ثقافة رسالية

نهج البلاغة والحياة (12) من يريد التغيير يزرع الأمل في العمل

يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “مَن جرى في عِنانِ أمله عثر في أجله”.

الحياة قائمة على الحقائق، وليست قائمة على الأماني والأحلام، ولا يرى الانسان في هذه الحياة إلا نتاج عمله، ما من إنسان إلا ويبني قصوراً من الأماني والأحلام، وما أسهل بناء الحلم، إلا أنّ الحالمين أكثر هم المفاجأون بنتائج أخطر أكثر من غيرهم.

📌 القبور ليست مدافن الاجساد بمقدار ما هي مدافن الأماني والآمال الطوال، لأن الحياة وسنة الله قائمتان على العمل لا الأمنية

القبور ليست مدافن الاجساد بمقدار ما هي مدافن الأماني والآمال الطوال، لأن الحياة وسنة الله قائمتان على العمل لا الأمنية.

نعم؛ لابد لكل إنسان أن يكون راكبا على طموحه، لان من لا يأمل لا يمكنه التحرك، لكن أن تجعل الأمل والأمنية بديلاً عن الانتاج فهذا هو الخطأ بعينه، فلا يُطلب منك أن لا تحلم، ولا تأمل، لكن المطلوب أن تكون آيسا من اللافعل، ومؤملا للفعل؛ آيسا من أي نتيجة لم تعمل لها، وآيسا من كل عمل لم تعمله، لان من صفات أهل النار كما يبينها القرآن الكريم: {ويُحبونَ أنْ يُحْمَدوا بِمَا لمْ يَفْعَلوا}.

الأمل أملان؛ أمل يكون مُنطَلقا لك الى الحياة، وأمل يكون بديلاً عن العمل، وهو بديل مزيف، الأمل الصادق هو الذي يدفع الإنسان الى العمل اكثر، فما دام يأمل الفرد أن يحصل في عمل ما على ربح فإنه يسعى له، أما الأمل الكاذب هو: ان يجلس الانسان في بيته ويأمل الحصول على شيء!

في الأحاديث والروايات نهي شديد عن اليأس والأمنية، وجعل الأماني بدائل عن الأعمال، فمن يريد شيئا لابد أن يعمل له، ويطمئن الى النتيجة، لانه لا يضيع جهد في هذه الحياة، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: إِيَّاكَ وَ الِاتِّكَالَ عَلَى الْمُنَى فَإِنَّهَا بَضَائِعُ النَّوْكَى”، ـ والنوكى هو الأحمق، او العاجز، فأن يجلس الإنسان ويخيّط الآمال كما تخيّط العجائز الثياب فإن هذا لا يُعطى نتيجة، فالله لم يبنِ الحياة على الأماني، وإلا لكان أكسل الناس هو أكثرهم حصولا على النتائج، بينما الحقيقة غير ذلك.

الإنسان الكسول فيلسوف، لان لديه الكلام الكثير، وعادة حلمه أكثر من غيره، لكن الإنسان العملي حينما تطرح عليه قضية يتحرك لها فيحصل على النتيجة، أما من يبني مُدناً من الأحلام حين يفتح عينه لا يجد شيئا.

الأمل الصادق هو الأمل المتفائل الذي يسوق الانسان الى العمل، ومطلوب من الانسان ان يكون متفائلا، لكن لابد من زرع الأمل في العمل؛ المؤمن هو الذي يأمل بعمله، وغيره هو يعمل بأمله، فهو يطبق الآمل الى واقع عملي، لكن الذي يعمل بالآمال، فإن عمله أن يأمل فقط!

  • الدين يوجّه الأماني

الإسلام يعتبر كل الحياة أماني ويعتقد أن المؤمن الصادق هو الذي يجعل الموت نُصب عينيه، لا موتا يؤدي به الكسل، بل موتاً يؤدي به الى عمل أكثر، فلو عرف الإنسان أن لديه فرصة ضئيلة في هذه الحياة، ألا يُتعب نفسه ليحصل على نتيجة أكبر؟

لو كنت مؤلِّفا وانك علمت أن لا تملك من فرصة الحياة إلا اياما قليلة، فإنك ستعمد الى تأليفك وتكمله، هذا هو عمل العقل، أما إذا أملت أنك لك فرصة كبيرة، فربما تموت وأنت لم تكمل ذلك الكتاب، وهذا هو الايمان بالموت وجعله دافعاً للعمل باعتبار اننا لا نعرف متى تنتهي الفرصة.

📌 إن سنة الله وسنّة الحياة قضت ان الإنسان في هذه الدنيا لن يحصل على شيء دون أي عمل

يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “كفى بالموت حارسا”، إذا كنا نعرف أن الموت يلاحقنا، لابد أن نسعى الى عمل أكثر لان فرصتنا في هذه الحياة قليلة، فمن يعرف أنه يموت لا يصنع الأحلام والآمال، بل يسعى للعمل، ويكون أمله في عمله، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “صار اولياء الى الأجر بالصبر والى الأمل بالعمل”.

لابد أن نعرف ان تقدمنا بلادنا، واستقلال انفسنا، وارادتنا، كل ذلك بحاجة الى التعب والثمن، فمن يدفع الثمن اليوم يربح غدا، ومن يسعى خلاف ذلك فلن يحصل على شيء، لان سنة الله تقتضي العمل والسعي.

حين يتحمل كل إنسان مسؤولته تجاه بلده فإن التغيير سيكون وبلا شك، فحين يقوم نخبة من المجتمع بعمل ودور فعال، فإن ذلك لا يبدل شيئا في صحيفة عمل من لم يعمل، ولم يقم بواجبه، وأعمال الإمام علي، عليه السلام، لن تكتب في صحيفة أعمالنا.

فمن يظن أن مجتمعه سيتقدم دون أن يقوم بواجبه ويتحمل مسؤوليته، فإن تلك أمانٍ مزيفة، واحلام كاذبة، ولن تكون بديلا عن الأعمال والانجازات، وسيحاسب الإنسان على تقصيره.

فمنطق الفاشلين كما يعبر عنه القرآن الكريم: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}، أما منطق العاملين فهو العمل، وتنظيم الجهود، ذلك أن الأعداء يمتلكون جهوداً كبيرة، فلا يمكن أن ننتظر زلزالا يوقض الناس، إن لم يكن هناك زلزالا في إرادة الإنسان نفسه، ويتغير هو في أعماقه، حتى القائد في المجتمع، قد يكون موجوداً ولا يُستفاد منه الى أن يموت، وذلك حينما لا يوجد شعب يدعمه ويشجعه.

إن سنة الله وسنّة الحياة قضت ان الإنسان في هذه الدنيا لن يحصل على شيء دون أي عمل، ودون أي جهد، أما من يمنّي نفسه، ويعيش أحلام اليقظة دون أي عمل فلن يحصل على شيء، لذا فإن المطلوب هو العمل مع الأمل، لا أن يكتفي الإنسان بالأمل فقط، وذلك لا يعني أن لا يتخيل الإنسان ويرسم طموحاته، إنما المطلوب هو أن يقترن الأمل بالعمل، ليعطي النتيجة المثمرة ولو بعد حين.


  • مقتبس من محاضرة لآية الله السيد هادي المدرسي (حفظه الله).

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا