بصائر

حتى لا نقع كما وقع الآخرون

قال  ــ تعالى ــ: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.

بما ان الحديث عن المجتمع والحكم الإسلامي فهو يتشعب الى جزأين رئيسيين؛ الاطار العام والاطار الخاص:

الأول: الاطار العام: والذي يبحث عن الاستراتيجيات الكبرى في ما يتصل بالتفاصيل، وفي أي موضوع من الموضوعات، وفي هذا العنوان أيضا ينقسم البحث الى قسمين:

أ ـ الحديث عن الاطار العام فيما يتصل بالمحيط من حولنا، لأننا شئنا أم أبينا نتفاعل مع العالم، سلبا ام إيجابا، والعالم يتضاءل، فيوم بعد يوم يقترب الى ما يشبه القرية الواحدة، فيما قبل كانت القرى تعيش بمعزل عن بعضها البعض، بعيدة عن المدن والعالم، وكان تفاعل الفرد مع محيطه وجيرانه أقل من اليوم، إذ التفاعل اليوم ازداد بشكل كبير، سواء بين ابناء المجتمع الواحد، او بين ابناء بلد مع بلدان أخرى.

⭐ اساس المجتمع هي الاسرة، فتفتيتها وتخريب نظامها احد الاسباب الرئيسية لأزمة الحضارة

واليوم الوسائل الحديثة من جهة والارتباط العميقة بين اجزاء العالم من جهة أخرى جعل العالم وكأنه قرية واحدة، بل جعله اكثر من قرية واحدة فيما يرتبط بالتفاعل والتكامل بين الافراد وبين محيطهم.

ب ـ البشر اليوم يعيش أزمة حضارية و محتوى الازمة في العالم هو فقدان الروح، ونسيان الرب: {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ}، وابتعادهم عن التوحيد، وتوغلهم في انواع الشرك، وسائل المشاكل في العالم إنما تنشأ من هذه الأزمة.

وازمة العالم المتفرعة من الأزمة الحضارية الاولى وهي ابتعادهم عن الرب ــ سبحانه وتعالى ــ تتمثل في امور:

أولا: الصراع بين القوى: فهو يأثر ليس فقط في عالم السياسة، وإنما في عالم الاقتصاد ايضا، فالخزانة الامريكية لديها قائمة قائمة سوداء لكثير من الدول وهذه القائمة (السوداء) أكثر بكثير القائمة البيضاء، ومعنى ذلك ان الاقتصاد العالمي يتعرض لازمة حقيقة.

ثانيا: أزمة المناخ: هذه الأزمة بدأت تؤثر في كل بيت في العالم، وعلى كل انسان، هذه الازمة أثرت بشكل واضح على مناخ العراق هذا العام، ويبدو انها ستكون في حاضرة السنوات القادمة؛ وتتمثل في ازمة ارتفاع درجة الحرارة، والجفاف، وقلة الامطار.

وهذه الازمة لا يمكنهم ان يعالجوها لانها تدخل ضمن ازماتهم الاخرى، فالحرب ــ مثلا ــ في أوكرانيا لها تأثير على مسألة تصدير الحبوب الى العالم، وإذا لم تُصدر الحبوب فالبلاد الأكثر فقرا تتأثر بشكل كبير، وهناك أزمات متعددة ومتداخلة يعاني منها العالم، كالحرب البيولوجية، واستخدام الفحم الحجري وما اشبه.

  • أزمة الحضارة الابتعاد عن القيم الإنسانية النبيلة

وفيما يتصل بالعلاقة بين ابناء المجتمع؛ فإن اساس المجتمع هي الاسرة، فتفتيتها وتخريب نظامها احد الاسباب الرئيسية لأزمة الحضارة لانها بهذا الشكل تنتهي، كما انتهت حضارة قوم لوط بسبب الشذوذ الجنسي.

والآن العالم يعاني من أزمة الانحلال الخُلقي ومحاولة التركيز على مشاكل الاسرة، والسعي الحثيث لمساواة المرأة مع الرجل، وجعل الوسائل الاخرى لإشباع الغزيزة الجنسية شرعية، كالشذوذ الجنسي، والنوع الاجتماعي، والجندر.

وهناك أزمة أخرى عندهم تؤثر فينا وهي الإرهاب السياسي والاقتصادي، فخلال الخمسين سنة الماضية ازدادت ثروات الدول الغنية، والعالم الثالث او ما يسمونه عالم الجنوب ازداد فقرا وبؤسا، فأربعة وعشرون مليون انسان في السودان يكابدون الجوع.

هذه الأزمات وغيرها هي نتيجة أزمة الحضارة؛ ذلك ان الحضارة البشرية منذ ان نشأت على أرض عفنه، { وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً}، فالارض أرض الفساد، والكفر، وهذه الارض أنبتت اشخاص أبعد ما يكونوا عن القيم والأخلاق الانسانية، ومنذ ذلك اليوم كانت الأرض كذلك، هناك مثل عربي (ظل الأعرج أعوج).

⭐ البشر اليوم يعيش أزمة حضارية و محتوى الازمة في العالَم هو فقدان الروح، ونسيان الرب: {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ}

والعراق ليس بعيدا عن تلك الازمات، لكن بفضل الله، وجهود التيار الديني الصالح بجميع ابعاده في نشر الفضيلة ومنع الاستهتار والانحلال الأخلاقي، ولكن هناك مشاكل في تفاقم خصوصا فيما يتعلق بالمخدرات؛ فالأرقام في تزايد، وهذه الآفة تنتشر بشكل مريع، وهذه المشكلة ستؤثر على مجتمعنا مستقبلا والتي قد تؤدي الى انهياره، فالشاب الذي يتوجه الى المخدرات لن يتزوج، وإذا أقدم على الزواج فلن تدوم هذه الآصرة وسرعان ما يلجأ الى الطلاق، وثم يصبح ميّت الاحياء، لا هدف له، ولا مسؤولية عليه في هذه الحياة.

وبازدياد حالات تعاطي المخدرات ينتشر الفقر في المجتمع، وتتفشى الجريمة، لان المدمن حينما لا يجد أموالا سيلجأ الى السرقة وسيفعل ما بوسعه للحصول على الأموال بأي طريقة كانت.

هذه الكارثة الشيطانية هي افراز للأزمة الحضارية {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ}، فحينما ينسى الانسان ربه ويتوجه الى الدنيا ويفقد الروح والتوحيد، تحل الأمور الأخرى بدلا من ذلك.

والحديث عن هذه الأزمات هو لسببين؛ الأول: هو ان نحترز منها، و ثانيا: علاج الازمات برمتها يكون من العراق، وذلك حينما يظهر الإمام المهدي، عجل الله فرجه الشريف، ونحن بفضل الله الممهدون لذلك اليوم العظيم، الموطؤون لظهور الحجة بن الحسن المهدي.

يتبع..


  • مقتبس من محاضرة لسماحة المرجع المدرّسي (دام ظله).

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا