مناسبات

بانوراما الغدير

واقعة الغدير؛ من الوقائع والأحداث المهمة التي تحضى باهتمام المسلمين، كونها تمثل تصرفاً ملفتاً قد سلك فيه النبي الأكرم، صلى الله عليه و آله وسلم، سلوكاً تشخيصياً، حدد فيه المرحلة التي مهد لها في أكثر من حادثة معينة، وهي مرحلة وفاته، صلى الله عليه و آله وسلم، ألا ان هذه الحادثة، أو هذه الواقعة، مع وضوح غايتها وبيان مقصدها، نجد هنالك من قد يذهب به الفهم الى غير ذلك، حتى اختلف الكثير في بيان ما صرح به النبي، وهو التصريح الأبرز في هذه الواقعة: “من كنت مولاه فهذا علي مولاه”، وقد شكك البعض في وجود شخصيته مع النبي في ذلك الوقت، وتلك الواقعة، والبعض الآخر قد اعترض على معنى “المولى”، مبتعداً به عن معنى القيادة، مبرراً ذلك أن كلمة مولى لها دلالات مختلفة.

ومع ذلك الاختلاف وعدم الاتفاق بما نصّ به رسول الله بين المسلمين، فهم لا يختلفون على ان تلك الواقعة تختص بشخصية الإمام علي، عليه السلام، سواء أكان حاضراً، أم لا، وسواء أكان معنى المولى هو الحاكم والمتصرف، أم غير ذلك؟ فقيد هذا الواقعة محصوراً به لا غير.

⭐ مما يعطي لهذه الحادثة أهميتها؛ ان رسول الله بلغ بذلك وصرح في طقس كانت الحرارة فيه مرتفعة، حتى يُقال انه كان يوماً هاجراً، يضع الرجل بعض ردائه على رأسه، وبعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء

إن وقوفنا عند تلك الجزئية؛ أي عدم الاختلاف في كون حادثة الغدير مخصوصة بشخصية الإمام علي، عليه السلام، ومعرفتنا بان القائد الذكي هو الذي يقدم خطة متكاملة لأهدافه، بحيث يحدد عناصرها بدقة، ويختار لها أفضل السُبل من إجراءات، ووسائل تكفل تحقيقها، بل يضع تصوراً متكاملاً وشاملاً لمحيط أو بيئة تنفيذها.  يجعلنا نقف في أعلى نقطة لنلقي بنظرتنا على طبيعة تلك الحادثة وأبعادها المختلفة التي قد تكشف لنا عن رؤية واضحة وتصور واضح عن مغزاها والوصول الى إشارة ما كان يبتغيه رسول الله، صلى الله عليه و آله وسلم، من كل حليم منصف.

وقوع هذه الحادثة بعد إتمام رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، آخر حجّة له، والتي تُسمى بحجة الوداع، وهذا يشكل بعداً أو ركنا تنحصر فيه حادثة الغدير مع ركن حادثة وفاته، صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا مما يعطي لهذه الحادثة أهميتها في طرح موضوع الولاية.

الآمر الآخر؛ اختيار “غدير خم” كمنطقة أيضاً يُظهر لنا بُعدين لصورة وأهمية هذه الواقعة:

البعد الأول: إن هذا المنطقة تقع بين مكة والمدينة، فحيّز هذه الحادثة له من التميّز ما لا يحجب ضرورة هذا التبليغ أي مكان مكشوف يتوسط أهم مدينتين أو مركزين في حياة النبي، وبداية الإسلام آنذاك.

البعد الثاني: إن هذه المنطقة تتشعب فيها طرق المدنيين من الحجاج (أهل المدينة)، والمصريين، والعراقيين، وهذا يُظهر أن رسول الله عندما بلغ بهذا التبليغ يظهر منه كبصمة يختم بها المسير، ثم ليفترق معها الحجاج، كلٌ الى موطنه فهي عندئذ، حادثة جعلها أقرب ما يكون لتنفصل عن بقية الإحداث التي سار معها رسول الله خلال هذه المسيرة فجعل لها تميّزا واضحا.

أيضا من الأمور التي تشكل أبعاداً لهذه الواقعة، وتعطيها من القيمة والأهمية هي؛ أمر رسول الله أن يرد من تقدم من الحجاج، ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان (غدير خم)، وهذا معناه ان الحدث مُهم، لا يُراد به الإخبار فقط، بقدر مايراد به التحقق عند كل من كان موجوداً، ولو أراد بذلك الإخبار لأكتف بتصريح يبلغ فيه أحدهم الآخر.

⭐ أمر رسول الله أن يُردّ من تقدم من الحجاج، ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان (غدير خم)، وهذا معناه ان الحدث مُهم، لا يُراد به الإخبار فقط

وايضاً؛ مما يعطي لهذه الحادثة أهميتها؛ ان رسول الله بلغ بذلك وصرح في طقس كانت الحرارة فيه مرتفعة، حتى يُقال انه كان يوماً هاجراً، يضع الرجل بعض ردائه على رأسه، وبعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء، ثم مما قد يظهر وضوح مشهد هذه الحادثة هو ما جمع لرسول الله من رحال يقف عليها حتى يراه الناس ويسمعوه.

كل ذلك قد يوضح لنا معالم تلك الواقعة، فهل يحتاج إخبار غير مهم الى هذا المشهد ليخطب في القوم مركزاً على موالاة هذه الشخصية التي سواء كانت حاضرة بهذا المشهد أم لم تحضر؟ وهل يحتاج مع كل ذلك، إخبار الآخرين بان علي ابن أبي طالب هو المولى بعد رسول الله، صلى الله عليه واله وسلم، فقط!

إن بانوراما الغدير؛ أي المشهد العام والمنظر الشامل من كل اتجاه، يبدو من الأعلى، أن المراد به إيصال الحقيقة بشكل مكشوف، و امام الجميع بعيداً عن صخب الاحداث مع محاولة توزيع عناصر الحادثة كلها باتجاه ذلك النصب الذي وقف عليه ليظهر سيادة حدث تتويج هذه الشخصية وترشيحها لتكون بيدها إكمال الخط الإلهي والمبعث الرسالي من بعد شخصية النبي محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، فهو الوالي و الحاكم فيهم والمتصرف.

المصادر:

  1. القزويني، كاظم محمد، الأمام علي (ع) من المهد الى اللحد، ط7، دار القارى، العراق- النجف الاشرف،2009
  2. مؤسسة البلاغ، سيرة الرسول وأهل البيت (محمد رسول الله)، ط5، مطبعة الستارة، العراق، 2010

عن المؤلف

م.م حسين رشك خضير/ كلية التربية الأساسية/ جامعة ميسان

اترك تعليقا