بصائر

بين الاسرة المنظّمة والفوضوية*

يقول الله ـ تعالى ـ: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً}.

في هذه الآيات يبين ربنا تنظيم المجتمع الذي ابتناؤه بالاسرة، فإذا كانت الاسرة منظمة فالمجتمع يصبح منظما، وهنا بيان لهذه الحقيقة بالاضافة هناك اشارة الى مدير الاسرة.

في البداية تكون الاسرة محدودة بالزوج والزوجة والأولاد، ثم مع الزمن يتكاثرون، ومن ثم تصبح الاسرة كبيرة، وربما اصبحت عشيرة، وهنا لابد أن يكون تنظيم وادارة لهذا الجمع الكبير (الأسرة).

تكوّن الأسرة يبدأ من رجل وأمراة، وهنا لابد من طرح السؤال التالي: من المسؤول عن ادارة هذه الاسرة؟ للرجل أم للمرأة؟

 أم تكون الاسرة بلا ادارة؟ وهذا يعني الفوضى، وهذا ما يرفضه وجدان الانسان.

الرجل هو الذي يدير الاسرة والمجتمع، فكما أن المجتمع لا يديره إلا الرجال، فكذلك الأسر لا يديرها إلا الرجال، فليس من المعقول أن تكون ادارة المجتمع للرجل، بينما تكون إدارة الأسرة للمرأة.

⭐ كما أن تفاضل المجتمع يكون بالحكمة والعقل والادارة، كذلك فيما يرتبط بالاسرة فإن الادارة تكون بيد الرجل لانه يمتلك المزيد من العلم والحكمة

وهنا ـ أيضا ـ لابد من طرح سؤال ثانٍ: لماذا يكون الرجال هم القوامون وبيدهم الإدارة؟

الإجابة على ذلك بأمرين:

الأمر الأول: العقل؛ لأن الله حينما قسم الحياة اعطى الرجال المزيد من العقل والحكمة، وللنساء العاطفة ة والحساسية، وإذا تأملنا فإن المجتمع لا يمكن أن يقاد إلا بهذين الامرين، وهما اشبه ما يكونا بجناحي طائر؛ وهما العلم والحماس( العاطفة)، ولولا الحماس فإن العلم لا يفيد، فهو ـ العلم ـ مثل سكّان السيارة، والحماس يكون وقودها.

فالمرأة وقود الحياة، والرجل سكّانها، ومن دون التكامل بينهما فإن الحياة لا تستمر، أو لا أقل لا تكون الحياة سعيدة.

والعلم هو الذي يجعل الناس يتفاضلون، لذا ترى في المجتمع رجال متميزين يديرون، وهناك آخرون يطيعون، فالذي جعل المدير مديرا، هو أنه يمتلك عقلا قويا، وحكمة بالغة.

كما أن تفاضل المجتمع يكون بالحكمة والعقل والادارة، كذلك فيما يرتبط بالاسرة فإن الادارة تكون بيد الرجل لانه يمتلك المزيد من العلم والحكمة.

الأمر الثاني: الانفاق كما أن مهمة الادارة توكل الى الرجل، فإن أيضا يتحمل مسوؤلية الانفاق (من له الغُنم عليه الغُرم)، ( وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم)، فكما أن الرجل عليه أن يدافع عن اسرته، وينظمها ويديرها فإن عليه الإنفاق.

فهذين الامرين السبب الرئيسي أن الادارة تعطى للرجل، وهذا عقليا صحيح، لأن الشخص الذي لا يعطي ليس له حق أن يأمر، وكذلك غير الحكيم.

وهنا تطرح تساؤلات بين الناس المتأثرين بالمجتمعات الغربي، وهي في الحقيقة شبهات وليس تساؤلات؛ منها ـ مثلا ـ محاولة الستاوي بين الرجل والمرأة، صحيح أن هناك تساوي في كثير من الحقوق، ولكن بعض التساوي ليس في مصلحة المرأة، كأن تكون المرأة مجندة، والدول التي ادخلت المرأة في هذا السلك، يعرفون جيدا أن هناك مهام عسكرية لا يمكن للمرأة أن تؤديها، ولهذا فهناك القوات خاصة، وقوة الصاعقة، وذلك لان طبيعة المرأة لا تتحمل، فلماذ يتم مخالفة الطبيعة العامة للمرأة؟

وفي مسألة الحكم والسلطة، صحيح أن هناك نساء يتسنمن مهمام كرئيس الجمهورية، أو رئيس الوزراء، وهذا حالات نادرة، ولكن الأعم الأغلب هم الرجال الذي يحكمون، وهذا لا يقتصر على مراكز الدولة، بل حتى في الشركات والمؤسسات تجد الرجال هم الذي يديرون، وهذا إن دل فإنما يدل على أن هناك تنظيما فطريا نظّم الخليقة على اساسه؛ وهو ان يعطي لبعضهم الحكمة، ولبعضهم العاطفة لكي تتكامل الحياة.

📌 بصائر الآيات

{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}، وقوامون جاءت من القيام، وهو الادارة، وهو الشيء الاقل من القيادة واكثر من الفوضى، ولذا على الانسان ان يعرف حدوده، فمثلا المدير لا يملك وضعه الخطة وحده، لانه مهمته تنفيذها، فالقائد هو الذي يضع الخطة ويُنفّذ كلامه.

وهناك اشارة اخرى في هذا الآية وهو كلاما عاما وهذا يعني أن الرجال ليس قوامون فقط في الاسرة، وإنما ايضا في باقي مفاصل الحياة.

ومن هذه الآية يُستفاد أن من شروط القيادة الاسلامية (المرجعية الدينية)، ان يكون المرجع ذكراً، فبعض الفقهاء قال: ان هذا الشرط ـ شرط المرجعية ـ جاء بالاجماع ولا دليل عليه، لكن الآية صريحة ومطلقة في قيام الرجال على النساء.

{بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}، هناك تفسير يقول: أن الله فضل الرجال على النساء، ولكن الصحيح ـ وحسب ما يبدو ـ أن كلمة {بَعْضَهُمْ} فإن الضمير يعود على الرجال (فبعض الرجال مفضل على البعض)، فكما ان في المجتمع يُفضّل بعض الرجال على غيرهم بالادارة والعقل، كذلك يُفضل الرجال على النساء بنفس العقل وبنفس الادارة.

⭐ إن صلاح الأسرة يكون في الإدارة الصحيحة ويجب أن تكون الادارة بيد الرجل، ولكن هذا لا يعني أن لا يكون للمرأة دور في ذلك

{وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}، وكما تم بيانه ان الادراة والانفاق هما للرجل، ولكن الادارة لا يعني أن يفعل الرجل ما يشاء ويستهويه، فالادارة تعني تطبيق القانون وبالواجب الذي عليه وهو تطبيق الخطة، وليس للرجل ان يعمل بعاطفته، إنما يجب عليه أن يعمل باحكام الدين.

{فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ}، فدور المرأة الكبير أن تسمع كلام الرجل، فما قيمة القائد أن يأمر القائد ولا يجد احداً ينفذ كلامه، يقول الامام علي، عليه السلام: “لا رأي لمن لا يطاع”، فلابد أن يكون هناك من يطيع وإلا فلا ما معنى للقيادة.

والمرأة جُبلت وفطرت على ان تسمع كلام الرجل، فالمرأة المترجلة التي تريد ان تزاحم الرجال في افكارها وادوارها تكون هي المتضررة، ولذا لابد لها أن تكون قانتة لله أولا، ثم لزوجها، يقول النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله: “لو أمرت أحدا أن يسجد لاحد لأمرت النساء ان يسجدن للرجال”.

{حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ}، فالرجل ينظم بيته ويضع اسراره فيه ويذهب الى الجهاد، والعمل، وسائر الاعمال الموكلة اليه، فهو بحاجة الى ان تُحفظ امانته وهو اشبه ما يكون (بسكرتير)، (أمين سر)، ولذا فالله جعل المرأة حافظة لسر زوجها وبيتها، وبمعنى آخر أن الرجل إذا كان مديرا للجانب الخارجي للأسرة فإن المرأة مديرة للجانب الداخلي.

ولكن ما هو الذي يجب أن تحفظه المرأة في غياب زوجها؟

عليها تحفظ كل ما أمر الله ـ تعالى ـ بحفظه، أن تحافظ على نفسها وعلى ابنائها، وتحافظ على اسرار زوجها، وعلى أمواله، وما اشبه.

المرأة باعتبار مسؤولياتها الكبيرة فإنها تصاب بحالات عصبية لانها عاطفية، وفي هذه الحالة يجب على الرجل أن يضبطها، والضبط في الاساس في مصلحة المرأة وليس في مصلحة الرجل فقط.

{وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}، وهنا على الرجل في الحالات العصبية للمرأة أن ينصحها ويعظها، والموعظة أهم صفة يجب أن يتمتع بها الرجل، فليس له أن يحمل السيف في يده دائما ويحاول أن يكره المرأة على قراراته، بل عليه ان يكون قادراً على اقناع المرأة، من خلال الموعظة او الهَجر على فراش النوم.

{ وَاضْرِبُوهُنَّ}، دار الكلام حول الضرب بشكل كبير، فبعض الفقهاء قال: أن الضرب ليس بمعنى التأديب بالضرب، وانما بمعنى ان الرجل غاضب على زوجته، وقد ورد في حديث الامام الباقر، عليه السلام : “انه الضرب بالسواك”.

{فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً}، إذا اطاعت المرأةُ الرجل بعد التمرد، فإن عليه أن لا يستغل ذلك في توبيخهها وتذكيرها بأخطائها بشكل دائم.

إن صلاح الأسرة يكون في الإدارة الصحيحة ويجب أن تكون الادارة بيد الرجل، ولكن هذا لا يعني أن لا يكون للمرأة دور في ذلك، فمسؤولية المرأة داخل البيت، والرجل خارجه، كما كان بيت أمير المؤمنين، وفاطمة الزهراء، عليهما السلام، فالرجل والمرأة جناحان تطير بهما الاسرة الى انتاج جيل صالح.

_____

*مقتبس من محاضرة لسماحة المرجع المدرسي (دام ظله).

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا