بصائر

الصفات الإيمانية بين الادِّعاء والتطبيق

ما هي الحقيقة الواحدة التي لو استطاع الانسان ان يستوعبها تجلت في حياته كلها، وانتجت المزيد من الصفات الحسنى؟

يبدو ان هذه الحقيقة تتجلى في كلمة أمير المؤمنين، عليه السلام، من كلام له في صفات المتقين: عظم الخالق في انفسهم فصغر ما دونه في  اعينهم”.

كلما تجلت عظمة الله عند الانسان عرف ربه معرفة حقيقية كلما استكانت نفسه وتضرعت، واصبح كل ما سوى الله قليلا في عينه، ومتواضعا في نفسه.

هذه الحقيقة يمكن ان نستفيدها من سورة من السجدة وهي الآية: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ}، فربنا يبيّن ان المؤمنين حقا الذين إذا ذُكر الله يخرون سجدا.

🔺 {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} القوة الدافعة الاولى للانسان الخوف، فالخوف من عقاب الله، والطمع في رحمة الله ورضوانه، والمؤمن تجده يتحرك دائما؛ فلا يدع عملا صالحا إلا ويسعى إليه

وهذا الخضوع المطلق الذي يحدث عند الانسان المؤمن عند ذكر الله، وذكر اسمائه الحسنى وآياته الكبرى، وهذا الخشوع والخضوع اصل صفات الانسان، وهو الذي يمنعه من التطاول على الآخرين وظلمهم.

في دعاء مكارم الأخلاق للإمام زين العابدين، عليه السلام: ” اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَ لا أُظْلَمَنَّ وَأَنْتَ مُطِيقٌ لِلدَّفْعِ عَنِّي، وَلا أَظْلِمَنَّ وَأَنْتَ الْقَادِرُ عَلَى الْقَبْضِ مِنِّي”، هذه الصفات تتجلى عند المؤمن بحيث تكون نفسه أذل من العبد، وفي نفس الوقت أصلب من الصخر، والذلة ليست بمعنى التي تنبع من الحقارة وإنما التي تنبع من الخضوع للحق.

ومن صفات المؤمن انه لا يستكبر لانه حينما ينظر الى عظمة الرب ــ سبحانه وتعالى ــ يتضاءل عنده الاستكبار، لو أن احدنا وقف الى جانب جبل والتقط صورةً لرأى صغر حجمه مقارنة بذلك الجبل الأشم الكبير، قال ــ تعالى ــ: {إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} هذا بالنسبة لو قارنا بين الانسان وبين الجبل فكيف بسائر المخلوقات الأخرى.

ومن صفات المؤمن انه متبتلٌ في الاسحار {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ}، والتجافي يعني الترك، فالمؤمن يترك مضجعه ويهرع الى لقاء الله ــ تعالى ــ.

{يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} القوة الدافعة الاولى للانسان الخوف، فالخوف من عقاب الله، والطمع في رحمة الله ورضوانه، والمؤمن تجده يتحرك دائما؛ فلا يدع عملا صالحا إلا ويسعى إليه، لانه من جهة يخاف من عقاب الله وعذابه، ومن جهة أخرى يطمع في جنة الله ونعيمه.

ويصف أمير المؤمنين، عليه السلام، المؤمنَ بهذه الصفة: “لا يدع للخير غايةً إلا أمّها ولا مظنة إلا قصدها”، فأينما رأى الخير توجه إليه، واحيانا لا يكون لديه علم، لكنه يظن انه سيصحل على خير حينها يقصده لينال ذلك الخير.

ومن صفات المؤمنين: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}، المال عند المؤمن وديعة لا يحسب له حسابا، ونَظَره الى المال أن يخدم الانسان لا ان يصبح المال مخدوما، بعض الناس بدل ان يخدمه المال اصبحوا خَدَمَةً للمال، قال أمير المؤمنين، عليه السلام: “ليس الزهد ان لا تملك شيئا بل الزهد ان لا يملكك شيء”، وتأكيد لهذه الفكرة المهمة والحساسة في حياة الانسان قال ــ تعالى ــ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ}.الانسان قبل موته يتمنى لو انه يُمهل عدة دقائق حتى يتمكن من عمل الصالحات، لكن لا مهلة حين وقوع الموت.

{فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} قَرّت عينه يعني صار عنده سرور، والله ــ تعالى ــ يعد لهم ما لا يعلمون والذي به ستُقر اعينهم في الجنة وهذا يختلف عن الدنيا، فكل صفة من صفات الدنيا أقل من واقعها، فحين يصف لك أحدهم حديقةً معينة، فيقول: فيها الزهور، وانواع الحيوانات، والخضرة الكثيفة الى آخر..، وعند ذهابك تجدها أقل مما قال.

🔺 {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}، المال عند المؤمن وديعة لا يحسب له حسابا، ونَظَره الى المال أن يخدم الانسان لا ان يصبح المال مخدوما

 وهذا يختلف تماما عما في الجنة، فكل ما يقال عن الجنة من نعيم أكثر مما تتصور واعظم من الوصف، قال الإمام الصادق، عليه السلام: “ما من حسنة يعملها العبد إلا ولها ثواب مبيّن في القرآن إلا صلاة الليل لم يبن ثواب لعظم خطرها فقال: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. فحين تصلي تجازى بالحور العين، وحين تتصدق يُخلف الله عليك، وما من حسنة في القرآن الكريم ذُكرت إلا وجاء بيان جزاءها، إلا صلاة الليل، ولذلك بعض المؤمنين حينما لا يقوم لصلاة الليل يجد نفسه ذلك اليوم مهموما حزينا لما فاته من الأجر والثواب.

هذه بعض الصفات الايمانية العملية التي من شأنها ان تسمو بالانسان المؤمن، وترفعه الى حضيرة القُدس الإلهي، وكذلك لها جانب سلوكي مهم في هذه الدنيا، وهو ان هذه الصفات تجعل من الانسان المؤمن يراقب نفسه فلا يظلم أحد، ولا يأخذ حقوق الآخرين، وهذا هو جوهر السلوكي الايماني.


  • (مقتبس من محاضرة لسماحة المرجع المدرّسي دام ظله).

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا