عن الفساد؛ نهي عن الظلم، والمنكر، وايقاف مسيرة الفساد في الامة، وهذا لا يتم إلا بمعاناة، والنهي عن الفساد فيه نوع من الأذى لمن ينهى، ولكن الله ـ تعالى ـ يسجل هذا الموقف، فيكتب الله له به الجنة، ويمحو عنه السيئات.

{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}، إذا كان في الامة يصلحون وهم بقية الله، ويرفعون اصواتهم ضد الفساد والمنكر، فإن الله ببركتهم لا ينزل العذاب على البقية، ولذا فإن عواصف الفتن تزداد يوما بعد يوم، وعلى الإنسان المؤمن أن يوفّر في نفسه عوامل الاستقامة، والتي هي بمثابة مصدات تعمل على ايقاف تأثيرات الفتنة في حياة الإنسان المؤمن، أو على الأقل تخفف من تأثيراتها.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا