بصائر

نستلهم من المولد النبوي دور الثقافة الصحيحة في انهاض المجتمع*

{ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً}، نحن في كل يوم نكرر هذه الكلمة {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، فما هو تفسير هذه الكلمة؟ وما هو ذلك الصراط؟ ومن الذين انعم الله عليهم الذين ندعو الله ان نكون معهم وعلى صراطهم؟

في سورة النساء؛ في الآية التاسعة والستين التي سُطر بها المقال، يبين ربنا وبوضوح منهم اولئك، لكن ما هو الشرط الذي يجعلنا أن نكون معهم؟

الشرط؛ هي الطاعة المطلقة والقلبية، التي لا يشوبها جدل ولا وسوسة شيطان، ربنا في مئات الآيات القرآنية يذكرنا بحالة التي الغرور، الذي هو جزء من ذاتنا وكياننا، وظلامنا، وهذا الغرور لا ينكسر إلا بمن أمر الله ـ تعالى ـ بطاعته.

 لقي إبليس موسى فقال لموسى: أنت الذي اصطفاك الله برسالته وكلمك تكليما، أذنبت وأنا أريد أن أتوب فاشفع لي إلى ربي أن يتوب علي، قال موسى: نعم، فدعا موسى ربه فقيل: يا موسى قد قضيت حاجتك: فلقي موسى إبليس وقال: قد أُمرت أن تسجد بقبر آدم ويتاب عليك، فاستكبر وغضب وقال: لم أسجد له حيا، أسجد له ميتا؟

مشكلة البشرية حينما بعث الله إليهم الأنبياء لم تكن في الإيمان به ـ سبحانه وتعالى ـ، بل كانت مشكلتهم في عدم طاعتهم للأنبياء لأنهم بشراً مثلهم!

عقدة الإنسان الأسياسية أنه لا يريد أن يخضع ويسلم أمره الى الله، فالسماوات والأرض كلها تطيع الله، {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}، لكن الإنسان يخالف ذلك، فيطيع هواه وشهواته.

علينا أن نوسع نطاق التفقه في الدين عبر الرسائل العملية، وذلك بتبسيطها، وتعليمها للآخرين

وإذا كان الإنسان صادقاً في طاعته لله، فليطع النبي، ومن قال أنه يطيع النبي، صلى الله عليه وآله، ولا يطيع الولي والائمة من بعده، فطاعته نفاق، أليس رسول الله هو من قال: إئتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده. قال عمر: إن النبي غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا! فاختلفوا وكثر اللغط قال: قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع!! فخرج ابن عباس يقول: إن الرزيئة كل الرزيئة، ما حال بين رسول الله وبين كتابه”.

ومن يقل أنه يطيع الائمة؛ ثم لا يطيع خط أهل البيت، عليهم السلام، الذين أمروا بطاعة العلماء، جاء في الرواية” علماء امتي كأنبياء بني اسرائيل”، “وفضل العالم على العابد كفضل القمر على النجوم”.

بعض الناس اليوم؛ بدأوا بإحداث البدعة في الدين، فيقولون: لماذا المرجعية؟ وحين تسرد له الأدلة من الآيات الروايات يشكك ويعاند، لانه لا يريد ان يسمع ويقتنع، ذلك أن شيطانه قوي ومتسلط عليه.

وقد تجد البعض يشكك في مرجع معين، ولذا من يتهجم على مرجع ما فكأنما تهجم على جميع المراجع، واحترام المراجع فيما بينهم أعظم من احترام الناس للمراجع، لأن المرجع يفهم المرجع الآخر، لأنه يعرف كيف أن المرجع الفلاني، كم سهر من الليالي على تحصيل العلم، فمسألة شرعية واحدة قد تستغرق اسبوعا، وفي بعض الحالات شهرا كاملا، حتى يحصل على جواب لتلك المسألة.

حينما كانت بريطانيا محتلة لإيران، طالب الناس المرجع الميرزا حسن الشيرازي للتدخل، فكان يقول لهم: إن شاء الله عما قريب!

وفي ليلة معينة؛ وكانت ليلة جمعة خرج هذا المرجع بنصف سطر: اليوم استخدام التنباك بحكم محاربة الإمام الحجة”، وكان ذلك في أوج قوة بريطانيا، التي كانت تحكم العالم كله، فدول الشرق والغرب معهم، ولكن بفتوى من الميرزا الشيرازي هزّت تلك الامبراطورية، وبفعل تلك الفتوى خرج الإحتلال البريطاني من إيران، والى الآن لا يزالون يخافون من المرجعية.

فإذا كنا نحتاج الى الوسيلة في كل شيء في حياتنا؛ فإذا كان احدهم يعاني من ألم في رجله، فإنه يستعين بالعصا ليتوكأ عليه اثناء المشي، وإذا كان آخر يعاني من ضعف في نظره، فإن يستخدم النظّارة وهكذا في بقية الأمور.

فهذا هو طريق الحق؛ صحيح أنه صعب لكن الوصول الى الجنة، والخلاص من النار، يستحق سلوك هذا الطريق الوعر، لأنه بمجرد أن يدخل أي إنسان النار فإن الدنيا لا تساوي شيئا ـ عنده ـ حينها، يقول الله: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}.

اليوم هجمة الأعداء على علينا اختلفت عما كانت عليه في الماضي، فيما قبل كانت المنابر تسبُّ علياً وأهل بيته، أما اليوم فإن الحرب توجهت عبر طرق وسائل التواصل الإجتماعي، ولذا فإن علينا دور يجب أن نقوم به.

إن دورنا  يكمن في تثقيف المجتمع، ففي العراق ـ مثلاً ـ زيارة الأربعين هذا العام كان عدد الزائرين ما يقارب الثمانية عشر مليونا، واحد وأربعين بالمئة من هؤلاء الزائرين من فئة الشباب من كلا الجنسين.

فأغلبهم يفتقرون الى الثقافة الصحيحة، كمعرفتهم بالدين، والقضايا السياسية الدينية، فهو يمشي مئات الكيلو مترات، ويطلم على الإمام الحسين، عليه السلام، وقلبه صافٍ، ولكن هناك تقصير من الحوزات وعلماء الدين، بعدم تحملهم المسؤولة تجاه الشباب وتفقيههم أمور الدين.

يقول الإمام الصادق، عليه السلام: “ليت السياط على رؤوس اصحابي حتى يتفقهوا بالدين”، فالتفقه في الدين أمر مهم.

فالجيل الموجود من العلماء لا يبقون الى الأبد، {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، فهل من الصحيح أن ندع اولئك الشباب الذين يتراوحون بين ستة الى سبعة ملايين زاروا الإمام الحسين، عليه السلام، هذا العام، أن ندعهم للأهواء، والتلفزيونات، والموبايلات؟

الإمام الصادق مؤسس الحوزات العلميّة

ونحن إذ نعيش ولادة الإمام الصادق، عليه السلام، مؤسس الحوزرات بعد أبيه، وهو الذي نشر العلوم في الآفاق، لابد من توصية الى العلماء:

نبينا الأكرم، صلى الله عليه وآله، في حجة الوداع بين حدود الأمة الإسلامية بكلامات ثلاث، يقول: نضّر الله عبداً سمع مقالي فوعاها ثم بلغها لغيره فرب حامل علم الى من لا علم له ورب الى من هو أفقه منه المسلمون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم”.

نحن بحاجة الى التفقه في الدين؛ فالموظف بحاجة الى ذلك، وكذلك الذي يصلي ويصوم، ومَن ينوي الزواج عليه أن يعرف أحكام الدين في الزواج..

فلا فرق بين المسلم الايراني والصيني، وبين العراقي والباكستاني ..، وإذا ألمت بمسلم مصيبة في أي مكان، فإن على المسلمين أن يدافعوا عنه.

في احصائية؛ سجن الكيان الصهيوني منذ أن جاء الى فلسطين، حوالي ثمانمئة ألف شخص، أي ثلث الشعب الفلسطيني، ومختلف الجرائم ترتكب بحق هذا الشعب من قبل الصهاينة، ومع ذلك ترى البعض يسعى وراء التطبيع، وهم من يسعون للتفرقة بين الشيعة، بإثارة التفرقة بين هذا المرجع، وذاك المرجع.

الحوزات البيتيّة حاجة ضروريّة

لذلك يجب أن يقوم كل واحد منا بدوره الذي يستطيع {فاتقوا الله ما استطعتم}، يجب تأسيس حوزة صغيرة، سواء في البيت، او المسجد، يقول الإمام، علي عليه السلام: “عليكم بالأحداث ..”، فنعلمهم القرآن الكريم، والتاريخ، والصلاة، وما أشبه، وللأسف فبعض ـ الكبار ـ لا يعرف من الأحكام الشرعية إلا النزر القليل، خصوصا في احكام الزواج والأسرة.

“لو ثنيت لو الوسادة ـ والكلام للمرجع المدرسي ـ فإنني لا اسمح لأي أحد بأن يوقع على عقد النكاح، إلا بعد أن يقدم الزوج والزوجة شهادة من معهد ديني تثبت دراستهم لمدة ثلاثة أشهر لأحكام الزواج، ولا اوافق على توظيف أي واحد في أي دائرة إلا بعد يأتي بشهادة ـ أيضا ـ معهد ديني تحمل أنهم يعلمون ما معنى خدمة الناس، ومعنى الوظيفة وما يتصل بها”.

عقدة الإنسان الأسياسية أنه لا يريد أن يخضع ويسلم أمره الى الله

في بعض الدول يدخل ضباط الجوازات دروات في كيفية التعامل مع المواطنين والمراجعين، فلا يصح أن يتعامل الموظفون مع عامة الناس إلا بالاحترام والتفاني في خدمتهم.

جاء احدهم الى الإمام فقال: كل شيء فيه حد، فما هو حد الماء؟ فبين له الإمام ثلاثين حكما في آداب شرب الماء، فإذا كان للماء آداب واحكام، فهل يعقل أن تخلو الوظيفة من ذلك؛ (روح اليوم تعال باجر). وغيرها من العبارات.

والى أن نصل بالثقافة الإسلامية الى مستوى عالٍ نحتاج:

  • نحن بحاجة الى التفقه في الدين؛ فالموظف بحاجة الى ذلك، وكذلك الذي يصلي ويصوم، ومَن ينوي الزواج عليه أن يعرف أحكام الدين في الزواج، وما هو معنى العِشْرة بالمعروف، وما هو الحرام، وما هو الحائز وما أشبه.
  •  على التجار أن يتفقوا في أحكام الدين، فقد كان أمير المؤمنين، عليه السلام، يمشي في اسواق الكوفة وينادي: “معاشر التجار الفقه ثم التجارة”، وفي رواية: التاجر فاجر حتى يتفقه في الدين”.
  • علينا أن نوسع نطاق التفقه في الدين عبر الرسائل العملية، وذلك بتبسيطها، وتعليمها للآخرين، وعلى الشباب ان يؤسسوا حوزات علمية إلكترونية حسب المستطاع، ويدرسون الناس عبرها.

  • مقتبس من محاضرة للسيد المرجع المدرسي( دام ظله).

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا