ثقافة رسالية

هل سمعت بنظرية بيض اللقلق؟

الحقيقة دوما هي سيّدة الموقف، وهي التي تنتصر في آخر المطاف، والتزوير والالتفاف على الحق قد يتحقق لمدة من الزمن، فربما يُكتب النجاح لمن يخدع الناس لأيام، لكن سنّة الله ـ تعالى ـ ومشيئته تأبى أن يدوم الكذب والتزوير، ذلك لأن بناء الكون قائم على الحق وليس على الباطل: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ}، فالنظام أقامه الله ـ عز وجل ـ من الأفلاك والمجرات، والكائنات يأبى أن يستوعب إلا ما هو حق.

ربما ينتحل إنسان ما شخصية كاذبة لفترة من الزمن، ولكن سرعان ما تنكشف الحقيقة، وتسقط الاقنعة، ويُفتضح الكاذب.

فالذي يوحي للناس أن بيده الحل والعقد، والأمر والنهي، والموت والحياة ـ كما فعل فرعون نمرود اللذان ادّعيا الربوبية ـ ستكون عاقبته مثل كلّ الطغاة، الذي لقوا حتفهم، وذاقوا الأمرّين، خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

إن قانون الحقيقة يجري على الامور كافة، ولا فرق في كون الباطل كذبا وسرقة او قتلا، يقول أمير المؤمنين، عليها السلام: “الصدق ينجي الكذب يردي”، وقال عليه السلام: “يبلغ الصادق بصدقه ما لا يبلغه الكاذب باحتياله”

يحكى أن احد الطغاة جاء بقنينة فيها اوساخ، وتركها لفترة من الزمن حتى تحولت الاوساخ الى ديدان صغيرة، فجمع الناس وقال لهم:

أنا خالق هذه الديدان!

فانبهر به الناس، حتى كادوا يعبدونه من دون الله ـ تعالى ـ إلا أن إنسانا مؤمنا في تلك البلاد بادره القول:

إذا كنت خالقها فافصل بين ذكورها وإناثها، واذكر لنا عدد ذكورها وإناثها؟! فبهت الذي كفر.

إن قانون الحقيقة يجري على الامور كافة، ولا فرق في كون الباطل كذبا وسرقة او قتلا، يقول أمير المؤمنين، عليها السلام: “الصدق ينجي الكذب يردي”، وقال عليه السلام: “يبلغ الصادق بصدقه ما لا يبلغه الكاذب باحتياله”.

فالحقيقة هي الناجية، والناجحة، والباقية، أما الزيف الخداع فهو سيهوي بصاحبه الى وادٍ سحيق.

فالنتيجة أن الحقائق هي التي تنتصر، وليس مظهر القوّة، والقيم هي التي تسود وليس التظاهر بها.

الحاكم الذي يحكم بلادا ويغيّر اسماء شوارعها ومناطقها كافة باسمه، ويدفع الناس للاحتفال بمناسباته الشخصية كيوم ميلاده، ويوم ختانه، وزواج ابنه..، هذا الحاكم لن يدوم له الملك، وقد رأينا كيف أن أمثال هؤلاء حينما يسقط فإن اسمه يصبح تهمة، وهو الذي كان اسمه يملأ كل مكان وكل زمان، وقد ربط كلّ شيء بنفسه، لكن المظاهر زالت ولم تبقَ سوى الحقائق.

إن المظاهر والحركات الاستعراضية لا تقيم حضارة، فإذا أقامت حضارة كانت هشة كمدن الملح وبيوت العنكبوت

ومن المؤسف أن يفهم الإنسان ذلك ويدركه بوجدانه، ولكن غبار المجتمع والمظاهر المخادعة تجعل من رجل ليس شيء يذكر به، إلا أن قليلا من الدعاية والإعلام والاموال ترفعه ليصبح شيئا مذكورا.

هناك نوع من الحلاوة تباع في العراق تسمى بـ (بيض اللقلق) وتملأ عين الاطفال بحجمها المغري، ولكن بمجرد أن تضعها في فمك تتحول الى حبّة شعير من الحلاوة، وتذوب كرغوة الصابون.

ونظرية “بيض اللقلق” حاكمة على عقول الكثير من الناس فهم يلهثون وراء مظاهر كاذبة: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}.

وكذلك فيما يرتبط بالحضارات، فهنالك من الحكام من يمتهن التزوير والكذب، ويشتري الابواق الاعلامية بالترغيب والترهيب، ويحاول ان يتمظهر بمظاهر الحضارة المتقدمة، بل إنه يدعي أنه الافضل، وأن حضارته هي الأقوى، إلا أن أمثال هؤلاء ينكشفون للناس عاجلا أم آجلا.

لقد حاول طاغية العراق صدام حسين أن ينسب لنفسه الكثير من الامور كذبا، كما حاول أن يزور التاريخ والحقائق لكي يظهر بمظهر البطل المنقذ للأمة، وكان دائما ما يتغنى ببطولات وانجازات وهمية.

حتى أن البعض صدقه، وعاش وهو يظن انه يعيش في أفضل الدول واكثر الحضارات تقدما، إلا ان هذا الطاغية حينما سقط تبخرت معه كل اكاذيبه، واختفى حزبه الأوحد الذي أكل الأخضرو اليابس، وعذب الناس باسم التقدمية والتطورالانساني.

حقا؛ إن المظاهر والحركات الاستعراضية لا تقيم حضارة، فإذا أقامت حضارة كانت هشة كمدن الملح وبيوت العنكبوت.

عن المؤلف

آية الله السيد هادي المدرسي

اترك تعليقا