ثقافة رسالية

هل يمكن أن تسبق الآحاد، العشرات؟!

هل فكرت يوماً بأن تفعل كل يوم حسنة؟…

هل فكرت يوماً بأن تفعل كل يوم حسنة؟
هذا السؤال قد يكون مثيراً لكنه يتداعى إلى الذهن عندما يقرأ أحدنا هذا الحديث عن الإمام السجاد عليه السلام وهو حديث رهيب لأنه يضع الانسان أمام حقيقة مرّة للغاية، والحديث يقول: «يا سوأتاه لمن غلبت آحاده عشراته يريد أن السيئة بواحدة والحسنة بعشرة».(1)
الحقيقة مُرّة ومؤلمة، نعم؛ ربما تغلب سيئاتنا الأحادية على حسناتنا العشراتية، وهذا سيكون حال أكثر البشرية كما يذكر ذلك القرآن الكريم، والذي يوبخ الأكثرية في أكثر من موضع وموضع، وهو ما يدل على أن الآحاد ستغلب العشرات.
لكن الإمام السجاد، عليه السلام، نفسه ينبهنا إلى برنامج قد يفيدنا وينقذنا من هذه الورطة التي نحن فيها، فالامام وفي اطار تفسيره لقوله تعالى، {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}، (سورة الأنعام: 160) يقول، عليه السلام: «فالحسنة الواحدة إذا عملها كتبت له عشراً، والسيئة الواحدة إذا عملها كتبت له واحدة فنعوذ بالله ممن يرتكب في يوم واحد عشر سيّئات ولا تكون له حسنة واحدة فتغلب حسناته سيئاته».(2)
لاتستغرب إذا حدثتك عن التخطيط للقيام بالحسنات، ذلك إنه حتى وإن لم تخطط لذلك، فإن هناك من يخطط ليوقعك بالخطيئة، فهو يبدع أفضل الطرق والوسائل لكي يجرك إلى ارتكاب الخطأ، ولديه جيش جرار من المستشارين الذين يدرسون خصائصك النفسية والعقلية ويضعون لك مخططاً شاملاً ليوقعوك في شراكهم.
هنا؛ أنت ماذا تفعل؟
هل فكرت بالعدو الذي يخطط ليل نهار لكي يوقعك في نار جهنم؟
وهل فكرت بالخطط الجهنية التي يعدها وينفذها ليستميلك إلى جانبه؟
وهل عرفت نقاط الضعف التي يدخل من خلالها إليك؟
وهل فكرت بمخطط لمنعه من التغلغل إلى فكرك ونفسك؟
إذا كــــنــــت عاجــــــــــــــزاً عن مواجـــــهة مخططات هـــذا العــــــدو، فعلى أقــــل التقــــادير ضــع لنفســــك مخـطـــــطاً لأداء الحســـنات، بأن تنوي أن تفعل هذه الحسنة كل يوم ثم تزيد عليها يوماً بعد يوم وأنت تفرضها على نفسك حتى وإن كانت مستحبة، وهكذا سيزيد ميزان حسناتك لتوازي زيادة ميزان سيئاتك.
المشكلة تكمن في تصورات الناس، فهم يريدون أن يقيّموا الأفراد على أساس لونين، أما أسود أو أبيض، وهذا تصور غير واقعي ولايمكن تقييم الناس على اساس أنهم إما ملائكة أو شياطين.
كان لدي صديق يحمل مثل هذه الافكار الخاطئة، فهو يعتقد انه إذا انجرف نحو الطريق المنحرف عندها لا معنى لالتزامه ببقية الفرائض والواجبات، ويظن أن المرء إذا ارتكب إثماً معيناً فيجب أن يتخلى عن بقية التزاماته الدينية، ويترك الصلاة والصوم وبقية الفرائض!
وهذا تصور بلاشك خاطئ، لأنه يفترض الناس على كونهم إما شياطين أو ملائكة، لكن الإنسان هو إنسان، خليط من الخير والشر، مرة يغلب هذا على ذاك، ومرة يغلب ذاك على هذا، وهكذا قلوب الناس في حالة من التلون والتغير.
بالطبع؛ نحن لا نقول إن التغيير يحدث بسرعة كبيرة، لكنه يحدث عند المؤمنين وعند غيرهم، وزمن التغيير وسرعته تحدده طبيعة الشخص والمؤثرات البيئية والاجتماعية.
وكلما صقل المؤمن إرادته في مواجهة المغريات والتحديات كان أقدر على الاستمرار في نهجه وطريقه المستقيم وكلما حسن عمله، ضاعف الله له حسناته بحيث يؤجره على كل حسنة سبعمائة، كما جاء في حديث الإمام الصادق، عليه السلام، الذي قال: «إذا أحسن المؤمن عمله، ضاعف الله عمله لكل حسنة سبعمائة وذلك قول الله تبارك وتعالى [وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ]».(3)
وهنا سنجري اختباراً لنكتشف أنفسنا هل نحن من زمرة المؤمنين أم لا؟
الاختبار يضعه أمامنا رسول الله، صلى الله عليه وآله، الذي يقول: «من ساءته سيئة وسرته حسنة فهو مؤمن»، ذلك أن أناساً يرتكبون المعاصي ولايحسبون أنهم فعلوا شيئاً ولايراجعون أنفسهم في ذلك فيحرموا حتى من الاستغفار.
وبخلاف التصورات الخاطئة لدى الناس بأن المؤمنين لا يأثمون، بل هم يذنبون، لكن الفرق بينهم وبين الآخرين، أنهم ينتبهون بأسرع ما يمكن إلى الخطأ الذي ارتكبوه ويستغفرون الله منه ويعاهدونه عزوجل على أن لا يعودوا إليه مرة أخرى، وقد ورد عن الإمام الرضا، عليه السلام، قوله: «المؤمن الذي إذا أحسن استبشر، وإذا أساء استغفر».(4) فالفرق هنا بين المؤمن وغير المؤمن في أن المؤمن يستغفر من ذنبه والآخر لايستغفر.
ذلك الصديق الذي تحدثت عنه، لديه أفكار خاطئة أخرى وهي؛ أنه من كان لديه ماض سيئ وتاريخ أسوأ، مليء بصفحات الذنوب لايحق له أن يغير نفسه ويبدأ صفحة ايمان جديدة، فهذا الصديق يسخر دوماً من ظاهرة توبة الممثلين أو إرتداء بعض الممثلات للحجاب، ويصف هذا التحول بأنه نوع من النفاق!
مع أن الجواب على هذه القضية ليست من الأمور المستصعبة لكننا سنأخذ جوابنا من القرآن الكريم حتى يكون داعماً لحجتنا في ما نذهب إليه، فالقرآن الكريم يقول: {إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، (سورة النمل: 11). فالله – سبحانه وتعالى- هو الغفور الرحيم وهو الذي فتح بابه الواسعة للتوابين، والتوبة هي درجة رفيعة من درجات المؤمنين.
————————————
(1). تحف العقول/ ص203
(2). بحارالانوار/ ج71/ ص243
(3). بحارالانوار/ ج71/ ص247
(4). بحارالانوار/ ج71/ ص259.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا