مناسبات

فاطمة منهاج تربوي

المشارك في المسابقة الفاطمية

نبذة عن الزهراء عليها السلام:

كنيتها أم أبيها وأم الحسن، ولقبت بالزهراء و بالكوثر والصديقة والبتول وسيدة نساء العالمين والصابرة والممتحنة.

سُئل الامام الصادق، عليه السلام، عن سبب تسمية فاطمة بالزهراء فقال : “لأنها إذا قامت في محرابها أزهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض”(١).

خصّتها سورة الكوثر، وشملتها آيات التطهير والاطعام والمباهلة، وورد في حقِّها وفضيلتها أحاديث البضعة ولولاك وغيرها.

ورد عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال : قلت لأبي جعفر محمد الباقر،عليه السلام : “جعلت فداك يا ابن رسول الله حدثني بحديث في فضل جدتك فاطمة، عليها السلام، إذا أنا حدثت به الشيعة فرحوا بذلك، فقال أبو جعفر : حدثني أبي عن جدي عن رسول الله، صلى الله عليه وآله، قال : إذا كان يوم القيامة نصب للأنبياء والرسل منابر من نور فيكون منبري أعلى منابرهم يوم القيامة ثم يقول الله : يا محمد اخطب، فأخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأنبياء والرسل بمثلها.

ثم ينصب للأوصياء منابر من نور وينصب لوصيي علي بن أبي طالب في أوساطهم منبر من نور، فيكون منبره أعلى منابرهم ثم يقول الله : يا علي اخطب، فيخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأوصياء بمثلها، ثم ينصب لأولاد الأنبياء .. إلى أن قال : ثم ينادي المنادي وهو جبرئيل، عليه السلام : أين فاطمة بنت محمد؟ أين خديجة بنت خويلد؟ أين مريم بنت عمران؟ أين آسية بنت مزاحم؟ أين أم كلثوم أم يحيى بن زكريا؟

 فيقمن فيقول الله تبارك وتعالى: يا أهل الجمع لمن الكرم اليوم؟ فيقول محمد وعلي والحسن والحسين : لله الواحد القهار، فيقول الله جل جلاله : يا أهل الجمع إني قد جعلت الكرم لمحمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة، يا أهل الجمع طأطؤا الرؤوس وغضوا الابصار فان هذه فاطمة تسير إلى الجنة : فيأتيها جبرائيل بناقة من نوق الجنة مدبجة الجنبين، خطامها من اللؤلؤ المحقق الرطب، عليها رحل من المرجان فتناخ بين يديها فتركبها فيبعث إليها مائة ألف ملك فيصيروا على يمينها ويبعث إليها مائة ألف ملك يحملونها على أجنحتهم حتى يصيروها عند باب الجنة، فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت فيقول الله: يا بنت حبيبي ما التفاتك وقد أمرت بك إلى جنتي؟ فتقول: يا رب أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم، فيقول الله تعالى: يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لك أو لاحد من ذريتك خذي فأدخليه الجنة “(٢).

ليس هناك طعم للحياة الزوجية مالم يحوطها الانسجام بين الزوجين في المبدأ والاتجاه ونوعية التفكير، وأيضاً لابدَّ أن يكون مبنياً على التقدير والاحترام من الطرفين

مرَّت، صلوات الله عليها وسلامه، خلال حياتها القصيرة بابتلاءات عدة، منها فقد أبيها رسول الله الأكرم، صلى الله عليه وآله وسلّم، ومنعت البكاء عليه، وحادثة فدك، واختتمت ابتلاءاتها بحادثة الدار .

كان لها، سلام الله عليها، خطب كثيرة عمَّ أثرها كل من سمعها أو قرأها، منها خطبة فدك، وخطبتها، عليها السلام، في نساء المهاجرين والأنصار، وخطبتها بعد وفاة أبيها، صلى الله عليه وآله وسلّم .

أين نجد المنهج التربوي السليم؟

إنَّ الأمة الإسلامية بحاجة ماسة لمنهج تربوي سليم، في خضم المنهجيات السائدة في واقعنا المعاصر وما نتج عنها من مشاكل عندما طرحت على صعيد التطبيق والعمل، وللأسف فقد أثبتت عدم صلاحيتها لتقديم الحلول وسد الثغرات بما ينسجم مع فطرة الانسان وتطلعه نحو الكمال.

وهنا كان لنا الخيار في الرجوع إلى قول الرسول، صلى الله عليه وآله وسلّم، : “إنّي تاركٌ فيكم الثقلين ما إن تَمَسَّكتم بهما لن تضلّوا بعدي: كتابَ اللَّه وعترتي أهلَ بيتي، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوضَ” (٣).

والزهراء، عليها السلام، من العترة الطاهرة التي تركها لنا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلّم، أسوة وقدوة ومنارة لكل مانحتاجه في هذا الزمن وكل زمن، فالمنهج التربوي الصحيح هو ما يتجاوز حدود الزمان والمكان، فمَن يكون قرين القرآن فمنهجه في بناء الإنسان أحقُّ بأنْ يُتَّبع، وأولى بالعناية، وأجدر بالتطبيق، وإلاّ فلن يكون استنطاق القرآن وإهمال نظيره، كافياً في طرح المنهج التربوي البديل عن المناهج المستوردة السائدة في مجتمعنا المسلم.

بيت الزهراء عليها السلام

كانت السيدة فاطمة الزهراء، عليها السلام، تسكن وتعيش في بيتها الذي كان محاطاً بالقداسة والروحانية والنور، كان ذلك البيت مبنياً بمواد الاحترام والتقدير، والتجليل والتبجيل، يعرف حق ذلك البيت كل من يعرف حق فاطمة وأبيها، وبعلها وبنيها.

وقد روى شيخنا المجلسي، رحمه الله، عن أنس بن مالك وعن بريدة قال: “قرأ رسول الله، صلى الله عليه وآله : {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ}

فقام رجل فقال : أي بيوت هذه يا رسول الله؟ فقال : بيوت الأنبياء، فقام إليه أبو بكر، فقال : يا رسول الله هذا البيت منها؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمة، قال : نعم، من أفضلها”.

وعن ابن عباس قال: “كنت في مسجد رسول الله، وقد قرأ القارئ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} فقلت: يا رسول الله ما البيوت؟ فقال: بيوت الأنبياء، وأومأ بيده إلى منزل فاطمة”(٤).

علاقتها بوالدها  عليه وعليها أفضل الصلاة والسلام :

سميت بأمِّ أبيها، ولاشكَّ أنَّ لهذه الكنية دلالات عميقة، وبعض أسباب هذه التسمية :

١- رعايتها المتميزة لأبيها فقد كانت، عليها السلام، ترعاه رعاية الأم لإبنها، فتُغدق عليه محبتها وحنانه، بل كانت أكثر عطفاً وحناناً من الأم .

٢- ارداة النبي، صلى الله عليه وآله، لإظهار قدرها ومكانتها من خلال تقديره لها، فيعرِّف الجميع بأن إبنته الزهراء هي موضع دلاله و تقديره و حبه و حنانه على هذا المستوى الرفيع.

٣- لبيان أفضليتها على أمهات المؤمنين بما فيهم من نسائه، فأراد بذلك بيان أفضليتها ورفعة شأنها مقارنة بنسائه بالرغم مما لهم من الفضل والرفعة في الشأن.

كانت اذا دخلت عليه، قام إليها فأخذ بيدها وقبَّلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها، قامت إليه، فأخذت بيده، فقبَّلته وأجلسته في مجلسها.

وفي سنن الترمذي، عن عمر بن أبي سلمة قَالَ: ” لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله َسَلَّمَ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}، فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَدَعَا فَاطِمَةَ وَحَسَناً وَحُسَيْناً فَجَلَّلَهُمْ بِكِسَاءٍ، وَعَلِيٌّ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَجَلَّلَهُ بِكِسَاءٍ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، فَأَذْهِبْ عَنْهُمْ الرِّجْسَ، وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وَأَنَا مَعَهُمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْتِ عَلَى مَكَانِكِ، وَأَنْتِ عَلَى خَيْرٍ”.

ودخل النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، على فاطمة، سلام الله عليها، يوماً فقال : “كيف تجدينك يا بنيّه قالت إني لوجعة وإنه ليزيدني أنه مالي طعام آكله، قال يا بنية أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين، قالت يا أبة فأين مريم بنت عمران؟ قال تلك سيدة نساء عالمها وإنك سيدة نساء عالمك أمَ والله زوجتك سيداً في الدنيا والآخرة “(٥).

حياتها الزوجية:

وليس هناك طعم للحياة الزوجية مالم يحوطها الانسجام بين الزوجين في المبدأ والاتجاه ونوعية التفكير، وأيضاً لابدَّ أن يكون مبنياً على التقدير والاحترام من الطرفين.

والزهراء، عليها السلام، خير مثال للزوجة والأنيسة، فكانت، عليها السلام، تعرف مكانة زوجها ومنزلته عند الله ـ عزوجل ـ فتحترمه  وتقدره كما تحترم المرأة المسلمة إمامها، بل أكثر من ذلك فهي، عليها السلام، كانت عارفة بحقِّه حق معرفته، فكانت تطيعه كما ينبغي، فهو أعز الخلق لرسول الله، صلى الله عليه وآله، وصاحب الولاية العظمى، والخلافة الكبرى، والإمامة المطلقة.

وكان، سلام الله عليه، يبادلها الحب والتقدير والاحترام، وفي البحار عن المناقب، قال علي، عليه السلام: “فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز وجل ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً لقد كنت انظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان”.

لقد كان حال الامام علي واضحاً للسيدة الزهراء، عليها السلام، فكانت تعلم أنَّ علياً لم يكن ثرياً، فلذلك لم تفاجأ بالجهاز التي جُهزت به، كان مؤلفاً من خميلة ووسادة، حُشيت ليفاً، وإناءاً وسقاءين وشيء من العطر، وهي في هذا راضية كل الرضا بالرغم مما كانت عليه من شظف العيش .

وفي تفسير العياشي عن الإمام الباقر، عليه السلام:” أن فاطمة، عليها السلام، ضمنت لعلي، عليه السلام، عمل البيت والعجين والخبز، وقمَّ البيت، وضمن لها علي، عليه السلام، ما كان خلف الباب بنقل الحطب وأن يجيء بالطعام.

تربيتها لأولادها:

كانت، عليها السلام، حريصة على التربية العملية من خلال سلوكها، حيث كانت تحرص كلّ الحرص على اصطحاب أولادها إلى محراب عبادتها في آناء الليل وأطراف النهار، وهي تعلِّمهم بذلك أنواع التبتل والتهجد.

  يروي الإمام الحسن المجتبى، عليه السلام، أنَّ والدته الزهراء البتول قد أجلسته إلى جانب سجّادتها غارقة في التضرع إلى الله تعالى من أول الليل إلى انفجار الصبح، وهي آخذة بالدعاء لكل الناس، الأقرب فالأقرب من حيث الجيرة، ولكنَّها لم تشمل بدعواتها تلك أولادها، مما أثار فيه ـ الإمام الحسن ـ السؤال عن السر وراء ذلك، فأجابته بنظرةٍ ملؤها العطف والحنان : يا بني الجار ثم الدار .

هذا من ناحية العبادات، أمَّا من الناحية العلمية، فقد كانت الزهراء، عليها السلام، تعلِّم الإمامين الحسن والحسين، عليهما السلام، خطب رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وهما لما يبلغا الخامسة من العمر بعد، حيث كانت تطلب إليهما ـ كطريقة من طرق التعليم ـ إعادة ما سمعاه من خطاب الرسول الأكرم على مسامعها، ثم إنها كانت تعيد الكرّة بحضور أمير المؤمنين_ عليه السلام، ليطمئنّ قلبه على سيرتهما التربوية والعلمية .

إنَّ الأمة الإسلامية بحاجة ماسة لمنهج تربوي سليم، في خضم المنهجيات السائدة في واقعنا المعاصر وما نتج عنها من مشاكل عندما طرحت على صعيد التطبيق والعمل

ولقد شاهد التاريخ المستوى الفريد من نوعه الذي بلغه هذان الإمامان الفذّان في العبادة والخطابة، حتى أن العبّاد والخطباء كانوا في ذلك الزمن وما تلاه يقرّون لهم بالفضل والأولوية في هذين المجالين.

ومن أشدِّ وأقوى آثار تربيتها، صورة الامام الحسين، عليه السلام، في واقعة الطف، فقد كان كالأسد الغضنفر في خطاباته ومواقفه وأقواله، فلم يدانيه أحد من جيش الأمويين في الخطاب وإلقاء الحجة والبيان والشجاعة والحمية على حرمة، وكل ذلك استقاه، من مدرسة أمه الزهراء، في خطبها ومواقفها التي تفردت بها دوناً عن كل نساء الأرض .

كما ونجدها، عليها السلام، في خطبتها الفدكية الشهيرة تختص ابنتها زينب، بالإصطحاب إلى مسجد أبيها النبي الأكرم لتقارع الردّة والعناد والطمع الذي أصاب نفوس القوم بعد وفاة أبيها، الأمر الذي يشير إلى وعي الزهراء، عليها السلام، للحقائق والأحداث التاريخية، والمستقبلية، حيث كانت ـ بذلك ـ تنمِّي قابليات ابنتها زينب لتحدي الطغيان والفساد الذي سيصيب الأمة الظالمة في عهد الإمام الحسين، عليه السلام، وما أروعَ عقيلة الهاشميين حيث وقفت إلى جانب أخيها سيد الشهداء محامية عنه وعن أطفاله وأطفال وعوائل سائر الشهداء، بالإضافة إلى وقوفها إلى جنب الإمام المعصوم زين العابدين في محنه، حتى أنه وصف قلب عمته بقوله : “قلبها كزبر الحديد”.

كما وسجَّل التاريخ عدد من الخطب لزينب، عليها السلام، في مسجد الكوفة وفي مجلس يزيد اللعين، وتلك الخطب اذا دلت على شيء إنما دلَّت على مستوى الوعي والحكمة والعظمة التي حملتها عقيلة الطالبين.

وكل ماذكرناه غيض من فيض يدلُّ على مابذلته الزهراء من جهود في تربية أولادها عليها وعليهم أفضل الصلاة والسلام .

إنَّ لذكر مولاتنا الزهراء، عليها السلام، سعادةٌ تملأ القلوب وتهدِّأ الأرواح، فحياتها لم تكن مترفةً ولا ناعمة ولا خالية من الآهات والأنات بل على عكس ذلك، كانت حياة خشنة مليئة بالمآسي والابتلاءات، وهذه الحياة هي التي أعانتها على صنع الرجال كالحسن والحسين، عليهما السلام، وصنعت النساء البطلات المؤثرات كالسيدة زينب، ومالها من أخلاق وصنائع ومواقف

وحينما تُشرِقُ الروح ويزهر الايمان وتتوهج العقيدة يسمو الانسان ويتعالى، فإذا أضفتَ إلى ذلك اللّمسات السماوية في كيانه والعنايات الالهية المتجلية فيه، صار هذا الإنسان عنواناً آخر أو قل مخلوقاً آخر لايستطيع الانسان العادي أن يتوفر على أبعاده، و كذلك كانت الزهراء _روحي فداها _حوراءٌ أنسية، ليس لها مثيل ولا مشابه .

المصادر:

  1. البحار ج ٤٣ /ص
  2. أمالي الطوسي، المفيد ص١١٣-١١٥ / ٦٠
  3. الكافي، الكليني ج١ / ص
  4. كنز جامع الفوائد /١٨٥
  5. البحار، ح٤٣ /ص٣٧

عن المؤلف

المُدربة: عبير ياسر الزين

اترك تعليقا