ثقافة رسالية

التآخي ودوره في النهوض الحضاري*

نحن ننتمي الى حضارة سابقة، ولكننا نعيش في ظل حضارة قائمة، ولذلك فنحن نعيش في منطقة جذب ما بين الماضي الذي فيه جذورنا، والحاضر بما فيه من تناقض مع تاريخنا، وأحيانا مع قيمنا.

فنميل تارةً الى أصالتنا، ونميل تارة أخرى الى ظروفنا، ولربما عاش بعضنا حتى مماته في حالة من التناقض الحادّ، ولذلك لابد أن نعرف من نحن؟ وأين نحن؟ وأن نفهم حضارتنا، وأن نعرف حضارتهم.

إنني أرى أن هنالك اختلافات أساسية بين الحضارة الغربية وبين حضارتنا، وهذا لا يعني أن ايجابيات الحضارة الغربية، بما في ذلك بعض النقاط في المنهج، يجب أن لا تؤخذ بعين الاعتبار، ولا أرى المقاطعة حلاً، كما لا أرى الانبهار والتقليد حلا.

كما أن محاولة الاستنساخ التي ينادي بها البعض، أو يقوم بها البعض هي الأخرى فاشلة، صحيح أننا ذكرنا أنه يمكن استيراد وتصدير الحضارات، لكن ليس بالاسلوب والطريقة التي ينادي بها المنبهرون بالغرب، فكما ذكرنا سابقا فإن من اراد استيراد الحضارة فليتعلم العلم، وليمتلك عناصر القوة، بما في ذلك المال والرجال، والتنظيم الدقيق للحياة، والاهتمام بالعلوم وما اشبه.

إن الدعوات الى الاستنساخ الأعمى للحضارة الغربية هي محاولة مغرضة من قبل البعض، بالإضافة الى انها فاشلة، لأن اصحاب هذه المحاولة لا يريدون أن يقيموا لنا حضارة، إنما يريدون أن نبقى تابعين للحضارة القائمة، وهكذا فإني أخلص الى ما يلي:

أولا: لابد أن نفهم الحضارة القائمة بمقاييسها ومناهجها.

ثانيا: لابد أن نفهم انفسنا وبيئتنا، ولابد أن ندرس قيمنا ومُثلنا والمبادئ التي قامت عليها حضارتنا، ومن ثم نتصارع مع الحضارة القائمة، نتفاعل معها حينا، ونختلف معها حينا أخرى، لكي ننتهي الى بناء حضارتنا.

إننا اليوم مدعوون الى نهوض حضاري شامل، لكي نعيد لامتنا مكانتها التي تستحقها، ولكن هذا النهوض لن يكون بالتمنيات، وإنما بالعمل الجاد والمخلص، صحيح أننا نرى بعضا من بوادر النهوض الحضاري في أمتنا، كما نرى الحيوية لدى المؤمنين العاملين في كثير من الساحات، إلا أن هذا لا يكفي بل نحن بحاجة الى نهضة شاملة على كل المستويات، وهذه النهضة لها شروطها واسبابها.

ولنضرب مثلا بزيارة الاربعين الى مقام الإمام الحسين، عليه السلام، التي تتجدد كل عام، وتتمظهر خلالها سمات النهوض الحضاري، فزيارة الاربعين بالدرجة الأولى هي قيام لله ـ عز وجل ـ ولإحياء الدين.

وكذلك أي نهوض حضاري لنا لابد أن يتميز بكونه لله ـ تعالى ـ، كما أن زيارة الاربعين تعتمد على الجماهير المؤمنة، دون تفرقة بين جنسياتهم أو اعراقهم او انتماءاتهم، وهذا شرط اساسي في اي نهوض حضاري لأمتنا، كما أن زيارة الاربعين تتميز بتكاتف الجهود وتكثيفها في مدة زمنية قياسية، وهو في الحقيقة ما نحتاجه اليوم من اجل النهوض الشامل، فلا يمكن النهوض بالأمة دون تظافر جهود ابنائها وتكاتفهم.

صحيح أننا في بعض الأحيان نشعر بخيبة الأمل من اوضاعنا، إلا أن النور بدأ يتشعشع في ديجور الظلام الذي خيم علينا لعصور طويلة من قباب ضريح الإمام الحسين، عليه السلام، رائد الاصلاح في هذه الأمة وقائد التصحيح  فيها.


  • إعداد هيأة التحرير

عن المؤلف

آية الله السيد هادي المدرسي

اترك تعليقا