ثقافة رسالية

اكتشف جوانب عبقريتك

خَلقُ الله ـ تعالى ـ متين لا ثغور فيه ولا  فطور وهو القائل: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ}.

ولان الانسان هو سيّد المخلوقات فلا يوجد شخص إلا وخلق الله فيه جوانبا من العبقرية تنفعه وتنفع الناس إذا اكتشفها واستغلها، فقد يتفوّق فيها  على غيره، كما يتفوّق غيره عليه في غيرها، ولذلك فلا توجد عبقرية مطلقة، كما لا يوجد غباء مطلق.

فكم من عبقري ذائع الصيت تراه ضعيفا في ابسط الاشياء، وكم من عالِم كبير يرجع إليه الناس يعجز عن فهم مسألة بسيطة في قضايا حياتية هامة، وهكذا لا يوجد عبقري كامل، ولا غبي مطلق.

إن الانسان على اقل التقادير يشبه الوردة، فلكل وردة رائحتها المتميزة، وشكلها الخاص، وفائدتها وجمالها، فكل انسان مهما كان ضعيفا في جانب من الجوانب فهو قوي في جانب آخر.

⭐ إن الانسان على اقل التقادير يشبه الوردة، فلكل وردة رائحتها المتميزة، وشكلها الخاص، وفائدتها وجمالها، فكل انسان مهما كان ضعيفا في جانب من الجوانب فهو قوي في جانب آخر

وحتى العيوب الخُلُقية، مثل العمى والصم والخرس، والنقص في الاعضاء فإن المصاب بها يتمتع عادة بتفوق في جوانب أخرى؛ فمن يُصاب بالعمى يتمتع بحاسّة قوية في السمع، ومن يكون ضعيفا في جانبه الايمن يكون قويا جانبه الايسر، ومن يكون فاقدا لاحدى رجليه، او لكليهما، سيكون متفوقا في استخدام يديه، ولربما يكون النقص الجسدي سببا للتفوق في كل النواحي، او يكون سببا للتفوق في الجانب العقلي.

هذا توماس أديسون (1847 – 1931م) صاحب الــ (2500) اختراع، والمعروف بمخترع المصباح الكهربائي اصيب بالصمم في مقتبل حياته، وكانت هذه العاهة سببا من اسباب عبقريته الرجل، لانها مكنّتهر من التفكير بطريقة  افضل لتجاوز المعوقات الخارجية وجنبته الثرثرة والخوض في الاحاديث التافهة، فالضعف او القصور في احد الاعضاء يحفز الاعضاء الاخرى على العمل بطاقة اكبر.

ولذلك فإن الذي يقوم بعملية جراحية مثلا، ويزيل احد كليتيه فإن الكلية الاخرى تقوم بعمل الكليتين، ومن يصاب بانسداد في صمام قلبه فإن القلب سيتضخم لتعويضه عن هذا النقص او العاهة.

وبشكل عام فإن كل واحد منا قوي في شيء وضعيف في شيء آخر، ولكل انسان مواهب خلّافة إذا اكتشفها واستغلها سيتفوّق على أقرانه، وهكذا فإن النقص ليس ضعفا، وإنما الضعف هو الانطواء والتقوقع، وفقدان الثقة بالذات والكسل وما شابه ذلك.

والسؤال هو: كيف نكتشف جوانب العبقرية فينا؟ ثم كيف ننميها؟

الجواب: لا تنتظر أن تكتشف جواب العبقرية في نفسك في صورة واضحة ووهج قوي، إنما راقب نفسك فإذا وجدت أصغرعلامة على لتفوقك في جانب ما فاعتبرها مؤشرا، وحاول ان تتعمق في ذلك الجانب وأن تنمي ممواهبك فيه.

إن العبقرية تظهر للانسان في صورة ضوء خافت، فإذا وجد  انشداد الى عمل ما، واستطاع ان يحرز بعض النجاحات الصغيرة والتقدم الأولي، فلابد أن ينطلق فورا.

إن ربنا ــ عز وجل ــ هو الذي يخلق في الانسان جوانب العبقرية، وهو الذي يكشفها له ربما في لحظة من اللحظات او اكثر من مرة، وعلى الانسان ان يلتقط الاشارة وينطلق معها.

⭐ نحن في هذه الحياة مثل انسان يعيش في مغارة مظلمة تماما وبمجرد ان يجد بصيصا من النور فلابد ان يزحف باتجاهه، فإذا وجدتَ البصيص فحاول ان تتوجه نحوه

فنحن في هذه الحياة مثل انسان يعيش في مغارة مظلمة تماما وبمجرد ان يجد بصيصا من النور فلابد ان يزحف باتجاهه، فإذا وجدتَ البصيص فحاول ان تتوجه نحوه، لان “من استرفد العقل ارفده” كما يقول امير المؤمنين، عليه السلام.

ولا تنسَ أن العبقرية ليست لها حالة انفجارية في الانسان، بل هي حالة تراكمية، فالخطيب المفوّه الذي يعده الناس عبقريا في الخطابة لم يحصل على تلك الموهبة مرة واحدة، وإنما تراكمت لديه التجربة، وتابع العمل، والنشاط، وحاولَ مرات عديدة، وحسّن من موهبته البدائية ثم اصبح الخطيب المتفوّق الذائع الصيت، كذلك في الجوانب المختلفة: لا عبقرية بلا اتعاب، ولا نمو بلا تعهد للموهبة.

يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “إن افضل الناس عبد الله من أحيا عقله” فكن ممن يُحيي عقله، ويستكشف جوانب العبقرية النائمة في داخله، وبذلك سترتقي بنفسك وبشخصيتك الى اعلى الدرجات.


  • منقول من كتاب كيف تبني شخصيتك.

عن المؤلف

آية الله السيد هادي المدرسي

اترك تعليقا