رأي

ما نعرفه عن معاوية وما نجهله من علي

“أنزلني الدهر، ثم أنزلني ثم أنزلني، حتى قالوا: علي و معاوية”.

أمير المؤمنين، عليه السلام.

ما الذي يثيرنا في عمل تلفزيوني عن شخصية تاريخية مقيتة ومفضوحة مثل؛ معاوية؟

طيلة قرن من الزمن ـ وما تزال- المناهج الدراسية لمادة التاريخ في مدارس البلاد الاسلامية تعد معاوية بن أبي سفيان مؤسساً للدولة العربية الأولى، وصاحب “عام الجماعة”، وأنه طيلة عشرين عاماً من حكمه، فرض الأمن والاستقرار سياسياً فقط، فهو شخصية ايجابية عند شريحة من الأمة ممن لا يؤمنوا بأمير المؤمنين، عليه السلام، ولياً وإماماً لها، فهذا هو وليها وإمامها وقدوتها. فماذا نفعل؟!

لم تندفع المؤسسات الخاصة بالانتاج الفني (السينمائي والتلفزيوني) لتلميع وجوه مثل؛ صلاح الدين الأيوبي، والحجاج، ومعاوية، وأشباههم، إلا للتعويض عن مساحة الضِعة الواسعة والكبيرة بينهم وبين قامات شامخة مثل أمير المؤمنين، والأئمة المعصومين من بنيه، رغم عدم وجود أي وجه للمقارنة، إنما بحكم التاريخ الجامع لرموزه وشخصياته، مع اعتقادنا الراسخ بأن أئمة أهل البيت، وقبلهم رسول الله والصديقة الزهراء، ليسوا شخصيات تاريخية بقدر ما يمثلون منهجاً ينبض بالحياة على طول الخط، وطريقاً مضيئاً وممتداً الى يوم القيامة يوفر الامكانية والفرصة لتحقيق السعادة للبشرية، وقد أكد المعصومون، عليهم السلام، لنا في غير حديث وموقف، أنه بقدر التزامنا بهذا المنهج وهذا الطريق، نكون أقدر على تحقيق الاهداف السامية.

⭐ مرّت علينا قبل أيام ذكرى المولد السعيد لأمير المؤمنين، عليه السلام، ونستقبل قريباً ذكرى مولد الامام الحجة المنتظر، عجل الله فرجه، والسؤال مازال يطاردنا؛ ما مقدار معرفتنا بأئمة أهل البيت، عليهم السلام؟

“فأين الثرى من الثريا وأين معاوية من علي”؟ وأين من يحتاج الى ملايين الدولارات لاخراجه من تحت ركام التاريخ ليراه أبناء الجيل الجديد بعد عمليات تجميل وتزوير ايضاً، ومن يكون صاحب فضل رسم النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمؤمنين ويهب لهم الحياة السعيدة دون أن يكلفهم فلساً واحداً.

الحرج الكبير لمن يقف خلف مسلسل معاوية التلفزيوني باضطراره اللجوء الى هذه الشخصية، يجب ان يتضاعف بحرج أكبر وخشية من وجود بصمات أمير المؤمنين، وابنيه الحسنان، عليهم السلام، في أوساط الأمة، وتحديداً بين المجتمعات الشيعية التي يفترض انها تمثل المصاديق العملية لمنهج اهل البيت أمام من يزور المراقد المقدسة من اصحاب الديانات والمذاهب المختلفة في العالم.

مرّت علينا قبل أيام ذكرى المولد السعيد لأمير المؤمنين، عليه السلام، ونستقبل قريباً ذكرى مولد الامام الحجة المنتظر، عجل الله فرجه، والسؤال مازال يطاردنا؛ ما مقدار معرفتنا بأئمة أهل البيت، عليهم السلام؟ وهل استفدنا من مناسبات الافراح والاحزان المتعلقة بهم للتقليل من نسبة الجهل من سيرتهم ومنهجهم؟

أكثر ما كان يشكوه أمير المؤمنين من اصحابه، وهو يقاتل معاوية؛ المعرفة، فقد كان الامام يقود جيشاً جراراً كونه الحاكم الرسمي للدولة الاسلامية، ولكن؛ غثاءً كغثاء السيل، فيه المنافق والنفعي، والمتعصّب القبلي، وقليل منهم المؤمنون بإمامة أمير المؤمنين، وأنه الإمام الحق المفروض الطاعة قبل أن يكون حاكماً سياسياً، لذا حصل الذي حصل في معركة صفين، وبعدها معركة النهروان التي كانت افرازاً للجهل المطبق لدى حوالي اربعة آلاف انسان كانوا في صفوف جيش الامام، تحولوا فيما بعد الى تيار نعتهم التاريخ باسم “الخوارج”.

⭐ لم تندفع المؤسسات الخاصة بالانتاج الفني (السينمائي والتلفزيوني) لتلميع وجوه مثل؛ صلاح الدين الأيوبي، والحجاج، ومعاوية، وأشباههم، إلا للتعويض عن مساحة الضِعة الواسعة والكبيرة بينهم وبين قامات شامخة مثل أمير المؤمنين، والأئمة المعصومين من بنيه

ولعل من أبرز اهداف المسلسل المزمع بثه في ايام شهر رمضان هو التعريف بشخصية معاوية لملايين المشاهدين في البلاد الاسلامية، ممن لم يتعرفوا على تفاصيل حياة هذه الشخصية، وتكريس ثقافة القسوة في إدارة الحكم، وأن معاوية تمكن من فرض توظيف القوى المالية والسياسية والعسكرية لفرض هيمنته على الحكم، وعليه؛ فهو الأجدر بتولي القيادة من أمير المؤمنين، عليه السلام، الذي يحرّم مبدأ “الغاية تبرر الوسيلة”.

ولا ننسى توقيت العمل على هذا المسلسل الذي ربما استغرق وقتاً طويلاً، مع الاحباط من التجربة السياسية للشيعة في العراق، ومغبة التفكير بتكرار التجربة في البلاد الاخرى ذات الوجود الشيعي، فاذا حكم الشيعة فهذا يعني الحروب والصراعات والفساد والفوضى، أما الديكتاتورية والحكم الفردي القاسي هو الذي يوفر الأمن والاستقرار، ومن ثمّ؛ فان الفضائل والأخلاق والتقوى لا علاقة لها بالسياسة والحكم، وفق أتباع معاوية اليوم، بينما أمير المؤمنين كان يهتف عالياً منذ تلك الأيام الحالكة من تاريخ الأمة بأن “أفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان حتى لقد قالت قريش إن ابن ابي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب”. هذا الخذلان والعصيان، وقبله الجهل بحقيقة أمير المؤمنين، هو الذي جرأ معاوية وأتباعه لأن يَنزَون على منابر المسلمين ويتحكموا بمصير الأمة، والى اليوم الانحراف مستمر، واعتقد أن صدمة وجود مسلسل معاوية على المشاهد العربي ستكون أقل بكثير جداً من صدمته اذا عرف شيئاً يسيراً عن شخصية أمير المؤمنين، وما هي منزلته، وكيف تعامل مع الناس والاحداث في حياته، وكيف أن الامة من شرقها حتى غربها كانت ظالمة بجهلها وصي رسول الله، وهذا ما لم يحصل حتى الآن للأسف.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا