أسوة حسنة

الزهراء عليها السلام سيدة العفاف

لقد قدّم لنا الرسول الأعظم محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، النموذج الأكمل للانسان الذي نستقي منه، نساءً كنا أم رجالاً، ما نحتاجه في كل مجالات الحياة ومايهمُّنا لآخرتنا سلوكاً ومنهاجاً، قدم لنا سيدة نساء العالمين ابنته وقرة عينه فاطمة الزهراء، عليها السلام، فهي نموذج الانسان الكامل في كل المجالات وعلى جميع الأصعدة هي سيدة نساء العالمين، هي سيدة الستر والعفاف.

  • معنى الستر اللغوي والاصطلاحي:

تعتبر كلمة الحجاب كلمة معاصرة نسبياً، فالمعنى اللغوي لكلمة (الحجاب) التي تستعمل في عصرنا هذا لتدل على الستر الذي تلبسه المرأة تعني اللباس والارتداء، كما تعني الستارة والحاجب، وأكثر استعمالها للستارة.

وهذا المصطلح عند الفقهاء القدامى كان غير مستخدم، أمَّا كلمة (الستر) هي المستعملة، فهم يستعملون في كتاب الصلاة والنكاح ــ اللذين يتناولان هذا الموضوع ــ كلمة (الستر) بدل (الحجاب)، وكان من الأفضل لو أنَّ هذه الكلمة لم تتغير وبقيت على حالها كالسابق (الستر)، وذلك لأن معنى الحجاب الشائع هو الستارة، فاستعمالها لحجب المرأة قد يعني بقائها وراء الستارة، ولعل هذا هو الذي دفع بالكثيرين إلى الظنِّ بأنَّ الإسلام يريد المرأة أن تبقى وراء الستارة وحبيسة الدار دائماً، فلا تخرج منها.  

قال تعالى مخاطباً النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ}

⭐ سيدتنا الزهراء، عليها السلام، من الشخصيات التي أغنى نبينا محمد، صلى الله عليه وآله، رسالته بها، وهي شخصية فاعلة ومؤثرة تعتبر قدوة تسمو بالذات الانسانية الى مراتب الكمال، وقد بلغت، عليها السلام، أعلى مراتب الستر والعفاف

فالحجاب هو ستر المرأة جسدها ماعدا الوجه والكفين وبعض العلماء يحتاطون بسترهما وهذه الثياب لابدَّ أن تكون فضفاضة لاتشفُّ ماتحتها وغير مزينة وملفتة، قال ــ تعالى ــ : {ولايبدين زينتهنَّ الَّا ماظَهَرَ مِنْها}. (سورة النور الآية: ٣١).

لذلك لابدَّ أن يرافق الحجاب عدم التبرج، فكلُّ ما تتزين به المرأة من مساحيق وزينة تبرز أنوثتها بشكل ملفت وصارخ يعدُّ تبرجاً ومنهيٌّ عنه، قال  ــ تعالى ــ : {ولا تبرجن تبرُّج الجَاهِلِيةِ الاولى}. (سورة الاحزاب الآية: ٣٣).

وسيدتنا الزهراء، عليها السلام، من الشخصيات التي أغنى نبينا محمد، صلى الله عليه وآله، رسالته بها، وهي شخصية فاعلة ومؤثرة تعتبر قدوة تسمو بالذات الانسانية الى مراتب الكمال، وقد بلغت، عليها السلام، أعلى مراتب الستر والعفاف.

يروى أنَّ رسول الله، صلى الله عليه وآله، دخل عليها بيتها ومعه رجل أعمى فاحتجبت منه، عليها السلام، فعندما خرج، سألها الرسول لما احتجبت منه وهو لايراكِ ؟ فأجابته: إن لم يكن يراني فإنِّي أراه وهو يشمُّ الريح، فقال: أشهد أنك بضعة مني.

وأيضا عندما مُنِعت، عليها السلام، أرض فدك، وأرادت الخروج للمطالبة بحقِّها تذكُر الرواية أنها لاثت خمارها على رأسها واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمة حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها.

  • الحجاب الباطن

المقصود بالحجاب الباطنيّ هو ما يحجب الإنسان، عن الرّذيلة والفساد وكلّ ما يسخط الله، فهو العفّة والحشمة وغضّ البصر، والحجاب الباطنيّ هو الحجاب الّذي يتعلّق بسلوك الفتاة والمرأة، وكذلك الفتى والرّجل، وهو كذلك مهمّ، حيث إنّ كلّ من الحجابين مكمّل للآخر، ولا معنى للحجاب الحقيقيّ إلّا بمراعاتهما معاً.

إنَّ على الرجل والمرأة على حدًّ سواء أن يغضُّوا البصر فلا ينظرَ أحدهم للآخر نظرةَ ريبةٍ أو شهوة، وفي المقابل أمر الاسلام المرأة بستر جسدها، وعدم خروجها متبرجة معطَّرة، وأن تخفض صوتها ولا تخضع به وترققه، فيطمع الذي في قلبه مرض.

والاسلام منع المرأة من الخصوع بالقول ولين اللسان والغنج والدلال والتمايل أثناء المشي وغيرها مما يجذب الرجل لها، فالرجل صيد من زاوية القلوب والمرأة صائد، والمرأة صيد من جهة الجسد والرجل صائد، قال الإمام الصادق، عليه السلام : “إنّ النظر سهم من سهام إبليس مسموم”

  • هل للوالدين دور في التزام بناتهم بالحجاب؟

قال ــ تعالى ــ :  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}.(سورة التحريم الآية:6).

فالستر والحجاب ليس داخلاً كما يصوُّر البعض في نطاق الحريات الشخصية المحضة، فالاسلام يأمر بالحجاب ويعتبره واجباً حاله حال سائر الواجبات كالصلاة والصيام.. وغيرها، فلذلك على الوالدين بيان معنى الحجاب وفوائده ومضار تركه، لا مجرد إلباسه للفتاة في عمر التكليف بدون أيِّ شرح أو توضيح، والحجاب لا يكون بمجرد أوامر عسكرية اعتباطية، بل لابدَّ من اعتماد أسلوب اقناعي تربوي محبب وغير منفر، كما أنَّه لايصحُّ منهم أن يلبسوا ابنتهم الستر بحجة العيب والعُرف، فتنشأ لا تعلم لماذا تحجبت، بل لربما في أيِّ وقت تسنح لها الفرصة وتكون بعيدة عن  أعمامها أو أخوالها تتنازل عنه بكل سهولة وبدون وعي.

وأيضاً لابدَّ من وضع الفتاة في مجتمع وأجواء تشجعها على الستر والعفة كاختيار المدرسة المناسبة والدورات الصيفية المناسبة أيضاً، ومساعدتها في اختيار صديقات من عوائل ملتزمة، فصحيح أنَّ للتربية المنزليَّة دور، ولكنَّ للمجتمع أثره القويُّ.

 وعليهم التدرُّج في إلباسها الحجاب قبل سنِّ التكليف لتتعود ذلك، فيشترون لها عباءة وحجاباً تلبسهم في المجالس الحسينية والمحافل القرآنية وعند زيارة الأئمة الأطهار، عليهم السلام، ومن المهمِّ الاهتمام بمناسبة تكليفها كما يهتمون ويجهِّزون لبقية المناسبات كالأعياد الاسلامية وأعياد الولادات، وقبل كل هذا وذاك على أمها أن تكون قدوة لها فلا تتبرج وتكون ملتزمة بالستر كما يقول الشرع، وتتحدث لها بإستمرار عن السيرة العملية للسيدة الزهراء، وغيرها من النساء المؤمنات العفيفات الملتزمات كالسيدة زينب فهي فخر المخدرات كما لقبت رضوان الله عليها.

  • فلسفة الحجاب:

إنَّ لبيان فلسفة الحجاب أهمية كبيرة للإقناع، ويمكن تلخيص فلسفة الحجاب الإسلامي في عدَّة أمور، بعضها نفسي، وبعضها عائلي، وبعضها اجتماعي، وبعضها يرفع من مقام المرأة، ويحول بينها وبين التبذّل أو الابتذال.

١- الحجاب يحقق الأمن الأخلاقي:

الاسلام اتخذ مجموعة من الاجراءات التي تحقق العفَّة والاستقرار الأخلاقي، فيما لو التزم فيها أفراد المجتمع من ذكور وإناث لما شاعت الفاحشة وانتشر الزنا والعياذ بالله، ومن ضمنها الحجاب، فالمراة يحقُّ لها إظهار زينتها ومفاتنها فقط لزوجها الشرعي، وفي المقابل على الرجل أن يتمتَّع فقط بزوجته، ويغضَّ النظر عن بقية النساء.

٢- الحجاب يحفظ كرامة المرأة:

السفور مهَّد لفكرة التعامل مع المرأة باعتبارها جسد وعنصر إثارة، لا بكونها انسانة لها عقل ولديها وعي وتحصيل علمي قوي، و التقديم لها بهذه الصورة هو بحدِّ ذاته انتهاك لحرمتها و كرامتها وانسانيتها، صحيح أنَّ الاسلام يدعو المرأة كما يدعو الرجل إلى الاهتمام بجمالها وزينتها، لكنَّ زينتها وتبرُّجها لا يكون هدفاً أساسياً، والَّا فأين الجمال الأخلاقي وجمال الروح.

سابقاً سمعنا ببشاعة الوأد للبنات في عصر الجاهلية، والنظرة العصرية للمرأة وكأنَّها تُعرض في سوق النخاسة للبيع والشراء لاتقلُّ بشاعة عن الوأد بل ربما أشدُّ بشاعة، فهي تدفن كرامتها وانسانيتها مع أنَّها على قيد الحياة.

⭐ إنَّ على الرجل والمرأة على حدًّ سواء أن يغضُّوا البصر فلا ينظرَ أحدهم للآخر نظرةَ ريبةٍ أو شهوة

٣- الحجاب حماية لها من نظرات السوء والتحرُّش:

السافرة تتعرض لكلِّ هذا من نظرات وأذى وتحرش وغير ذلك، وربَّما يصلُ الأمر إلى أمور لايؤمن عقباها، فضلاً عن أنَّ المحجبة تكون مرتاحة من التفكير والقلق بشأن لباسها وزينتها ومظهرها كلما خرجت ودخلت، هذا بالاضافة للأعباء المالية التي ستكون أقل بالنسبة للمرأة المحجبة، والآن وللأسف ازداد الأمر سوءاً بحيث أصبحت عمليات التجميل أمراً أكثر من عادي، والاقبال عليها بشكل مبالغ ومكلف.

٤- الحجاب حماية للحياة الزوجية والأسرية:

شاعت في الفترة الأخيرة حالات الطلاق، ومن أهمِّ أسبابه انعدام الثقة بين الزوجين، وأجواء السفور المشحونة بعناصر الإثارة تزيد من تفاقم هذه المشاكل فتكثر الخيانات، وعلى عكس ذلك فالستر يخفِّف من أجواء الإثارة،  فالمحجبة في العمل والشارع وبين الرجال الاجانب تخفي مفاتنها وتَظْهرُ بكامل عفتها وطهرها.

 و لطالما يتردد حديث على لسان الجميع وهو قول السيدة فاطمة، عليها السلام: “خير للمرأة أن لا ترى الرجال ولا الرجال تراها”، فما مدى صحة هذا الحديث؟

 وما المقصود منه ؟

 وهل يجب على المرأة أن لا تخرج خارج المنزل نهائياً؟

هذا الحديث صحيح ومسند، وقد أجاب الرسول عندما سمع إجابتها، صدقتْ إنَّها بضعة منٍّي، نعم لم يكن أحد ٌمن الرجال الأجانب يرى وجه فاطمة، عليها السلام، وهو أمر متسالم ومتفق عليه، فهي سيدة نساء العالمين وهي سيدة العفاف والستر، وهي كما ذكرنا النموذج الأكمل بين البشر، واذا افترضنا أنَّ للستر مقامات فقد مارست، عليها السلام، أعلى هذه المقامات بسترها، وكلمة خير لا تعني الحرمة بل بأنَّ الأفضل للمرأة ألَّا ترى الرجال ولايرونها.

⭐ الستر والحجاب ليس داخلاً كما يصوُّر البعض في نطاق الحريات الشخصية المحضة، فالاسلام يأمر بالحجاب ويعتبره واجباً حاله حال سائر الواجبات كالصلاة والصيام

 فالمرأة برأي الاسلام تستطيع أن تخرج للعمل في حال حاجة المجتمع لها كالطبيبة النسائية أو الممرضة، المعلمة المرشدة النفسية وغيرها من المهن والأعمال، ولربَّما في هذه الحالة يكون الخروج واجباً عليها لسدِّ نقص المجتمع واحتياجه، وأيضاً يكون الأمر مباحاً في حال حاجتها الماديِّة، وإذا كانت متزوجة لابدَّ لها من أخذ إذن الزوج، فالاسلام جعل القواميَّة للرجل من جهة المال، لأنَّه المسؤول الأول عن سدِّ احتياج أُسرته، وهذا ليس حداً من حريَّة المرأة بل هو تكريم لها ورعاية لتكوينها الجسدي والنفسي، ولكنَّ كلَّ ذلك يشترط أن يكون ضمن الضوابط الشرعية من حجاب كامل شرعي، وعدم الاختلاء مع الرجل، وعدم التزيُّن والتبرُّج، وبصوت خالٍ من الرقة والتميُّع ، ومشية متَّزنة غير ملفته.

عن المؤلف

المُدربة: عبير ياسر الزين

اترك تعليقا