ثقافة رسالية

حزب الله هم الغالبون

السياسيون يناقشون الامور ويحسبونها بحسابات مادية بحتة دون ان يتوجهوا الى وجود حتميات قرآنية فرضها الله -سبحانه وتعالى- لتكون قوانين ثابتة تتحكم بمقادير الاشياء ومن هذه الامور؛ تحقيق النصر في الحرب العسكرية.

السياسيون كل همهم مناقشة قضايا الحرب من ناحية الامكانات والقدرات والكفاءات، ويقيمون النزاعات على اساس ما تملكه الدول من تكنولوجيا عسكرية متطورة، وعلى هذا الاساس يتوقعون من سيكون الطرف المنتصر في الحرب.

فاذا كانت الدولة تملك قدرات عسكرية متفوقة في مجال الطيران، وفي القوة البحرية، عندها سيتوقع المراقبون انها ستحقق النصر في الحرب ضد اعدائها، بسبب ماتملكه من امكانيات متفوقة!

هذه الحسابات صحيحة ومقبولة في حد ذاتها ضمن معادلات مادية بحتة، لكنها لاتقارن بحتميات فرضها الله -سبحانه وتعالى- في الكون، و اشار اليها القرآن الكريم بصراحة، وعلى رأسها حتمية “حزب الله هم الغالبون” في كل المعارك التي يدخلونها ضد اعدائهم.

فالمعادلات المادية بخصوص الصراعات والحروب هي معادلات صحيحة لكنها تقف عاجزة امام معادلات سماوية وحتميات قرآنية تفرض نفسها على كافة القوانين المادية والارضية.

ولو اردنا تقييم هذه النظرية وعدنا الى الخلف وخاصة في العهد الاول للاسلام سنجد ان اغلب المعارك التي خاضها المسلمون الاوائل كانوا هم الاقل عدداً وعدة بالمقارنة الى اعدائهم، وفي كثير من تلك الحروب كان المسلمون يمثلون عددياً عُشر أعداد الكفار والمشركين، فكيف تمكنوا من تحقيق النصر والغلبة مع هذا التفاوت الهائل في العدد؟

⭐ مثلما نصر الله سبحانه وتعالى اولياءه الصالحين في غزوة خيبر، سينصرهم في معارك وغزوات اخرى، بالطبع اذا توفرت كافة الشروط المطلوبة وعلى رأسها الايمان بالله

ففي غزوة خيبر التي قاتل فيها الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، اليهود بسبب غدرهم ونكثهم للعهد وتآمرهم على الاسلام، كان عدد المسلمين فيها يبلغ ألفاً وثمانمائة مقاتل، بينما كانت اعداد المقاتلين اليهود تبلغ عشرة آلاف، ويقول المؤرخون انهم كانوا يخرجون كل يوم من قلاعهم صفوفا ثم يقولون: “محمد يغزونا؟ هيهات، هيهات” (كتاب المغازي، الواقدي، 2/ 637 دار الأعلمي – بيروت، 1989).

واما ساحة المعركة فقد كان المسلمون يقاتلون راجلين من دون خيل ولا معدات حربية، بينما كان اليهود متحصنون بقلاعهم الشاهقة، ويقول المؤرخون انها كانت مشيدة بشكل لا يمكن اختراقها، ولو استمر حصارها عدة أشهر، وبالفعل لم يتمكن المسلمون أول الامر من اختراق تلك الحصون حتى قال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: “لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله و رسوله ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه”، فأعطاها لعلي بن ابي طالب، عليه السلام، عندها وقع الفتح وتحقق النصر.

بحساب الخبراء والمتخصصين في علم الحرب كان ينبغي ان تنتهي هذه المعركة لصالح اليهود، لكنها انتهت بانتصار كبير حققه المسلمون على اعدائهم وحصلوا منها على مكاسب اقتصادية كبيرة.

ما الذي جرى؟ وكيف تمكن المسلمون بأعدادهم التي تساوي واحد مقابل عشرة ان ينتصروا على ذلك الجيش الجرار العظيم الذي لايتجرأ على مجابهته احد؟!

هنا تتدخل معايير وموازين مختلفة نحن لاندرك مغزاها، لانها معايير وموازين سماوية لا دخل للبشر في تقدير قوتها او مستوى تأثيرها في الحروب، فنحن عندما نقرأ في القرآن الكريم عن نصر الله للمؤمنين، لا نعرف بالضبط كيف ستتدخل الارادة الالهية لتحقيق النصر للمؤمنين، لكننا نعلم بان الله -سبحانه وتعالى- سينصر المؤمنين، ولا نسأل كيف؟

ومثلما نصر الله سبحانه وتعالى اولياءه الصالحين في غزوة خيبر، سينصرهم في معارك وغزوات اخرى، بالطبع اذا توفرت كافة الشروط المطلوبة وعلى رأسها الايمان بالله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّـهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} سورة محمد، الآية: 7.

وهناك آية في القرآن الكريم تشير الى حتمية كونية بان الغلبة ستكون لحزب الله (وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَٰلِبُونَ)، سورة المائدة، الآية: 56، وهي آية واضحة المداليل والمفاهيم، لكننا نمر عليها مر الكرام غير متيقنين بوعد الله وكلمته في حتمية الغلبة لحزبه.

والسؤال المهم الآن هو من هم حزب الله الذين أكد الله غلبتهم في كتابه الكريم؟

الآية التي سبقت ذكر حزب الله في القرآن الكريم، هي آية الولاية، تكشف هويتهم الحقيقية وتقول: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، سورة المائدة، الآية: 55، وهذه الآية نزلت في امير المؤمنين، علي بن ابي طالب، عليه السلام، وبعدها بالضبط تأتي آية حزب الله وهي تصف الفئة التي ستلتزم بهذه الآية وتطبقها بشكل فعلي.

و عندما نربط الآيتين ببعضهما الآخر، وهو ربط موضوعي، وليس فقط موضعي، نصل الى نتيجة ان الذين يتولون الله ورسوله، و أمير المؤمنين، هم حزب الله ولهم الغلبة في الدنيا والآخرة.

عن المؤلف

طاهر باقر القزويني

اترك تعليقا