بصائر

كيف نجد تأثير الدين في حياتنا؟*

يقول الله ـ تعالى ـ: { لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِنْ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ}.

هناك محورين رئيسيين في سورة البينة:

المحور الأول: على الرغم مما يتمتع به الانسان من فطرة الايمان والعقل، ومن حسن الخلق، {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}، بالرغم من ذلك كله، إلا نه يتعرض لعواصف شديدة الهبوب، وعظيمة الانحراف؛ فمن الشهوات الداخلية، الى عاصفة الضغوط الخارجية، والشيطان وغيرها.

ولذلك لا تجد إنسانا ومن دون توجيه إلهي، وتوفيق رباني، يستطيع أن يكتشف الطريق الصحيح، وأن يستمر على سلوك هذا الطريق، فكل انسان انحرف، بل اكثر من ذلك، فعلى الرغم من وجود مئة واربعة وعشرين ألف نبي، ومئة كتاب، وعشرات الالوف من الصديقين، وملايين الدعاة الى الله، مع ذلك كله ترى البشر ينحرف عن الطريق إلا القليل، وذلك يدل على الطبيعة البشرية.

📌 لا تجد إنسانا ومن دون توجيه إلهي، وتوفيق رباني، يستطيع أن يكتشف الطريق الصحيح، وأن يستمر على سلوك هذا الطريق

نحن بحاجة ماسة الى الوحي؛ فالذين يقولون: بأن عقولنا تكفينا، والذين يزعمون كالحدوثيين؛ أن الانسان يستطيع أن يستقل عن الوحي، وعن الدين، ومع ذلك يكون في الطريق المستقيم ـ حسب ادعائهم ـ هؤلاء يخطئهم التاريخ أولا، وثانيا سلوكهم؛ فهم ضد بعضهم البعض، {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا}، إذاً يتبين أن مجرد العقل لا يكفي، وهذا اكبر دليل على حاجتنا الى الدين.

في المقابل؛ كلما نجد من خير، واحسان، وتعاون، وتقوى..، نجده من خط الانبياء، عليهم الصلاة والسلام، فقد يكون نبينا الأكرم، صلى الله عليه وآله، أو سائر الانبياء، فالمتلزمين بهدى الوحي والانبياء، هم الوحيدون الذين يُشار إليهم بالبنان؛ بإيمانهم، وتقواهم، وعطائهم، وحتى لو اختلف معهم أحد في معتقد ما إلا أن سمعتهم طيبة بين الناس.

إذا سألت فتاة: بمن تريد ان تتزوجين؟

فتراها تفضل المتلزم المتدين، لانه لن يؤذيها،  ذلك أن غير الملتزم؛ يرتكب الموبقات والذنوب، ثم يتركها فيما بعد!

المحور الثاني: من هم قمة و خير البرية؟ ومن هم شر البرية؟

في هذه السورة يبين الله قمة البشرية؛ وشر البرية، فيقول ـ تعالى ـ عن الصنف الأول: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}، فإذا أراد الانسان أن يصبح الافضل فإن عليه أن يستخدم هذه الوصفة الالهية، وخارطة الطريق التي وضعها أمام الكل.

  • الحاجة الى وجود النبي

{ لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ}، فهم لا يتركون نهجهم، وانحرافاتهم، حتى تأيتهم البينة، وهي الحجة التي لاشك فيها ولا ترديد.

 { حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ}، والبينة تتمثل: {رَسُولٌ مِنْ اللَّهِ}، فالكتاب وحده لا يكفي، فهو لايملك قوة التنفيذ، فالبشر بجاحة الى من يسوقهم سوقا الى الحقائق.

نبينا الأكرم، صلى الله عليه وآله، أتعب نفسه، وواصل الليل بالنهار في الدعوة؛ هداهم، وعلمهم الكتاب والحكمة، وزكاهم، وأشرف على امورهم، وقاد حروبهم، وبأخلاقه الحسنة جمع شتاتهم، وكذا بيقة الأنبياء، إلا أنه، صلى الله عليه وآله قال: “ما أوذي نبي مثلما اوذيت”.

📌 كلما نجد من خير، واحسان، وتعاون، وتقوى..، نجده من خط الانبياء، عليهم الصلاة والسلام

كاد العرب قبل الاسلام أن تنتهي من كثر الغارات فيما بين القبائل، وأمير المؤمنين، عليه السلام، يصف حالة العرب قبل الاسلام: إنَّ اللّه بَعَث مُحمَّداً، صـلى الله علـيه وآله، نَذيراً لِلعالَمِين وأمِيْناً عَلى التَّنْزيْل وَانتُم مَعشَر العَرَب عَلى شَرِّ دين وَفي شَرِّ دار مُنِيخُونَ بَيْنَ حِجارَة خَشِن وحَيّات صُمٍّ تَشربُونَ الكَدِرَ وَتَأَكُلُونَ الجَشِبَ وَتَسْفِكُونَ دِماءكُمْ وتقطعُونَ أَرْحامَكُمْ الاْصنامُ فيكُم مَنْصوبَة وَالآثامُ بِكُمْ مَعْصُوبَة”.

{يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً}، وهي الصحف الخالية من الغي، والعصبية، القومية..، وخالية تماما من أي سلبية من سلبيات البشر.

{فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ}، وهو الكتاب الذي يُقيم الطريق ويوضحها، لان بذاته مستقيم فيجعل الانسان مستقيما، وهو عبارة عن خريطة عمل، فالكتاب القيّم الذي يأتي به النبي من عند الله، هو علاج للأزمات البشرية، وليس هناك علاجا آخر، فمهما شرّق البعض وغرّب فلن يجد وسيلة أخرى لتقويم سلوكهم واعادتهم الى الحياة الانسانية إلا الكتاب القيّم الذي هو وحي السماء، وشخص النبي وهو القوة المنفذة لذلك الكتاب، وهو التطبيق العملي لبصائر الكتاب السماوي.


  • مقتبس من محاضرة لسماحة المرجع المدرسي (دام ظله).

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا