مناسبات

شهر الله

جاء في دعاء دخول شهر رمضان: “وَالْحَمْدُ لِلّه الَّذِي جَعَلَ مِنْ تِلْكَ السُّبُلِ شَهْرَهُ شَهْرَ رَمَضَانَ، شَهْرَ الصِّيَامِ، وَشَهْرَ الإِسْلَام، وَشَهْرَ الطَّهُورِ، وَشَهْرَ التَّمْحِيْصِ، وَشَهْرَ الْقِيَامِ، الَّذِي أُنْزِلَ فِيْهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ، وَبَيِّنَات مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقَانِ “.

شهر رمضان من إحدى الطرق الذي توصلنا الى رضوان الله تعالى، ويسمى شهر الله في ثقافتنا الاسلامية، لان جميع ما سوى الله مخلوق ومنسوب لله تعالى، فنقول بيت الله عن الكعبة المشرفة مثلاً، حيث يقول الرسول، صلى الله عليه وآله، في خطبته في استقبال شهر رمضان:  “قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُم شَهْرُ اللهِ بِالبَرَكِةِ وَالرَّحْمَةِ وَالمَغْفِرَةِ “.

ولكن يخطر في البال تساؤل: طالما كل ماعدا الله مخلوق ومنسوب لله، فلماذا خص شهر رمضان من بين الشهور بهذا الاسم؟

وذلك لندرك أهمية هذا الزمان من السنة، لنستفيد من الرحمة الالهية بشكل أكبر في هذا الشهر التي تكون أكثر منها في أي شهر من أشهر السنة، فيقبل العباد عليه أكثر ليستزيدوا من الرحمة الالهية فيه .

🔺 يجب أن يُحيى هذا الشهر بالأعمال الصالحة، و اجتناب كل ما يسيء إلى مكانته و فضله مما يخدش في مفهوم الصيام الكامل، و هو اجتناب كل المفطرات المادية و المعنوية و السلوكية

ويعد الإمام السجّاد، عليه السلام، أنّ ميزة هذا الشهر هي كونه (رمضان)، (شَهْرَ رَمَضَانَ) فما معنى اسم (رمضان) وما هو وجه التسمية بهذا الاسم؟

غير أنّ من جملة المباحث التي يمكن قبولها أكثر من البقية: هو أنّ الله ــ تعالى ــ قد خصّ شهر رمضان من بين أشهر السنة الاثني عشر بذكره في القرآن الكريم بالاسم، حيث قال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.

قال رسول الله، صلى الله عليه وآله: “إنما سمي الرمضان لأنه يرمض الذنوب”، وعنه صلى الله عليه وآله: “لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى ولكن قولوا: شهر رمضان”.

هذا الأمر بذاته يكشف عن لطف الله الخاص بهذا الشهر، كما يكشف هذا الأمر المهمّ أيضاً عن أنّ تسمية شهر رمضان المبارك ليس أمرا ذوقيا وتابعا لميل هذا وذاك، بل هو اسمٌ ارتضاه الله لهذا الشهر، ولهذا السبب يعد الإمام السجاد، عليه السلام، أنّ إحدى صفات هذا الشهر هي اسمه: شهر رمضان.

وسُمّي بشهر الصيام فقد خصه الله بأكمله بالصيام ويكون العبد فيع بضيافة الله ــ تعالى ــ، وقد عَبَّرَ عنه النبي الأكرم، صلى الله عليه و آله، بقوله: “شهر هو عند الله أفضل الشهور، و أيامه أفضل الأيام، و لياليه أفضل الليالي، و ساعاته أفضل الساعات”.

لذلك يجب أن يُحيى هذا الشهر بالأعمال الصالحة، و اجتناب كل ما يسيء إلى مكانته و فضله مما يخدش في مفهوم الصيام الكامل، و هو اجتناب كل المفطرات المادية و المعنوية و السلوكية.

و في مجتمعنا ـ كما في الكثير من المجتمعات الإسلامية الأخرى ـ توجد بعض العادات و السلوكيات الحسنة التي يجب أن تُنَمَّى وتُقَوَّى، كما توجد في المقابل بعض العادات و السلوكيات الخاطئة التي ينبغي التخلص منها، و إحلال السلوكيات الحسنة مكانها.

ومن السلوكيات الحسنة :

  • عقد جلسات لتلاوة القرآن الكريم، فقد ورد عن النبي، صلى الله عليه و آله، قوله: “من تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور”، و قال الإمام الباقر عليه السَّلام: “لكل شيء ربيع، و ربيع القرآن شهر رمضان”.
  • –  التصدُّق والاهتمام بالفقراء والمساكين، اقتداءً بقول الرسول الأكرم، صلى الله عليه و آله: “و تصدقوا على فقرائكم و مساكينكم، ووقروا كباركم، و ارحموا صغاركم، و صلوا أرحامكم، و تحننوا على أيتام الناس يُتحنَّن على أيتامكم “.
  •  تنشيط الزيارات كزيارة الأرحام والأصدقاء، والاجتماع في المجالس مما يضفي أجواءً من التفاعل والحيوية بين مختلف شرائح المجتمع، إذ يقول، صلى الله عليه و آله: من وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، و من قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه”.

كما ورد الحث على زيارة المؤمنين و الأصدقاء، فقد روي عن النبي الأكرم، صلى الله عليه و آله: “من زار أخاه المؤمن إلى منزله لا حاجة منه إليه كتب من زوار الله، و كان حقيقاً على الله أن يُكرم زواره”، و قال صلى الله عليه و آله أيضاً: “الزيارة تنبت المودة”، و قال الإمام الصادق، عليه السلام: ما زار مسلم أخاه المسلم في الله ولله إلا ناداه الله عَزَّ و جَلَّ أيها الزائر طبت و طابت لك الجنة “.

فزيارة المؤمنين و الأصدقاء و الأرحام لها فوائد عظيمة، لَعًلَّ من أهمها: تقوية العلاقات الاجتماعية، و إشاعة الأخوّة بين المؤمنين، و إزالة الضغائن و التشنجات من النفوس، و تثبيت المودة و المحبة بين أفراد المجتمع.

  •  الاقبال على صلاة الجماعة : وذلك بالأخص في صلاتي المغرب والعشاء، فتمتلئ المساجد بالمصلين جماعة، وهي مستحبة مؤكدة في كل وقت، وفي شهر رمضان يتضاعف الأجر فيها، روي عن رسول الله، صلى الله عليه و آله: “قد أظلكم شهر رمضان، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، و قيامه لله عَزَّ و جَلَّ تطوعاً، من تَقَرَّبَ فيه بخصلة من خير كان كمن أدَّى فريضة فيما سواه، و من أدَّى فيه فريضة كان كمن أدَّى سبعين فريضة فيما سواه”.

وعلى الانسان أن يعاهد نفسه فيه على الالتزام بإتيان صلاة الجماعة في كل أيام السنة لما في ذلك من تقوية للحالة الدينية في المجتمع، و تنمية أواصر الأخوة بين المؤمنين، و خلق الأجواء الإيمانية و الروحية في الفضاء الاجتماعي العام.

  • تبادل أطباق الطعام : ويكون ذلك بين الأرحام والجيران وهذا يساهم في خلق أجواء من الصفاء النفسي الذي يذيب مشاعر الكراهية التي قد توجد بين بعض الناس لأسباب مختلفة، وتساهم في تقوية النسيج الاجتماعي مما ينعكس أثره على التعامل الإيجابي بين الناس.

 فليتبادل المؤمن الطعام بعنوان (إفطار صائم) لما له من أجرو ثواب عظيم، كما ورد عن الرسول الأعظم، صلى الله عليه و آله،: “أيها الناس: من فَطَّرَ منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة، و مغفرة لما مضى من ذنوبه، قيل : يارسول الله ! و ليس كلنا يقدر على ذلك، فقال: اتقوا النار ولو بشق تمرة، اتقوا النار ولو بشربة ماء”.

ولابدَّ لنا هنا أن نذكر إخواننا في فلسطين المحتلة وما يجري عليهم في هذا الشهر الفضيل من عدوان وأذى، وخاصة أن سياسة اسرائيل هي التجويع، فلا ننساهم من الدعاء في كل وقت، واذا استطعنا رفع الجوع عنهم ولو بقدر استطاعتنا فلا نقصِّر، ساعدهم الله ومسح على قلوبهم وأرواحهم .

واذا وجهنا النظر للعادات السيئة في هذا الشهر بغية معرفتها ومحاولة التخلي عنها، نجد منها :

  •  قلة الفاعلية:  وذلك باتخاذ هذا الشهر شهراً للنوم والكسل وبالتالي تتدنّى انتاجية المؤمن على جميع الأصعدة سواءً في عمله أو في بيته، عبادته، بينما نلحظ التأكيد الشديد في تعاليم ديننا على أهمية إحياء أيام و ليالي شهر رمضان الكريم في العبادة و الذكر و الدعاء، و مضاعفة الأعمال الصالحة، فشهر رمضان الأعمال فيه مقبولة كما ورد عن النبي الاكرم، صلى الله عليه و آله: “و عملكم فيه مقبول، و دعاؤكم فيه مستجاب” و ما دام الأمر كذلك، فيجب على كل واحد منا أن يضاعف فيه العمل الصالح، و أن يُحيي شهرَ رمضان بالعبادة، و الدعاء، و الاستغفار، و التوبة النصوح .
  •  الإسراف في الطعام: من السلوكيات الخاطئة أيضاً أيام شهر رمضان المبارك هو الإسراف و الإفراط في شراء وتناول الطعام و كأنه يريد تعويض ما فاته وقت النهار، مما يضيِّع على نفسه الفوائد الصحية من الصيام.

و القرآن الكريم يشير إلى حقيقة مهمة و هي أهمية الاعتدال في الأكل و الشرب، يقول تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} و يقول الرسول العظيم، صلى الله عليه و آله: “إياكم و فضول المطعم فإنه يسم القلب بالفضلة، و يبطئ بالجوارح عن الطاعة، و يصمّ ُالهمم عن سماع الموعظة”، و يقول الإمام علي، عليه السلام: “من كثر أكله قلت صحته، و ثقلت على نفسه مؤونته”، و قال أيضاً: “كثرة الأكل و النوم يفسدان النفس، و يجلبان المضرة”، و قال الإمام الصادق، عليه السلام: “ليس شيء أضر لقلب المؤمن من كثرة الأكل، وهي مورثة لشيئين: قسوة القلب، و هيجان الشهوة”، وذلك عدا الوقوع في إثم التبذير والاسراف.

🔺 من السلوكيات الخاطئة أيضاً أيام شهر رمضان المبارك هو الإسراف و الإفراط في شراء وتناول الطعام

فيجب أن يكون شهر رمضان محطة للتأمل و التفكر في طريقة تناولنا للطعام، و التدرب على الانضباط في المأكل و المشرب، و الاعتدال دائماً في تناول الأغذية، و بذلك يتحقق لنا الفوائد الصحية من الالتزام بفريضة الصيام، و كما قال الرسول الأعظم، صلى الله عليه و آله: “صوموا تصحوا”.

  • الادمان على مشاهدة التلفاز: وهذا ماعودت الناس عليه الفضائيات والقنوات بجعل هذا الشهر موسماً للاتجار بالمسلسلات، فعلينا ألا نقع في هذا الفخِّ، فلا فائدة ترجى منها، عدا ما يوقعنا في الحرام، فعلينا أن نتوجه إلى الله ــ تعالى ــ في شهر الله، شهر رمضان، الذي “هو شهر أوله رحمة، و أوسطه مغفرة، و آخره عتق من النار” بالدعاء والاستغفار والأذكار .

كما قال الرسول، صلى الله عليه و آله: “إن الشقي حق الشقي من خرج منه هذا الشهر و لم يغفر ذنوبه”، و عنه أيضاً قوله: “فمن لم يغفر له في رمضان ففي أي شهر يغفر له”.

ليكن شهر رمضان الفضيل محطة لمجاهدة النفس، و ممارسة الرياضة الروحية، و الارتقاء إلى معالي الكمال المعنوي، و التخلص من الانشداد إلى الماديات ونحن بحاجة لاستثمار أجواء رمضان الإيمانية في تكريس السلوكيات و العادات الحسنة، و التخلص من السلوكيات و العادات الخاطئة، و تجذير القيم الأخلاقية في البنية الاجتماعية، و إشاعة السلوكيات الحسنة في الفضاء الإجتماعي العام، و بذلك تتحقق الغايات النبيلة من فلسفة الصيام.

عن المؤلف

المُدربة: عبير ياسر الزين

اترك تعليقا