ثقافة رسالية

المعايير الإيمانية لاختيار الأصدقاء

لو أنك فتحت هاتفك الشخصي لوجدت قائمَتين؛ قائمة لمن تتواصل معهم، والأخرى لمن تقاطعهم، وهذا الامر لا يقتصر على الهاتف، بل لو أنك فتحت أي وسيلة تواصل بينك وبين الآخرين ستجد هناك قائمة سوداء التي تم حظر فيها من لا تغرب أن يتواصلوا معك، وفي المقابل هنالك القائمة الذين تتواصل معهم.

لكن السؤال: على أي اساس صُنّفت القائمتين؛ قائمة مَن تتواصل معه، وقائمة ممن تقاطعه؟

هل من حقي أن اصادق أي أحد؟

هل من حقي أن اشترك في مجموعة مع أي أحد؟

هل من حق أن اقاطع أي احد؟

وهل يتدخل الدين في ذلك؟

حينما نعود الى النصوص الشرعية نجد أن هذا الامر له حدود واضحة، وفرق المؤمن عن غيره؛ أن المؤمن ينظر هل للدين رأي في أي قضية أم لا!

الآيات والروايات أولت هذه القضية الحساسة الأهمية الكبيرة، فهناك من الناس لا يجوز للمؤمن التواصل معهم، ولا صلتهم، في المقابل هناك مجموعة من الناس لا يجوز مقاطعتهم.

⭐ الدين الاسلامي جاء لسعادة الانسان في الدنيا والآخرة، ولذا يجب ان يتدخل في  كل جزئية حتى يضمن سعادة الفرد دنيويا وأخرويا

الدين الاسلامي منهاج الحياة للدنيا والآخرة، فمثلا المسيحية كديانة ـ موجودة اليوم ـ تنظّم علاقة الفرد بالله فيما يرتبط بالآخرة، ولا علاقة لها بشؤون الدنيا، لذلك حينما ترك البعض الديانة المسيحية واعتزلوها، لم تتغير حياته، لانه حين قراءة الكتاب المقدس فإنه لا يوجد فيه برامج لحياة الانسان اليومية.

الدين الاسلامي جاء لسعادة الانسان في الدنيا والآخرة وبالتالي يجب ان يتدخل في  كل جزئية حتى يضمن سعادة الفرد دنيويا وأخرويا، عن الصادق عليه السلام قال: لا تصحب الفاجر فيعلمك من فجوره”.

على المؤمن ان لا يجالس أهل المعاصي وقد ورد في الكتب الروائية باب تحت عنوان مجالسة أهل المعاصي، والفقهاء والعلماء بحثوا كثيراً في قضية أهل المعاصي، فليس كل اهل المعاصي يجب مقاطعتهم، لان المؤمن اخو المؤمن وعليه ان ينصح أخاه ويبعده عن الموبقات.

لكن احيانا إذا وصل الشخص الى حد القول في الله قولا عظيما وهو الانحراف العقائدي، فمثل هذا الشخص إذا لم يَنتصح فيجب هجره مليا، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “أحب حبيبك هونا عسى عدوك يوما”.

عن بكر بن محمد، عن الجعفري قال: سمعت أبا الحسن، عليه السلام، يقول: «مالي رأيتك عند عبد الرحمن بن يعقوب؟ فقال: إنه خالي، فقال: إنه يقول في الله قولا عظيما، يصف الله ولا يوصف، فإما جلست معه وتركتنا، وإما جلست معنا وتركته، فقلت: هو يقول ما شاء، أي شيء علي منه إذا لم أقل ما يقول؟

 فقال أبو الحسن، عليه السلام: أما تخاف أن تنزل به نقمة فتصيبكم جميعا؟ أما علمت بالذي كان من أصحاب موسى، عليه السلام، وكان أبوه من أصحاب فرعون فلما لحقت خيل فرعون موسى تخلف عنه ليعظ أباه فيلحقه بموسى فمضى أبوه وهو يرغمه حتى بلغا طرفا من البحر فغرقا جميعا فاتي موسى، عليه السلام، الخبر، فقال: هو في رحمة الله ولكن النقمة إذا نزلت لم يكن لها عمن قارب المذنب دفاع”.

وعن أبي عبد الله، عن أبيه، عليهما السلام، قال: قال لي أبي علي بن الحسين، صلوات الله عليهما: يا بني انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق، فقلت: يا أبت من هم عرفنيهم؟ قال: إياك ومصاحبة الكذاب فإنه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد ويبعد لك القريب وإياك ومصاحبة الفاسق فإنه بايعك باكلة أو أقل من ذلك وإياك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه وإياك ومصاحبة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه فإني وجدته ملعونا في كتاب الله عز وجل في ثلاثة مواضع قال الله عز وجل: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}،  وقال عز وجل: {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}، وقال في البقرة: {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ}.

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين، عليه السلام، إذا صعد المنبر قال: ينبغي للمسلم أن يتجنب مؤاخاة ثلاثة: الماجن الفاجر، والأحمق، والكذاب، فأما الماجن الفاجر فيزين لك فعله ويحب أن تكون مثله، ولا يعينك على أمر دينك ومعادك، مقاربته جفاء وقسوة ومدخله ومخرجه عار عليك، وأما الأحمق فإنه لا يشير عليك بخير، ولا يرجى لصرف السوء عنك ولو أجهد نفسه، وربما أراد منفعتك فضرك، فموته خير من حياته، وسكوته خير من نطقه، وبعده خير من قربه، وأما الكذاب فإنه لا يهنئك معه عيش ينقل حديثك، وينقل إليك الحديث، كلما أفنى أحدوثة مطها بأخرى مثلها حتى أنه يحدث بالصدق فما يصدق ويفرق بين الناس بالعداوة فينبت السخائم في الصدور، فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم”.

⭐ المجتمع الايماني هو الذي توحده القيم والمبادئ، ويتوحد بذكر الله ومجالس الإمام الحسين، عليه السلام

في المقابل هناك مَن لا يجوز لنا مقاطعته، لان البعض يقاطع مع صرف النظر هل يجوز ذلك أم لا، فالمؤمن له حقوق على أخيه المؤمن، عن معلى بن خنيس، عن أبي عبد الله، عليه السلام، قال: قلت له: ما حق المسلم على المسلم؟

 قال له:  سبع حقوق واجبات ما منهن حق إلا وهو عليه واجب، إن ضيع منها شيئا خرج من ولاية الله وطاعته ولم يكن لله فيه من نصيب.

 قلت له: جعلت فداك وما هي؟

 قال: يا معلى إني عليك شفيق أخاف أن تضيع ولا تحفظ وتعلم ولا تعمل، قال: قلت له: لا قوة إلا بالله.

 قال: أيسر حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك وتكره له ما تكره لنفسك، والحق الثاني أن تجتنب سخطه وتتبع مرضاته وتطيع أمره، والحق الثالث أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك ورجلك، والحق الرابع أن تكون عينه ودليله ومرآته، والحق الخامس [أن] لا تشبع ويجوع ولا تروى ويظمأ ولا تلبس ويعرى، والحق السادس أن يكون لك خادم وليس لأخيك خادم فواجب أن تبعث خادمك فيغسل ثيابه ويصنع طعامه ويمهد فراشه، والحق السابق أن تبر قسمه وتجيب دعوته، وتعود مريضه، وتشهد جنازته، وإذا علمت أن له حاجة تبادره إلى قضائها ولا تلجئه أن يسألكها ولكن تبادره مبادرة، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته وولايته بولايتك”.

 المؤمن يعضد بعضه بعضا وبهذا يشكل المؤمنون قوة فيما بينهم، بالاضافة الى ان المحبة بين المؤمنين تجلب ثواب الله ـ عز وجل ـ، والتجمع الايماني يجعل الفرد أقدر على الاستقامة، المؤمنين يتواصون فيما بينهم: { وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}، والمواصاة بين المؤمنين هي ثمرة عدم هجرة المؤمن لأخيه.

المجتمع الايماني هو الذي توحده القيم والمبادئ، ويتوحد بذكر الله ومجالس الإمام الحسين، عليه السلام، والإمام علمنا هذا الدرس في كربلاء في أصحابه الذين أخذهم معه، فهم ثلة كان الإمام قد اختبرهم بشدة، وعلاقتهم فيما بينهم كانت لله وفي الله، لأن مَن كان ميزانه دنيويا ترك الإمام الحسين، عليه السلام.

_______

  • مقتبس من محاضرة المجلس الحسيني هذا العام، للسيد مرتضى المدرسي في الدنمارك.

عن المؤلف

السيد مرتضى المدرّسي

اترك تعليقا