أسوة حسنة

الإِمَامُ مُوسَى الكَاظِم وَجِهَادُ الكَلِمَةِ فِي وَجهِ الظَّالِم

“استشهد الإمام الكاظم مسموماً في 25 رجب سنة 183 هـ في سجن بغداد المظلم”

  • مقدمة وحِكمة

روي في حديث شريف، قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: “أَفْضَلُ اَلْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ”، والتاريخ الإسلامي فيه من هؤلاء أقلاء إلا أن أئمة المسلمين كانوا من طليعة هؤلاء المجاهدين بأفضل الجهاد، والإمام موسى بن جعفر الكاظم، عليه السلام، كان منارة عالية ونوراً سامياً لهذا الجهاد في عصر العباسيين المظلم إلا أن التاريخ الظالم يصفه بأنه ذهبي.

نعم؛ هو ذهبي للطغاة والحكام الظالمين من العباسيين ولجوقة الدَّجل والنِّفاق من أبواق السَّلاطين، ومزامير الشياطين الذين يعبدون السُّلطان ولو كان بقتل نبي الله سليمان، لأن هذا البوق لا يهمه إلا أن يملأ جيبه من خيرات السلطان ولو كانت بأغلى الأثمان.

  • الإمام موسى الكاظم عليه السلام

والإمام موسى الكاظم، عليه السلام، الذي عاش في ذلك العصر المخضرم وحمل وزر الرسالة والحق عند العباسيين – إن كان للحق وزر- ولكنه كان كجدِّه رسول الله، صلى الله عليه وآله، الذي حمَّلته قريش آثام التوحيد وكسره لأصنامها، وكجدِّه أمير المؤمنين الذي حمل آثام الإسلام عند قريش لأنه قتل طغاتهم وناوش ذؤبانهم وكسر قرون الشياطين فيهم، فحمَّلوه وزر هذا كله وقالوا: لا تجتمع النبوة والولاية في أهل البيت ، عليه السلام، أبداً فأقصته رجال قريش بكل قوة وهم أحوج ما يكونوا إليه، وهو أغنى ما يكون عنهم، وعن سلطتهم ودنياهم التي لا تسوى عفطة عنز، ولا قشرة شعير في فم جرادة تقضمها كما كان يقول لهم.

 والإمام موسى الكاظم، عليه السلام، حمل نفس الحمل بنظر العباسيين لأنهم يعرفونه جيداً وأنه الإمام المفترض الطاعة، وحجة الله عليهم وعلى الخلق أجمعين، وهو وريث صاحب الدَّعوة التي سرقوها من أبيه الإمام جعفر الصادق، عليه السلام، جهاراً نهاراً مكراً وخديعة.

وهذا ليس إدِّعاء منَّا بل هو ما رواه عبد الله المأمون عن أبيه هارون الرشيد الذي كان يرتعب من الإمام موسى بن جعفر، عليه السلام، فقد روى سُفْيَانَ بْنِ نِزَارٍ قَالَ: كُنْتُ يَوْماً عَلَى رَأْسِ اَلْمَأْمُونِ فَقَالَ: أَ تَدْرُونَ مَنْ عَلَّمَنِي اَلتَّشَيُّعَ؟ فَقَالَ اَلْقَوْمُ جَمِيعاً: لاَ وَاَللَّهِ مَا نَعْلَمُ.

قَالَ: عَلَّمَنِيهِ اَلرَّشِيدُ، قِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ وَاَلرَّشِيدُ كَانَ يَقْتُلُ أَهْلَ هَذَا اَلْبَيْتِ؟ قَالَ: كَانَ يَقْتُلُهُمْ عَلَى اَلْمُلْكِ لِأَنَّ اَلْمُلْكَ عَقِيمٌ وَلَقَدْ حَجَجْتُ مَعَهُ سَنَةً فَلَمَّا صَارَ إِلَى اَلْمَدِينَةِ تَقَدَّمَ إِلَى حُجَّابِهِ وَقَالَ: لاَ يَدْخُلَنَّ عَلَيَّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ مِنْ أَهْلِ اَلْمُهَاجِرِينَ وَاَلْأَنْصَارِ وَبَنِي هَاشِمٍ وَسَائِرِ بُطُونِ قُرَيْشٍ إِلاَّ نَسَبَ نَفْسَهُ وَكَانَ اَلرَّجُلُ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: أَنَا فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى جَدِّهِ مِنْ هَاشِمِيٍّ، أَوْ قُرَشِيٍّ، أَوْ مُهَاجِرِيٍّ، أَوْ أَنْصَارِيٍّ فَيَصِلُهُ مِنَ اَلْمَالِ بِخَمْسَةِ آلاَفِ دِينَارٍ وَمَا دُونَهَا إِلَى مِائَتَيْ دِينَارٍ عَلَى قَدْرِ شَرَفِهِ وَهِجْرَةِ آبَائِهِ فَأَنَا ذَاتَ يَوْمٍ وَاقِفٌ إِذْ دَخَلَ اَلْفَضْلُ بْنُ اَلرَّبِيعِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَى اَلْبَابِ رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ مُوسَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ قِيَامٌ عَلَى رَأْسِهِ وَاَلْأَمِينُ وَاَلْمُؤْتَمَنُ وَسَائِرُ اَلْقُوَّادِ فَقَالَ: اِحْفَظُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ثُمَّ قَالَ لِآذِنِهِ: اِئْذَنْ لَهُ وَلاَ يَنْزِلْ إِلاَّ عَلَى بِسَاطِي فَإِنَّا كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ شَيْخٌ مُسَخَّدٌ قَدْ أَنْهَكَتْهُ اَلْعِبَادَةُ كَأَنَّهُ شَنٌّ بَالٍ قَدْ كُلِمَ مِنَ اَلسُّجُودِ وَجْهُهُ وَأَنْفُهُ فَلَمَّا رَأَى اَلرَّشِيدَ رَمَى بِنَفْسِهِ عَنْ حِمَارٍ كَانَ رَاكِبَهُ فَصَاحَ اَلرَّشِيدُ: لاَ وَاَللَّهِ إِلاَّ عَلَى بِسَاطِي، فَمَنَعَهُ اَلْحُجَّابُ مِنَ اَلتَّرَجُّلِ وَنَظَرْنَا إِلَيْهِ بِأَجْمَعِنَا بِالْإِجْلاَلِ وَاَلْإِعْظَامِ فَمَا زَالَ يَسِيرُ عَلَى حِمَارِهِ حَتَّى صَارَ إِلَى اَلْبِسَاطِ وَاَلْحُجَّابُ وَاَلْقُوَّادُ مُحْدِقُونَ بِهِ فَنَزَلَ فَقَامَ إِلَيْهِ اَلرَّشِيدُ وَاِسْتَقْبَلَهُ إِلَى آخِرِ اَلْبِسَاطِ فَقَبَّلَ وَجْهَهُ وَعَيْنَيْهِ وَأَخَذَ بِيَدِهِ حَتَّى صَيَّرَهُ فِي صَدْرِ اَلْمَجْلِسِ وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ فِيهِ وَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ وَيُقْبِلُ بِوَجْهِهِ عَلَيْهِ وَيَسْأَلُهُ عَنْ أَحْوَالِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا اَلْحَسَنِ مَا عَلَيْكَ مِنَ اَلْعِيَالِ؟

فَقَالَ: يَزِيدُونَ عَلَى اَلْخَمْسِمِائَةِ، قَالَ: أَوْلاَدٌ كُلُّهُمْ؟ قَالَ: لاَ أَكْثَرُهُمْ مَوَالِيَّ وَحَشَمٌ أَمَّا اَلْوَلَدُ فَلِي نَيِّفٌ وَثَلاَثُونَ وَاَلذُّكْرَانُ مِنْهُمْ كَذَا وَاَلنِّسْوَانُ مِنْهُمْ كَذَا، قَالَ: فَلِمَ لاَ تُزَوِّجُ اَلنِّسْوَانَ مِنْ بَنِي عُمُومَتِهِنَّ وَأَكْفَائِهِنَّ؟ قَالَ: اَلْيَدُ تَقْصُرُ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَمَا حَالُ اَلضَّيْعَةِ؟ قَالَ: تُعْطِي فِي وَقْتٍ وَتَمْنَعُ فِي آخَرَ، قَالَ: فَهَلْ عَلَيْكَ دَيْنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: كَمْ؟ قَالَ: نَحْوُ عَشَرَةِ ألف [آلاَفِ] دِينَارٍ، فَقَالَ لَهُ اَلرَّشِيدُ: يَا اِبْنَ عَمِّ أَنَا أُعْطِيكَ مِنَ اَلْمَالِ مَا تُزَوِّجُ اَلذُّكْرَانَ وَاَلنِّسْوَانَ وَتَقْضِي اَلدَّيْنَ وَتَعْمُرُ اَلضِّيَاعَ، فَقَالَ لَهُ: وَصَلَتْكَ رَحِمٌ يَا اِبْنَ عَمِّ وَشَكَرَ اَللَّهُ لَكَ هَذِهِ اَلنِّيَّةَ اَلْجَمِيلَةَ وَاَلرَّحِمُ مَاسَّةٌ وَاَلْقَرَابَةُ وَاشِجَةٌ وَاَلنَّسَبُ وَاحِدٌ وَاَلْعَبَّاسُ عَمُّ اَلنَّبِيِّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَصِنْوُ أَبِيهِ وَعَمُّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وَصِنْوُ أَبِيهِ وَمَا أَبْعَدَكَ اَللَّهُ مِنْ أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ وَقَدْ بَسَطَ يَدَكَ وَأَكْرَمَ عُنْصُرُكَ وَأَعْلَى مَحْتِدَكَ.

فَقَالَ: أَفْعَلُ ذَلِكَ يَا أَبَا اَلْحَسَنِ وَكَرَامَةً.

فَقَالَ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ فَرَضَ عَلَى وُلاَةِ عَهْدِهِ أَنْ يَنْعَشُوا فُقَرَاءَ اَلْأُمَّةِ وَيَقْضُوا عَنِ اَلْغَارِمِينَ وَيُؤَدُّوا عَنِ اَلْمُثْقَلِ وَيَكْسُوا اَلْعَارِيَ وَيُحْسِنُوا إِلَى اَلْعَانِيَ فَأَنْتَ أَوْلَى مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ.

فَقَالَ: أَفْعَلُ يَا أَبَا اَلْحَسَنِ، ثُمَّ قَامَ فَقَامَ اَلرَّشِيدُ لِقِيَامِهِ وَقَبَّلَ عَيْنَيْهِ وَوَجْهَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ وَعَلَى اَلْأَمِينِ، وَاَلْمُؤْتَمَنِ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اَللَّهِ وَيَا مُحَمَّدُ وَيَا إِبْرَاهِيمُ اِمْشُوا بَيْنَ يَدَيْ عَمِّكُمْ وَسَيِّدِكُمْ خُذُوا بِرِكَابِهِ وَسَوُّوا عَلَيْهِ ثِيَابَهُ وَشَيِّعُوهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ أَبُو اَلْحَسَنِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ) سِرّاً بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَبَشَّرَنِي بِالْخِلاَفَةِ، فَقَالَ لِي: إِذَا مَلَكْتَ هَذَا اَلْأَمْرَ فَأَحْسِنْ إِلَى وُلْدِي.

ثُمَّ اِنْصَرَفْنَا وَكُنْتُ أَجْرَى وُلْدِ أَبِي عَلَيْهِ فَلَمَّا خَلاَ اَلْمَجْلِسُ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ مَنْ هَذَا اَلرَّجُلُ اَلَّذِي قَدْ أَعْظَمْتَهُ وَأَجْلَلْتَهُ وَقُمْتَ مِنْ مَجْلِسِكَ إِلَيْهِ فَاسْتَقْبَلْتَهُ وَأَقْعَدْتَهُ فِي صَدْرِ اَلْمَجْلِسِ وَجَلَسْتَ دُونَهُ؟ ثُمَّ أَمَرْتَنَا بِأَخْذِ اَلرِّكَابِ لَهُ.

قَالَ: هَذَا إِمَامُ اَلنَّاسِ وَحُجَّةُ اَللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَخَلِيفَتُهُ عَلَى عِبَادِهِ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَ وَ لَيْسَتْ هَذِهِ اَلصِّفَاتُ كُلُّهَا لَكَ وَفِيكَ؟

فَقَالَ: أَنَا إِمَامُ اَلْجَمَاعَةِ فِي اَلظَّاهِرِ وَاَلْغَلَبَةِ وَاَلْقَهْرِ وَمُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ إِمَامُ حَقٍّ وَاَللَّهِ يَا بُنَيَّ إِنَّهُ لَأَحَقُّ بِمَقَامِ رَسُولِ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) مِنِّي وَمِنَ اَلْخَلْقِ جَمِيعاً وَوَاَللَّهِ لَوْ نَازَعْتَنِي هَذَا اَلْأَمْرَ لَأَخَذْتُ اَلَّذِي فِيهِ عَيْنَاكَ فَإِنَّ اَلْمُلْكَ عَقِيمٌ.

فَلَمَّا أَرَادَ اَلرَّحِيلَ مِنَ اَلْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ أَمَرَ بِصُرَّةٍ سَوْدَاءَ فِيهَا مِائَتَا دِينَارٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى اَلْفَضْلِ بْنِ اَلرَّبِيعِ فَقَالَ لَهُ: اِذْهَبْ بِهَذِهِ إِلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ وَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ نَحْنُ فِي ضِيقَةٍ وَسَيَأْتِيكَ بِرُّنَا بَعْدَ اَلْوَقْتِ، فَقُمْتُ فِي صَدْرِهِ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ تُعْطِي أَبْنَاءَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَاَلْأَنْصَارِ وَسَائِرَ قُرَيْشٍ وَبَنِي هَاشِمٍ وَمَنْ لاَ تَعْرِفُ حَسَبَهُ وَنَسَبَهُ خَمْسَةَ آلاَفِ دِينَارٍ إِلَى مَا دُونَهَا وَتُعْطِي مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ وَقَدْ أَعْظَمْتَهُ وَأَجْلَلْتَهُ مِائَتَيْ دِينَارٍ أَخَسَّ عَطِيَّةٍ أَعْطَيْتَهَا أَحَداً مِنَ اَلنَّاسِ؟

فَقَالَ: اُسْكُتْ لاَ أُمَّ لَكَ فَإِنِّي لَوْ أَعْطَيْتُ هَذَا مَا ضَمِنْتُهُ لَهُ مَا كُنْتُ أَمِنْتُهُ أَنْ يَضْرِبَ وَجْهِي غَداً بِمِائَةِ أَلْفِ سَيْفٍ مِنْ شِيعَتِهِ وَمَوَالِيهِ وَفَقْرُ هَذَا وَأَهْلِ بَيْتِهِ أَسْلَمُ لِي وَلَكُمْ مِنْ بَسْطِ أَيْدِيهِمْ وَأَعْيُنِهِمْ). (عيون الأخبار: ج۱ ص۸۸).

هذه هي الصورة الحقيقية والواقعية للإمام موسى بن جعفر مع السلطة العباسية ورجالها الطغاة حيث يعلمون أنه أحق خلق الله بمقام جده رسول الله، صلى الله عليه وآله، وأنه أحق خلق الله بالخلافة والحكم والسلطة، وأنه سلطان القلوب والأرواح، ولكن شعارهم: (الملك عقيم)، وكل شيء يرخص في سبيل السلطة، وكم للإمام موسى ، عليه السلام، من كلمات كانت كالسِّياط على ظهور هؤلاء الطغاة من بني العباس كهذه النصيحة له في هذه الحادثة.

وفي حادثة أراد منها هارون أن يتفاخر على الناس ويتطاول على الأمة وأشرافها في المدينة المنورة حين أراد زيارة القبر الشريف للرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، فوقف عليه وَقَالَ: اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا اِبْنَ عَمِّ، فَقَالَ (الإمام مُوسَى الكاظم (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): (اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَبَهْ)، فَتَغَيَّرَ وَجْهُ اَلرَّشِيدِ، فَقَالَ لَهُ اَلرَّشِيدُ: أَنَا وَأَنْتَ اِبْنَا عَمِّهِ، فَقَالَ: (إِنْ كَانَ حَيّاً وَخَطَبَ اِبْنَتَكَ هَلْ تُزَوِّجُهُ؟) قَالَ: نَعَمْ، (وأفخر بها على العرب والعجم)، فقَالَ: (وَهَلْ يَخْطُبُ إِلَيَّ بِنْتِي؟) قَالَ: لاَ، فقال: لأنه ولدني ولميلدك، فحقدها عليه هارون حتى أرسله إلى سجن السندي بن شاهك في بغداد وطال به السجن لسنوات عجاف فكان يقضيها بالعبادة ويشكر الله أن فرَّغه لطاعته وعبادته في ذلك السجن المظلم والظالم للعباسيين لأنه ما كان يعرف النهار من الليل كما في التاريخ.

 فالإمام موسى الكاظم، عليه السلام، ذلك الطود الشَّامخ، والشَّرف الباذخ، والنور الظَّاهر لم يستطع طغاة بني العباس أن يخمدوا شعلته النورانية أو يسكتوا لسانه الإيماني الذي كان يلسعهم به كالسياط على رؤوسهم العفنة الخاوية ليذكِّرهم بالله وحقوق العباد وينصحهم ويعظهم في السِّر والعلن، ولذا سعوا للتخلُّص منه بالسَّم وهو في سجنه فانتقل إلى ربه شهيداً مظلوماً ووضعت جنازته على جسر بغداد يحملها أربعة من شرطتهم ويُنادون عليه بأعلى أصواتهم: “هذا إمام الرافضة، تعالوا وانظروا إليه فقد مات حتف أنفه”، وهذا أكبر دليل على أنهم اغتالوه بالسُّم ولم يمت كما قالوا.. السلام على حليف السجدة الطويلة، في ظلم السجون والمطامير.

عن المؤلف

الحسين أحمد كريمو

اترك تعليقا