بصائر

لماذا الخشية من تغيير المجتمع؟*

يقول الله ـ تعالى ـ: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}.

  • الثورات والحركات الرسالية والتغييرية الشاملة تمر بمراحل:

المرحلة الاولى: تتركز في اسقاط الاصنام والتي تتمثل في الأنظمة الظالمة، كما فعل النبي موسى، عليه السلام، وبتأييد من الله ـ تعالى ـ أسقط الصنم الكبير، وتبعها الاصنام الصغيرة.

المرحلة الثانية: بناء المجتمع الايماني المتكامل، وهذه مرحلة ذات خطورة، وأهمية كبيرة، وهذه المرحلة لا تقل خطورة عن المرحلة الاولى، لأن المجتمع الذي عاش في ظل الطاغوت؛ فتثقف بثفافته، وتربى بتربيته، فتتراكم في نفوس أبناء هذا المجتمع العُقد المختلفة.

📌المجتمع الذي عاش في ظل الطاغوت؛ فتثقف بثفافته، وتربى بتربيته، فتتراكم في نفوس أبناء هذا المجتمع العُقد المختلفة.

وفي هذه المرحلة نحتاج الى ثورة من نوع آخر؛ فقد تسمى ثورة إصلاحية، أو ثقافية، أو تربوية، فلابد أن تكون هناك حركة قوية لاصلاح النفوس.

بنو اسرائيل عاشوا في ظل فرعون، وعلى الرغم من أنهم كانوا مستضعفين، وكان الفراعنة لا يقيمون لهم وزنا، ولا ينظروا اليهم كبشر، على الرغم من كل ذلك إلا أنهم تأثروا بالفراعنة، وبالجو العام الذي كان حاكما، وبعد أُنقذوا من فرعون، انتقلوا الى شبه جزيرة سيناء، فوجدوا اشخاصا يعبدون اصناما.

ونتيجة للعقد التي تراكمت في نفوس بني اسرائيل من أيام الفراعنة، طالب بنو اسرائيل موسى أن يكون لهم آلهة كما لاولئك القوم آلهة يعبدونها.

لكن السؤال المطروح: لماذا اقدم بنو اسرائيل على هذا الفعل؟ ألم يروا بأنفسهم المصائب التي كانت تأتيهم من قبل نظام فرعون؟

حينما خرج بنو اسرائيل من البحر واصبحوا في الصحراء وجدوا قوما لهم نظامهم السياسي والاجتماعي، فطلبوا من موسى أن يكونوا كذلك، وفي الحقيقة أن بني اسرائيل اغتروا بما لدى اولئك من زخاف الدنيا، وفي العادة هناك تضاد حاد بين زخاف الدنيا، وبين الحقائق.

انبهر بنو اسرائيل بزخاف الدنيا؛ مدنية ونظام، وحياة مستقرة، ولم ينتبهوا أن ذلك الاستقرار مؤقت، وان تلك الحياة لن تدوم طويلا، لانها ذلك النظام الذي بناه اولئك القوم كان قائما على قواعد رخوة.

  • نبي الله موسى ألفتهم الى هذه الحقيقة عبر أمرين:

الأمر الأول: أن بني اسرائيل لم يتشبعوا بالدين الإلهي كما يجب، وإلا لما التفتوا الى زخاف اولئك القوم، لانها كانت قائمة على اساس الباطل.

الأمر الثاني: ذكّر نبي الله موسى، عليه السلام، بني اسرائيل كيف أنهم كانوا قبل ذلك أذلاء مستضعفين، ويتحكم فيهم مجموعة من الكهنة الذي كانوا يسومونهم سواء العذاب، والنظام الذي رأوه بني اسرائيل بعد نجاتهم من اليم، هو نفس النظام الفرعوني.

  • وانطلاق من الآية الكريمة آنفة الذكر لابد من بصائر عدة:

البصيرة الاولى: أن قائدا كموسى، وهو نبي من انبياء الله، ولديه معاجر، كالعصا، واليد البيضاء، لم ينتبه اليها بنو اسرائيل.

ولذا فإن مشكلة  الكثير من البشر أنه يرى المظاهر، ولا يرى الحقائق، ولا يتعمق في الامور، فالمعاجر التي ظهرت على يد نبي الله موسى، عليه السلام، تدل على ان هذا القائد الفذ يجب أن يُتبع.

هناك قانون يذكره علماء الاجتماع: “أن المغلوب يتأثر بثقافة الغالب” ـ مثلا ـ الفرنسيون احتلوا الجزائر وقتلوا من ابناء ذلك البلد أكثر من مليوني إنسان، لكن تجد أن أكثر الشعب الجزائري يحب الفرنسيين، ويتكلمون باللغة الفرنسية، وهناك من الجزائريين يصعب عليهم التكلم باللغة العربية.

وهذه هي مشكلة الكثير من الشعوب الاسلامية فيعتبرون الغربيين ابطالا، يذكر بعض المؤرخين أن بريطانيا قتلت أكثر من مئتي مليون إنسان حول العالم، لكن ـ ومع الاسف ـ تجد أن شعوبنا الاسلامية تعد بريطانيا قدوة.

📌البشر إذا تُرك يصبح تحت ولاية الشيطان لان جاذبية الدنيا تجعل الانسان يتبع الشطيان والخروج من هذه الحالة يحتاج الى ارادة صلبة

هذه العقيلة يجب أن نحاربها، لان تشبه عقلية بني اسرائيل بعد أن اناجهم الله من فرعون.

البصيرة الثانية:  أن المعركة الكبرى بين الرساليين واعدائهم تتركز في مسألة الولاية.

البشر إذا تُرك يصبح تحت ولاية الشيطان لأن جاذبية الدنيا تجعل الانسان يتبع الشطيان والخروج من هذه الحالة يحتاج الى ارادة صلبة، وجهاد مستمر، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “من لم ينفعه الحق اضر به الباطل”.

ليس بالسهولة أن يحصل الانسان على الولاية الالهية، لذا لابد أولا من كسر الاصنام، لان الصنم رمز؛ فقد يكون رمزا للطبقية، أو رمزا للعصنرية، او الجهل.

البصيرة الثالثة: على الحركات الرسالية ان تتحدى الواقع، فليس كل ما يريده الناس يجب ان يُستجاب له، فالناس اذا ارادوا العودة الى الجهل والجاهلية بأي صورة كانت، يجب أن يُقاوم هذا الأمر.

عبادة الله لا تتم مع عبادة الشيطان والاصنام، والهوى، إنما يستطيع الإنسان عبادة الله حينما يحذف الاصنام، فكلمة التوحيد تتكون من جزأين “لا إله إلا الله”، فمن لا يستطيع أن يقول: (لا)، لا يستطيع أن يقول: (الله). في يوم القيامة يقول الله: “أنا خير شريك فمن عمل لي و لغيري جعلته لغيري”، فلا يمكن الجمع بين العمل لله ولغيره ـ تعالى ـ.


  • مقتبس من محاضرة للسيد المرجع المدرسي (دام ظله).

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا