بصائر

هل الولاء لأهل البيت عليهم السلام بالحب فقط؟

الانسان يحب نفسه لكن لا يعني ان ذلك على طول الخط، لانه في بعض الاحيان يحب غيره اكثر من نفسه، بل قد يضحي بنفسه لاجل غيره، وهذه معادلة التولي والتبري

نحن في عالم اختطلت فيه الاوراق وتسارعت في التغيرات، ففي يوم من الايام يجب التفكير في بناء انفسنا، وبناء مجتمعنا ودولتنا، واستصلاح ارضنا، والتقدم في آفاق الحياة الحضارية.

في يوم آخر نجد ان العدو يحيط بنا من كل حدب وصوب، حينها نسعى لدرء هذا العدو ثقافيا وعمليا، كما فعلت امتنا عندما كانت تحيط بنا عصابات داعش بدعم من القوى الكبرى في العالم، فالشعب العراقي لملم اطرافه، وركّز نفسه، وجعل الخلاص من العدو همته الكبرى، وبعد التخلّص من الارهابيين فكّر الشعب في نفسه، وهنا التولي، وكانت معركته مع الارهابيين تمثّل التبري.

⭐ المؤمن كل يوم يبحث عن درجة جديدة للصعود في حبه، وطاعته، وفي اقامة شعائر الله، ولابد ان يكون المؤمن في زيادة

“التولي والتبري” هذه الكلمات البسيطة في ظاهرها تحمل معاني شتى، فمن التولي أن تتولى نفسك، وان تتولى من يتولاك، وتتولى من ينفعك وهم الانبياء والاولياء والصالحون من عباد الله، والتولي يعني محبتهم، والسير وراءهم، وكذلك يعني التولي بناء انفسنا بناءً صحيحا على اُسس سليمة.

{وابْتَغَوا اليهِ الوَسِيلَةَ} قال الامام الصادق، عليه السلام: “الصلاة والصيام بعد معرفة الإمام، فمعرفة الإمام يعني السير في الخط الصحيح.

وكلما ارتفع الانسان في درجات التولي لا تزال هناك فرص للرقي أمامه، فبمجرد معرفة وادعاء الحب لا يكفي، فالمعرفة درجات، والحب آفاق، فليس مجرد ان يقول الانسان: أحب الصالحين، فهذا لا يكفي.

بين الحب وبين ان تكون من الصالحين تسمع في آخر لحظة من حياتك يخاطبك الله: {فادْخُلِي فِي عِبَادِي} فبين تلكم المنزلتين درجات، ولذلك فالمؤمن كل يوم يبحث عن درجة جديدة للصعود في حبه، وطاعته، وفي اقامة شعائر الله، ولابد ان يكون المؤمن في زيادة، قال أمير المؤمنين، عليه السلام: “من تساوى يوماه فهو مغبون”، زيادة العمر من دون الاستفادة خسران، في رواية “ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم”، حتى ينظر اين وصل!

هناك من الناس من تمضي بهم السنون في طول العمر، ولكن حظهم في الحياة والدين قليل، قال أمير المؤمنين، عليه السلام: “وذلك ميت الأحياء” هو حي يمشي على الارض، ولكن روحه مع الاموات.

  • كيف يكون التبري؟

التبري كذلك درجات، احيانا يقول البعض :”إني سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم موالٍ لوليكم”، فمعادة العدو ليس فقط بالنية والكلمة، لان العداء في التبري له معنى أعمق وهو العداء لأخلاقهم، وخطهم، لان هناك شجرتين؛ قال ــ تعالى ــ: {أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}.

حينما نقول: “نوالي من والكم ونعادي من عاداكم” يجب ان تكون هناك تصديق في قولنا وعملنا، وفي سلوكنا، ومواقفنا، وفي اصدقائنا، لان الانسان بهذه المعادلة الكاملة يدخل في حصن الله حزبه، ويدخل في التجمعات التي تمثل خط الله ــ تعالى ــ.

{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} {فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً} تصديق هذه الكلمة في الواقع الخارجي هو في مجمل السلوك، الصراط المستقيم لأهل البيت، عليهم السلام، أخلاقهم، ومواقفهم، وسلوكهم، فإذا كان للإنسان المؤمن خُلُق وللنبي خُلُق آخر، وكذا الامر بالنسبة للإمام، فهذه ليست الهداية {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، فصراط النبي؛ سلوكه، واخلاقه، ومجمل حياته.

⭐ ولاية أهل البيت، عليهم السلام، هي الولاية التي تشمل وتستوعب جميع مناحي الحياة

{الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} ولاية أهل البيت، عليهم السلام، هي الولاية التي تشمل وتستوعب جميع مناحي الحياة، وفي مقابل ذلك التبري، فحين يجد المؤمن سلوكا مشينا عند العدو يتبرأ منه، ويجعل نفسه في منأ منه قدر الاستطاعة، تجنبا للتأثر بذلك السلوك المشين، فلا يمكن أن يتبرأ الانسان من سلوك يزيد وعمر بن سعد وهو يمارس نفس سلوكياتهما في حياته، ذلك إنما جعل التولي والتبري لاستقامة الانسان ليكون طريقه مستقيما مع التولي لا اعوجاج له.

وهناك كلمة في أبعاد هاتين الكلمتين الالهيتين “التولي والتبري”؛ أننا يجب ندرس ابعادهما، وهو كيف يتولى المؤمنُ الإمامَ ولا يعرف سلوكه،  فمثلا الكثير لا يعرف الائمة من اولاد الامام الرضا، عليه السلام، وهم الائمة الجواد، والهادي والعسكري، عليهم السلام، ومن الكتب الجديرة والتي يُنصح بقراءتها  في هذا الجانب، موسوعة السيد كاظم القزويني، وموسوعة الكلمة للسيد الشهيد حسن الشيرازي.

البعض ممن يحب أهل البيت، عليهم السلام، لا يعرف من سلوكهم وحياتهم شيء،  والبعض الآخر من المحبين ليس لديهم البراءة الكافية من اعدائهم، سواء الاعداء التاريخيين او الاعداء الذي يُستَنسخون في كل عصر وزمان، فأئمة الجور من بني امية وبني والعباس لهم نُسخ أخرى تشابههم، فيزيد ومعاوية وهارون وغيرهم يشابههم الطواغيت والظلمة في كل عصر ومصر.

من يبرّر لعدو الله يبرر لنفسه وبذا هو يسمح لنفسه الوقوع في الخطأ، ولعل الوسيلة المثلى لتكريس التولي التبري هو الاستمرار في قراءة زيارة عاشوراء، فهذه الزيارة فجانب التبري إن لم يكن اكثر من التبري فهما متعادلين، فمن خلال هذه الزيارة تصاغ معادلة التولي والتبري لنعرف أن يجب ان نضع اقدامنا وأن نرفعها.


  • (مقتبس من محاضرة لسماحة السيد المرجع المدرسي “دام ظله”)

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا