أسوة حسنة

الإِمِامُ الحَسنُ المُجتَبَى وَالقِيَادَةُ المَظلُومَة

  • القيادة الربانية

في الحياة البشرية منذ أن خلق الله هذا الإنسان وأسكنه في هذه الأرض يتنازعه قيادتان لا ثالث لهما:

القيادة الرحمانية، والقيادة الشيطانية، وكلاهما يحاولان السيطرة عليه، وهو ما يمكن أن نسميه بكلمة أخرى الحق وبالباطل، والنور والظلمة، والخير والشر، والهداية والغواية والضلال وهذا ما تناسلت عليه الأجيال منذ أن هبط أبونا آدم، عليه السلام، تلك الهبطة العجيبة التي جعلت ذريته في مرمى الشيطان اللعين الرجيم.

ولكن الله ـ تعالى ـ لم يترك الإنسان لعبة في يد الشيطان ومَردته لأنه خلقه بالرحمة والمحبة واللطف والكرامة، ولذا كان يرسل له كلما دعت الحاجة نبياً من الأنبياء، ثم رسولاً من الرسل وينزل عليهم كتاباً من السماء لتقويم المسيرة، وهدايتهم الطريق السَّوي والصراط المستقيم الذي ابتعدوا عنه كثيراً.

كما أنه بلطفه جعل له ولياً يدلهم عليه، وحجة ليقودهم في حياتهم، ولم يدعهم هملاً في أيدي الشياطين ولا النفس الأمارة بالسوء، باعتبار النفس صديقة الشيطان ومطية الهوى الذي ينبع منه كل ميل وضلال.

  • الإمام الحسن المجتبى عليه السلام

وفي ذلك العصر الرَّهيب الذي كان من أعقد فصول التاريخ الإسلامي تصدى للقيادة الرحمانية، والربانية وليكون إماماً وحجة للخالق على المخلوق أعظم شخصية ولدها الإسلام بعد والديه وجده المصطفي، صلى الله عليه وآله، ألا وهو الإمام الحسن السبط الأكبر الذي كان صورة مصغرة عن جده الرسول الأعظم ، صلى الله عليه وآله، لا سيما في جماله وكماله وأخلاقه.

 الإمام الحسن ولد قائداً وإماماً لأمة فتية تنتسب إلى جده الرسول الذي قال: “اَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ إِمَامَانِ قَامَا أَوْ قَعَدَا”. (المناقب لابن شهر آشوب: ج۳ ص394).

أو قال: “اِبْنَايَ هَذَانِ إِمَامَانِ قَامَا أَوْ قَعَدَا”. (الإرشاد للمفيد: ج۲ ص۳۰)

المسألة محسومة منذ البداية وحتى من قبل أن تكون دولة، أو حضارة وإمبراطورية كما كانت بعد نصف قرن من هذا الكلام الذي أطلقه بأمر من السماء الرسول الأعظم، صلى الله عليه وآله، لأنه {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم: 4)، فالرسول القائد لم ينطلق من هوى في ولديه وريحانتيه ولا من كل المنطلقات البشرية الدنيوية – حاشا وكلا – بل كل منطلقاته أحكام وتشريعات من الله جاءت على لسان رسوله الكريم، وهذا ما يعتقده المسلمون جميعاً أن أقوال، وأفعال، وتقريرات الرسول تشريع وسُنة.

الإمام الحسن المجتبى (ع) إمام وآدم بين الماء والطين – كما في بعض النصوص الواردة- فلم يكن بحاجة لينتظر اعتراف إبليس اللعين الرجيم، أو معاوية الشيطان المتمرد على سيده وإمامه وحجة الله عليه في زمانه أو من الأمة الإسلامية التي ضيَّعت البوصلة وبالتالي الاتجاه الصحيح للصراط الحسني الصحيح، وجهلت القيادة الرحمانية المحقة، وسلَّمت أمرها للقيادة الشيطانية المبطلة بشخص معاوية بن هند الهنود.

⭐ الظلامة الأخرى لقيادة الإمام الحسن المجتبى الرحمانية كانت من الخواص والمحبين والقائلين بإمامته وولايته ويعتقدون وجوب التزام أمره وطاعته، وهنا الطامة الكبرى حقاً

فمَنْ تأمل في كلمات وروايات وأعمال الرسول الأعظم ، صلى الله عليه وآله،يجدها كلها تأمر باتباع ولده وسبطه وخليفته على أمته من بعده الإمام الحسن المجتبى، بعد أبيه أمير المؤمنين، عليه السلام، كما تنهى وتحذِّر من قيادة معاوية بن هند بل وتلعنه وتأمر بقتله وبقر كرشه إذا نزا على المنبر الشريف نزو القردة.

  • القيادة المظلومة

ولذا من أعظم ظلامات التاريخ هي ظلامة الإمام الحسن المجتبى في هذه الأمة، لأنها ظلمت من العدو والصديق معاً، فالإمام الحسن أنكرته الأمة وهو سيدها وقائها وإمامها وحجة الله عليها بل أجبرته لمهادنة وموادعة ومصالحة أعدى أعداءه وأعداء الأمة رأس بني أمية أبغض بيت في العرب لله ولرسوله ليسن اللعن ومسبة أهل البيت الأطهار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً لأكثر من ستين سنة فكان يسمع ذلك بأذنه وحتى بحضوره دون حياء أو خجل.

روي أنه لَمَّا بُويِعَ مُعَاوِيَةُ خَطَبَ وَذَكَرَ عَلِيّاً (عَلَيْهِ اَلصَّلاَةُ وَاَلسَّلاَمُ) فَنَالَ مِنْهُ (وَنَالَ مِنَ) اَلْحَسَنِ، فَقَامَ اَلْحُسَيْنُ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) لِيَرُدَّ عَلَيْهِ، فَأَخَذَ اَلْحَسَنُ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) بِيَدِهِ فَأَجْلَسَهُ، ثُمَّ قَامَ اَلْحَسَنُ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) وَقَالَ: “أَيُّهَا اَلذَّاكِرُ عَلِيّاً، أَنَا اَلْحَسَنُ، وَأَبِي عَلِيٌّ، وَأَنْتَ مُعَاوِيَةُ، وَأَبُوكَ صَخْرٌ، وَأُمِّي فَاطِمَةُ، وَأُمُّكَ هِنْدٌ، وَجَدِّي رَسُولُ اَللَّهِ، وَجَدُّكَ حَرْبٌ، وَجَدَّتِي خَدِيجَةُ، وَجَدَّتُكَ قَتِيلَةُ.. فَلَعَنَ اَللَّهُ أَخْمَلَنَا ذِكْراً، وَأَلْأَمَنَا حَسَباً، وَشَرَّنَا قَدَماً، وَأَقْدَمَنَا كُفْراً وَنِفَاقاً.. فَقَالَ طَوَائِفُ أَهْلِ اَلْمَسْجِدِ: آمِينَ، آمين”. (الإرشاد: ج۲ ص۷).

ونحن نقول: آمين يا رب العالمين، بل وكل منصف وعاقل يقول معنا ذلك، فتصور – أيها العزيز- أن المنبر الذي بناه أمير المؤمنين، بسفه وجهاده لأبي سفيان ومعاوية يحتله معاوية فينال منه عليه ولذا أمر الله ورسوله إذا رأيتم صبيان بني أمية ينزون على المنبر فاضربوهم واقتلوهم وابقروا كرشه لمعاوية.

كما أن الظلامة الأخرى لقيادة الإمام الحسن المجتبى الرحمانية كانت من الخواص والمحبين والقائلين بإمامته وولايته ويعتقدون وجوب التزام أمره وطاعته، وهنا الطامة الكبرى حقاً، فكانوا يأتون إليه كإمام ولكن يخاطبونه بخطاب لا يليق برجل مؤمن من عامة الناس، لا سيما أولئك الكبار من أصحابه وشيعة والده أمير المؤمنين، كحجر بن عدي، وسفيان وغيرهما فيأتي لزيارته وصلته ولكن يقول له: (اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مُذِلَّ اَلْمُؤْمِنِينَ قَالَ: وَعَلَيْكَ اَلسَّلاَمُ يَا سُفْيَانُ اِنْزِلْ، فَنَزَلْتُ فَعَقَلْتُ رَاحِلَتِي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: كَيْفَ قُلْتَ يَا سُفْيَانُ؟

 قَالَ: قُلْتُ اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مُذِلَّ اَلْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: مَا جَرَّ هَذَا مِنْكَ إِلَيْنَا؟ فَقُلْتُ أَنْتَ وَاَللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَذْلَلْتَ رِقَابَنَا حِينَ أَعْطَيْتَ هَذَا اَلطَّاغِيَةَ اَلْبَيْعَةَ وَسَلَّمْتَ اَلْأَمْرَ إِلَى اَللَّعِينِ اِبْنِ آكِلَةِ اَلْأَكْبَادِ وَمَعَكَ مِائَةُ أَلْفٍ كُلُّهُمْ يَمُوتُ دُونَكَ وَقَدْ جَمَعَ اَللَّهُ عَلَيْكَ أَمْرَ اَلنَّاسِ.

فَقَالَ: يَا سُفْيَانُ إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ إِذَا عَلِمْنَا اَلْحَقَّ تَمَسَّكْنَا بِهِ وَإِنِّي سَمِعْتُ عَلِيّاً (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) يَقُولُ: “لاَ تَذْهَبُ اَلْأَيَّامُ وَ اَللَّيَالِي حَتَّى يَجْتَمِعَ أَمْرُ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ عَلَى رَجُلٍ وَاسِعِ اَلسُّرْمِ ضَخْمِ اَلْبُلْعُومِ يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ لاَ يَنْظُرُ اَللَّهُ إِلَيْهِ وَلاَ يَمُوتُ حَتَّى لاَ يَكُونَ لَهُ فِي اَلسَّمَاءِ عَاذِرٌ وَلاَ فِي اَلْأَرْضِ نَاصِرٌ وَإِنَّهُ لَمُعَاوِيَةُ”. (بحار الأنوار: ج44 ص۵۹).

أو يأتيه أبو سعيد عقيصا ليلومه على صلحه لمعاوية فيقول له: (يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ لِمَ دَاهَنْتَ مُعَاوِيَةَ وَصَالَحْتَهُ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ اَلْحَقَّ لَكَ دُونَهُ وَأَنَّ مُعَاوِيَةَ ضَالٌّ بَاغٍ؟

فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ أَ لَسْتُ حُجَّةَ اَللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَلَى خَلْقِهِ وَإِمَاماً عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَبِي (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)؟ قُلْتُ: بَلَى.

قَالَ: أ َلَسْتُ اَلَّذِي قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، لِي وَلِأَخِي اَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ إِمَامَانِ قَامَا أَوْ قَعَدَا؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَأَنَا إِذَنْ إِمَامٌ لَوْ قُمْتُ وَأَنَا إِمَامٌ إِذْ لَوْ قَعَدْتُ، يَا أَبَا سَعِيدٍ عِلَّةُ مُصَالَحَتِي لِمُعَاوِيَةَ عِلَّةُ مُصَالَحَةِ رَسُولِ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) لِبَنِي ضَمْرَةَ وَبَنِي أَشْجَعَ وَلِأَهْلِ مَكَّةَ حِينَ اِنْصَرَفَ مِنَ اَلْحُدَيْبِيَةِ أُولَئِكَ كُفَّارٌ بِالتَّنْزِيلِ وَمُعَاوِيَةُ وَأَصْحَابُهُ كُفَّارٌ بِالتَّأْوِيلِ، يَا أَبَا سَعِيدٍ إِذَا كُنْتُ إِمَاماً مِنْ قِبَلِ اَللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يَجِبْ أَنْ يُسَفَّهَ رَأْيِي فِيمَا أَتَيْتُهُ مِنْ مُهَادَنَةٍ أَوْ مُحَارَبَةٍ وَإِنْ كَانَ وَجْهُ اَلْحِكْمَةِ فِيمَا أَتَيْتُهُ مُلْتَبِساً، أَ لاَ تَرَى اَلْخَضِرَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) لَمَّا خَرَقَ اَلسَّفِينَةَ، وَقَتَلَ اَلْغُلاَمَ، وَأَقَامَ اَلْجِدَارَ سَخِطَ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) فِعْلَهُ لاِشْتِبَاهِ وَجْهِ اَلْحِكْمَةِ عَلَيْهِ حَتَّى أَخْبَرَهُ فَرَضِيَ، هَكَذَا أَنَا سَخِطْتُمْ عَلَيَّ بِجَهْلِكُمْ بِوَجْهِ اَلْحِكْمَةِ فِيهِ وَلَوْلاَ مَا أَتَيْتُ لَمَا تُرِكَ مِنْ شِيعَتِنَا عَلَى وَجْهِ اَلْأَرْضِ أَحَدٌ إِلاَّ قُتِلَ”. (علل الشرایع للصدوق: ج۱ ص۲۱۱).

⭐ قيادة الإمام الحسن المجتبى، عليه السلام، لهذه الأمة هي قيادة رحمانية في قمَّة السمو والدِّين وتحمُّل المسؤولية

هكذا كانت قيادة الإمام الحسن المجتبى، عليه السلام، لهذه الأمة هي قيادة رحمانية في قمَّة السمو والدِّين وتحمُّل المسؤولية فيها ولكن الأمة كانت جاهلة وملتبس الأمر عليها في هذا الطاغية وفئته الباغية بنص رسول الله ، صلى الله عليه وآله،بأحاديث صحيحة هم يروونها وتبيَّنت حقيقتها في قتلهم لعمار بن ياسر الذي تقتله الفئة الباغية، ولكن الطاغية معاوية والداهية عمرو بن العاص الذي كان يروي ولده عبد الله هذه الرواية عن رسوله الله ، صلى الله عليه وآله،حتى قال لوالده: (ألا تمسك عنا مجنونك، هل نحن قتلناه أم علي الذي جاء به تحت سيوفنا؟)

فرجعوا وهم يقولون: قتله الذي جاء به، فقال أمير المؤمنين، عليه السلام، حينها: إذن رسول الله ، صلى الله عليه وآله،قتل حمزة؟

هكذا أرادت الأمة طريق الضياع، ومتاهة الصحراء القاحلة، وفيها حجة الله عليها ابن رسول الله وسبطه الأكبر يدلها ويقودها إلى جنان الخلد في الدنيا والآخرة، إلا أنها تركته وحيداً مع بعض أهل بيته وخواصه في بيته عشر سنوات حتى دسَّ إليه السم الذي استقدمه من سيده هرقل الروم وأرسله إلى زوجته الجعدة بنت الأشعث بن قيس عرف النار ورأس الخوارج ويعدها بخمسمائة درهم وتزويجها من يزيد، فدسَّت لهذا الإمام العظيم السم في طعامه مراراً وتكراراً إلى أن أذن الله له بالشهادة في مثل هذه الأيام من أوائل صفر الأحزان. السلام على الإمام الحسن المجتبى السبط العظيم والقائد المظلوم ورحمة الله وبركاته.

عن المؤلف

الحسين أحمد كريمو

اترك تعليقا